تستقطب ورشة "فن الحكواتي" التي يشرف عليها الفنان المخضرم صديق ماحي بقاعة السينماتيك وسط الجزائر العاصمة، اهتمام مجموعة من الطلبة وممارسي المسرح، بما تتيحه من تكوين عملي يعزّز معارف المتربصين في مجال فن الحكي التراثي الذي يعتبر شكلاً أصيلاً من صميم تقاليد الممارسة المسرحية الجزائرية.
في هذا الإطار، أوضح ماحي أنّ الورشة التدريبية التي تنظم ضمن البرنامج التكويني للمهرجان الوطني الـ 15 للمسرح المحترف، تعرف مشاركة مجموعة من طلبة أقسام الفنون والمنخرطين في الجمعيات والمسارح الجهوية على المستوى الوطني، بهدف "تبسيط مفاهيم هذه الممارسة العريقة في الشكل المسرحي الاحتفالي الذي يستمد وجوده من التراث الجزائري العريق وإعطاء الطلبة أسرار وطقوس الحكاية".
وذكر ماحي أنّ الهدف من هذه الورشة الحية يكمن في "نقل كل ما يمتلكه من شغف وخبرة وممارسة تمتد لأكثر من 40 سنة في مجال الحكواتية وفن القوال لهؤلاء الشباب" وهو بمثابة جسر ثقافي مع الآخر وجزء من تراثنا اللامادي الذي من الضروري الحفاظ عليه وحمايته لإبراز الهوية الجزائرية.
وأشار إلى أنّ الورشة التي تستمر لغاية نهاية المهرجان مبادرة جيدة "لاستكشاف هذا اللون الفني التراثي والتعريف به" وقد تميزت الحصص الأولى مع الطلبة، الذين يكتشف اغلبهم لأول مرة هذا التعبير المسرحي، تقديم مفهوم عام للحكاية تاريخها وتسمياتها المختلفة في الفضاء الثقافي والسردي بالمنطقة العربية التي تتراوح ما بين الحكواتي، المدّاح، الراوي، القوّال وغيرها ومحاولة تصحيح المفاهيم المتداولة بدقة.
ونوّه المتحدث بجهود الباحثين والأساتذة الجامعيين المختصين في "تجديد هذه الممارسة لتواكب العصر الحديث"، مبرزًا أنّ فن الحكواتي حافظ على مكانته وديمومته منذ القديم وتداولته أجيال متعاقبة حيث يسعى كل جيل إلى تطعيمه ببصمته الخاصة وإدخال عناصر تقنية وجمالية لجذب الجمهور.
وتلقى المشاركون في الورشة مفاهيم تتعلق بمفهوم الحكاية وعناصرها الجوهرية التي تبنى عليها كشكل مسرحي على غرار المقدمة والحبكة والختام وبنية الشخوص والمكان مع مراعاة معايير اخرى كعامل الزمن لشد انتباه الجمهور وتشويقه حتى لا يقع في الملل والرتابة وينفر من متابعة العرض والتجاوب معه.
وأضاف ابن حاضرة سيدي بلعباس، أنّ هذا النوع المسرحي الاحتفالي الذي يعتبر من عناصر التراث الشفوي الشعبي في الجزائر موجود ايضا في كل دول العالم وتتقاسمه كل الثقافات الإنسانية حيث تتقاطع في الكثير من الأحيان الحكايات والاساطير التي ينقلها الرواة من جيل إلى جيل لتضفي عليها كل منطقة بصمتها التراثية وقيمها الجمالية والتقنية المحلية.
وسبق للحكواتي الإشراف على 13 ورشة ودورة تكوينية لفائدة المسرحيين المهتمين بدراسة وممارسة فن الحكواتية عبر العديد من الدول على غرار مصر، الإمارات العربية المتحدة، الأردن، لبنان، الكونغو، السودان، موريتانيا، وتونس، وأصدر كتابًا بعنوان "مولى مولى وحكايات جزائرية"، بعد اشتغاله على تجميع بعض أساطير منطقة الأهقار.
وألّف ماحي صديق العديد من الحكايات، يعرضها على الخشبة منها "زبانة"، تكريما لروح شهيد المقصلة لتقريب هذه الشخصية الفذة في تاريخ الثورة التحريرية من الجيل الجديد، ونص "الضاوية" حول مسألة حقوق الطفل في المجتمع على ضوء الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، ونص "دور لوهران" التي تروي تاريخ الباهية.
ويتواصل مهرجان المسرح المحترف الى غاية الأحد القادم، بتنظيم ورشات تكوينية حول المسرح الاذاعي، النقد الصحفي، التمثيل والموسيقى.