الراي ... تراث جزائري عريق وتحولات فارقة

فرقة راينا راي
01/12/2022 - 13:59

تعدّ موسيقى وأغنية الراي تراثًا جزائريًا عريقًا يمتدّ إلى القرن الثامن عشر، وشهد على مدار تاريخه الحافل تحولات فارقة وعديد الفرق والأسماء التي أثرت أغنية الراي الشعبية الجزائرية التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، الخميس، في قائمة التراث العالمي غير المادي للإنسانية.

بحسب عموم الدارسين، أتت تسمية "الراي" من "الرأي"، أي الإعراب عن الرأي، ويشير الباحثون إلى أنّ هذه الحركة الموسيقية الغنائية بدأت في غرب الجزائر بحر القرن الثامن عشر، حيث برز في مدينة وهران قبل أن ينتشر في حواضر سيدي بلعباس، عين تموشنت وغليزان.

وتشير مراجع موثّقة إلى أنّه كان يُطلق على مؤدي "الراي"، مسمى "الشيخ" و"الشيخة"، قبل أن يظهر لقب "الشاب" و"الشابة" في أواسط سبعينات القرن الماضي، وجرى استخدام ذاك اللقب كإشارة إلى التجديد الكبير الذي ظهر على هذا الطابع الموسيقي.

وبالعودة إلى جذور أغنية وموسيقى الراي، يربطها دارسون بشيوخ الأغنية البدوية الجزائرية التي يعتبر من روادها الشيخ حمادة (1889 – 1968) وعبد القادر الخالدي.

وكانت لغة الأغاني البدوية من اللهجة العامية القريبة للعربية البدوية وتأخذ جل مواضيعها من المديح الديني والمشاكل الاجتماعية، ركّزت اهتمامها إبان فترة الاستعمار الفرنسي على سرد مآسي السكان من صعوبة للمعيشة وآفات اجتماعية تحاول من خلالها تنبيه أو توعية للمستمع.

ولا يغفل الباحثون أنّ الأغنية الوهرانية أسهمت بقسط وافر في تطوير أغنية الراي التي كان مصدرها فلكلور رقصة العلاوي الذائعة الصيت بغرب الجزائر.

ويشير متابعون إلى أنّ حاضرة سيدي بلعباس كانت السبّاقة في مجال تطوير موسيقى الراي، حيث كان أول مغنٍ هو أحمد زرقي، قبل أن يعقبه الشاب دريسي العباسي، كما سطع اسم المغني بوطيبة الصغير الذي أخرج الراي بإيقاع مختلف، واستخدم الكثير من الكلمات الشعبوية، ومن أشهر أغانيه (أنا وشتا جابني كنت مهني في دارنا).

وبرزت أسماء الشيخة الريـميتي والشيخ بلمو، على نحو مكّن الراي من تحقيق قفزات موسيقية معتبرة أعطياه رواجًا أكبر وصار له متابعون أكثر، وجرى استخدام آلات موسيقية عصرية كالساكسو والسنثسيزر، كما جرى تبني آلات ونغمات الريغي والموسيقى الإلكترونية، وجرى إدخال الكلمات الفرنسية والإنجليزية، على جعله ينفصل نهائيًا عن الشعر المُلّحون.

وتميز الراي التقليدي بطريقته في الغناء والألحان والكلمات المستقاة غالبًا من الشعر الملحون، حيث برزت آنذاك الكثير من الأصوات التي تعتبر اليوم من أعمدة هذا الفن على غرار الشيخة الريميتي، واسمها الحقيقي سعدية بدياف، المنحدرة من ولاية بلعباس والتي صدحت بصوتها في سماء أغنية الراي منذ 1952 لتكون بذلك سفيرة بارزة لهذا الطابع.         

وعرف الراي عصرنة بعد الاستقلال بفضل الأخوين رشيد وفتحي بابا أحمد ومسعود بلمو، حيث أدخلت العديد من التأثيرات الموسيقية الغربية كما صارت موضوعاته تتمحور أساسًا حول المسائل العاطفية، لينتشر بعدها على أوسع نطاق مع ظهور المهرجان الذي خصّص له انطلاقًا من عام 1985.

وواصل الراي انتشاره الكبير، حيث امتدّ إلى مختلف مناطق الجزائر بفضل تطور دعائم التسجيل والنشر واكتسح أيضا الساحة الموسيقية العالمية من خلال أعمال العديد من الفنانين الجزائريين ومشاركة أسماء موسيقية عالمية في مشاريع فنية مشتركة.

طيف "راينا راي"

شهدت الأغنية الرايوية، منعطفًا حاسمًا مع ظهور فرقة الراي العباسي في سبعينات القرن الماضي، ثمّ فرقة "راينا راي" في الثمانينات التي خاضت بقوة في فن الراي ومنحته بعدًا جديدًا.

وتألقت موسيقى الراي عبر جيل خالد، مامي، حسني، نصرو، حسان، عباس وغيرهم ممن تغنوا بمغامرات الحب والغرام وكل ما يحلم به الشباب، وانتشر فن الراي بشكل واسع لا سيما بعد تحسين ألفاظ الكلمات، وكان الشاب حسني واحدًا ممن أدخلوا أغنية الراي إلى البيوت الجزائرية، وكان ذلك عبر حصة "بلاد ميوزيك" التي كان يقدمها التلفزيون العمومي مطلع تسعينات القرن الماضي.

ثورة الألفينات

تميزت السنوات اللاحقة، بثورة حقيقية لفن الراي تميّزت بسطوع أسماء مثل "الشاب بلال" و"حسني شقرون" المكنّى "الشاب حسني" عميد الأغنية الرومانسية في الراي، أو ما عُرف بـ "ملك الراي العاطفي"، الذي تميزت أغانيه بموسيقى قوية جددت في إيقاعات الراي التقليدية أكثر إلى العاطفية، كما انسجمت أغاني الشاب حسني لحنًا وإيقاعًا وصوتًا، وتغنى بموسيقاه مختلف متذوقي فن الراي في مختلف الدول.

وتضم الجزائر العديد من الباحثين في هذا النوع الموسيقي على غرار عبد القادر بن دعماش وعبد الحميد بورايو والراحل الحاج ملياني، إضافة إلى العديد من الباحثين في علم الانسان والذين خصصوا أبحاثا وإصدارات كثيرة للتأريخ لهذا الفن والتعريف به بهدف حفظ ذاكرته كتراث جزائري.