تماشيا مع مبادئها الراسخة التي لم تختلف يوما عن نصرة أشقائها ودعم القضايا العادلة إقليميا قاريا ودوليا، شاركت الجزائر بجيشها سليل جيش التحرير الوطني في الحروب العربية الصهيونية وهي إحدى المحطات الهامة في تاريخ الجزائر المعاصر، حيث تمكن الجيش الوطني بفضل الخبرة العسكرية التي اكتسبها منذ ثورة الفاتح نوفمبر 1954 من رسم أروع صور البطولات والتضحيات فداء لفلسطين.
مشاركة الجزائر في حرب الستة أيام
كانت الجزائر مستعدة لدخول أول حرب خارج حدودها الإقليمية، رغم أن الجيش الجزائري لم يكن في تمام جاهزيته القتالية بسبب حداثة الاستقلال الذي لم يمر عليه سوى 5 سنوات، ونتيجة لتصاعد الأحداث في المنطقة جاءت رسالة التضامن التي وجهها الرئيس بومدين لكل من سوريا ومصر في 18 ماي 1967، والتي حملها مبعوثه الخاص قائد أركان الجيش الوطني الشعبي، حيث تمثلت مهمة الوفد في التعرف على كل المعطيات في عين المكان، والاستفسار عن المساهمات المطلوبة وتقديم العرض بإرسال قوات مسلحة جزائرية لمواجهة كل الاحتمالات.
ولتقديم الدعم العسكري قام رئيس مجلس الثورة باتخاذ قراره المتعلق بالدعم العسكري، فأعلن بالجزائر في 27 ماي قرار التعبئة العامة، وبمجرد وصول خبر الهجوم الجوي الصهيوني على الجيوش العربية، قرر إرسال قوات جزائرية على جناح السرعة إلى ميدان المعركة.
حشد بومدين القوات الجزائرية المتوجهة إلى الجبهة المصرية، في ثكنة عسكرية بزرالدة غربي العاصمة وخطب فيهم قائلا:
''العدو يتحرش بالجيوش العربية، وقد جعلوا –إسرائيل- خنجرا في قلب الأمة العربية، وأنتم مجاهدون في سبيل القضية العربية، ومصر هي التي تحملت عبء الحرب وساعدتنا خلال ثورة التحرير، لنبرهن على قوتنا خارج حدود أراضينا".
وقد تحركت القوات الجزائرية في النشاطات العسكرية وهتافات الشعب الجزائري تشد من أزرهم، فكلما مروا بمدينة احتشد السكان حولهم، داعين لهم بالنصر، كما أرسلت الجزائر باخرة محملة بالأسلحة والذخائر الحية ومواد التموين الضرورية للحرب، نقلت على متنها 30 دبابة و 1 فيالق، لكن هذه القوات لم تصل إلى بعد أسبوعين إلى خطوط المواجهة، و كانت الحرب قد انتهت بشكل خاطف في ستة أيام، بعد تدخل الأمم المتحدة وكل من الإتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، وعليه كانت نكسة جديدة للعرب بعد أن تمكن الاحتلال الصهيوني من إضافة مساحة الأراضي التي احتلتها عام 1948 .
حرب أكتوبر 1973 منعرج حاسم لرد الاعتبار ..
شاركت معظم الدول العربية تقريبا في حرب 1973 طبقا لاتفاقية الدفاع العربي المشترك، لكنها وصفت بالمشاركة الرمزية عدا سوريا والعراق والجزائر التي كان جنودها يشاركون بالفعل مع الجنود المصريين في الحرب بحماس وقوة على جبهة القتال.
كانت الجزائر ثاني دولة من حيث الدعم خلال حرب 1973، بعد العراق المساهم على الجبهة السورية، فشاركت على الجبهة المصرية بفيلقها المدرع الثامن للمشاة الميكانيكية بـ 2115 جندي و812 ضابط صف و192 ضابط جزائري.
كما أمدت الجزائر مصر بـ 96 دبابة و32 آلية مجنزرة و12 مدفع ميدان و16 مدفع مضاد للطيران وما يزيد عن 50 طائرة حديثة من طراز ميغ 21 وميج 17 وسوخوي 7، حسب تصريحات المستشار علي محمود محمد رئيس المكتب الاعلامي المصري بالجزائر في الاحتفال الذي أقيم في السفارة المصرية بالجزائر احتفالا بنصر أكتوبر.
بدأت الحرب في 6 أكتوبر1973، حيث اندفعت القوات المصرية عبر قناة السويس في عملية عبور اشترك فيها مئة ألف رجل وأكثر من 1000 دبابة و13500 مركبة خفيفة 3 وثقيلة، عبرت جسور أقامتها فوق قناة السويس واستطاعت الاستيلاء على خط بارليف الحصين.
فبعد تحديد موعد الهجوم قررت الجزائر إرسال الدعم لمصر فأرسلت 4 أسرابا من طائرات مقاتلة السرب رقم 23 ،السرب رقم 17 ،السرب رقم 21 ،السرب رقم 14 ،وأرسلت سرب واد MF21 والذي يحتوي على 13 طائرة، وسربان ميغ F17 ،يحتوي على 23 طائرة وسرب واحد KSU7 BM يضم 12 طائرة، أما أفواج اللواء، فانطلقت يوم 12 أكتوبر أي بعد 6 أيام من اندلاع الحرب وتطلبت المسافة التي تفصل الأراضي المصرية عن الجزائر والمقدرة بـ 4 آلاف كيلومتر، مسيرة أسبوعين تقريبا، عبرت خلالها الأراضي التونسية والليبية ودخول مصر عن طريق السلوم ومرسى مطروح كما تم نقل جزء منها عن طريق الدجر من ميناء طرابلس اتجاه الإسكندرية.
وعند وصول القوات الجزائرية الأراضي المصرية تم دمج اللواء الجزائري مباشرة بعد وصوله في تشكيل الجيش الثالث مع الفرقة الرابعة المدرعة بقيادة الجنرال محمد عبد العزيز، لمحاصرة العدو من اتجاه الغرب حيث قامت القوات الجزائرية في تلك الحرب بأدوار بطولية وحاسمة، جسدت مدى تلاحم الشعوب العربية من أجل نصرة القضية الفلسطينية.
وبعد الانتصار العربي على العدو الصهيوني، قال الرئيس الراحل أنور السادات " إن جزءا كبيرا من الفضل في الانتصار الذي حققته مصر في حرب أكتوبر -بعد الله عز وجل -يعود لرجلين اثنين هما الملك فيصل بن عبد العزيز عاهل السعودية والرئيس الجزائري هواري بومدين حسب تصريحات ابنة الرئيس السادات كاميليا السادات، لدى استضافتها بإحدى القنوات الفضائية المصرية.
عقدة شارون..
تحدث رئيس هيئة أركان الكيان الصهيوني، «دافيد إليعازر» في الحرب العربية الإسرائيلية، أن قواتهم خسرت حربها سنة 1973 نتيجة استهانة واستهتار اللواء أرييل شارون الذي وصفه بالمغرور، حيث كان هذا الأخير يصف أسلحة الجزائريين بالبدائية وتوقع فرار الجنود الجزائريين لمجرد رؤية دباباتهم،
لكنهم نصبوا له الفخ، فخسر الصهاينة في يوم واحد 900 قتيل من أفضل رجالهم وفقدوا 172 دبابة، وهي الهزيمة التي يتحمل الجنرال السفاح شارون مسؤوليتها الكاملة بعدما كسر الأمر العسكري، واندفع باتجاه القوات الجزائرية، التي أعطته درسا في القتال والاستبسال.