صادق البرلمان الفرنسي، اليوم الخميس، على مقترح لائحة "تدين القمع الدموي والاجرامي الذي مورس على الجزائريين تحت سلطة محافظ الشرطة، موريس بابون في 17 اكتوبر 1961" بباريس، حيث استشهد خلالها مئات المتظاهرين السلميين، حسب شهادات المؤرخين.
وصوّت 60 نائباً بنعم، بينما عارض 11 نائباً من المحسوبين على فصيل التجمع الوطني (اليمين المتطرف).
ودعا النص إلى ادراج يوم لإحياء ذكرى هذه المجزرة في "رزنامة الأيام الوطنية والمناسبات الرسمية".
وأوضحت البرلمانية الايكولوجية، صبرينة صبايحي، المبادرة بالنص أنّ صياغة الأخير شكّلت موضوع "اعادة كتابة حرفية مع الحزب الرئاسي والإليزيه من أجل التوصل إلى صيغة تناسب السلطة التنفيذية".
وأضافت صبايحي أنّ ادراج يوم للذكرى في رزنامة الأيام الرسمية والمناسبات أدى إلى حدوث "نقاشات محتدمة دامت عدة أشهر وفي النهاية توصلنا الى اتفاق".
من جانبه، أكد النائب السابق، فيليب غيمار، الذي شارك في العمل، أنّ المناقشات كانت "كثيرة" ومقترح اللائحة تمّ "صياغته كلمة بكلمة".
المجزرة الفرنسية المغيّبة
ظلّت مظاهرات السابع عشر أكتوبر 1961 بباريس، ملتصقة بالمجزرة الفرنسية المغيّبة والمقترفة في باريس قبل 63 عاماً، وما رافقها الممارسات الإجرامية الشنيعة لآلة الاستعمار الفرنسي في مواجهة تضحيات جزائريي المهجر وتضحياتهم لأجل الاستقلال.
هذه الجريمة ارتكبتها قوات الشرطة الفرنسية ضد مواطنين جزائريين خرجوا إلى شوارع باريس في حركة سلمية للتنديد بحظر التجول التعسفي والعنصري الذي فرضه عليهم محافظ الشرطة موريس بابون الذي تمّت إدانته سنة 1998 بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وبالفعل، تجمّع عشرات الآلاف من الجزائريين بباريس قبل 63 عاماً، مندّدين بالممارسات الفرنسية التمييزية ومطالبين باستقلال الجزائر، غير أنّ المؤرخين يؤكدون إعداد السلطات الفرنسية خطة بشكل مسبق لقمع هذه المظاهرات بأبشع الصور وجندت لذلك قوات أمنية معتبرة مدعمة بقوات مساعدة مكوّنة من الحركى، ارتكبت جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم ولا يمكن العفو عنها.
وكان المحامي السابق للقضية الجزائرية، جاك فيرجس، انتقد سياسة "الكيل بمكيالين" في معالجة مسائل الاستعمار، عندما يتعلق الأمر بالجزائريين والسرعة التي أدانت بها السلطات الفرنسية، موريس بابون، إثر تورّطه في ترحيل اليهود، دون أن يتم إزعاجه بشأن جرائمه ضد الجزائريين الذين أمر بـ "رميهم" في نهر السين، وردّد فيرجس دوماً عبارته الشهيرة بالقول: "القادة الفرنسيين مصابون بالعمى السياسي والأخلاقي".
وبعد مرور 63 عاماً من وقوع هذه الجريمة، لا تزال فرنسا الرسمية تتمادى في عدم الاعتراف بها رغم أنّ الأحداث تمّ توثيقها من طرف العديد من المؤرخين والباحثين، ولم تسمح الدولة الفرنسية بإنشاء لجنة تحقيق ولم يتم الرد على أي شكوى حول مشاهد العنف والتقتيل والتعذيب الممنهج الذي راح ضحيته عدد كبير من الرجال والنساء والأطفال الذين طفت جثثهم فوق مياه نهر السين وتعرض الآلاف إلى عمليات الطرد والإخفاء القسري.
وبالرغم من ذلك، تواصل العديد من المنظمات الحقوقية والشخصيات، حتى من داخل فرنسا، مطالبة الإليزيه بالاعتراف الرسمي بمجازر 17 أكتوبر 1961 وتحمّل مسؤوليتها التاريخية، وسبق للمؤرخ الفرنسي، جون لوك اينودي، التصريح: "ارتكاب مجازر السابع عشر في قلب باريس، دحض الادعاء الرسمي بأنّ فرنسا دولة حقوق الإنسان".