دور منتدى الدول المصدرة للغاز في تعزيز الدبلوماسية الطاقوية الجزائرية

أصف ملحم
24/02/2024 - 15:16

تحتضن الجزائر في الفترة ما بين 29 فبراير و 2 مارس القمة الـ 7 لرؤساء دول و حكومات منتدى الدول المصدرة للغاز. هناك 12 دولة-عضو في المنتدى، و هي: الجزائر، روسيا، مصر، الإمارات، ليبيا، فنزويلا، إيران، بوليفيا، غينيا الإستوائية، نيجيريا، قطر، تريندار و توباغو. كما أنه يوجد 7 دول ستكون حاضرة بصفة مراقب، و هي: أذربيجان، العراق، ماليزيا، أنغولا، موريتانيا، موزامبيق، البيرو.

أعتقد أنه لا نحتاج إلى تقديم الحجج على أهمية الغاز في سوق الطاقة العالمي، فالآثار السلبية التي خلفتها الحرب الروسية-الأوكرانية هي مثال حي على ذلك؛ فلقد أدّى تراجع إمدادات الغاز الروسي في أوروبا إلى أزمات اقتصادية و اجتماعية و سياسية أيضاً، و ما زالت هذه الأزمات تتفاعل حتى هذه اللحظة!

لا مندوحة، للخوض في الموضوعه المراد بحثه، إلا أن نبدأ مقالتنا بتقديم تعريف واضح للدبلوماسية الطاقوية، ومن ثم نبحث أهمية منتدى الدول المصدرة للغاز و دور الجزائر فيه باعتبارها الدولة المضيفة.

وهكذا، فالدبلوماسية الطاقوية: هي النشاط الذي تقوم به المؤسسات السياسية و الاقتصادية و الطاقوية بهدف تحقيق السياسة الطاقوية الخارجية للدولة.

 

أما السياسة الطاقوية الخارجية فهو النشاط الذي تقوم به الحكومة في مجال العلاقات الدولية بهدف الدفاع عن المصالح الوطنية المرتبطة بإنتاج و نقل و استهلاك حوامل الطاقة. لذلك فأهداف و وظائف و اتجاهات السياسة الطاقوية الخارجية مرتبطة بشكل مباشر بالسياسة الخارجية للدولة.

أهم المسائل التي تعالجها الدبلوماسية الطاقوية:

-النقل الآمن و المستمر و الموثوق لحوامل الطاقة.

-حل الخلافات بين دول العبور الرئيسية.

-حل النزاعات بين الدول حول حقول الغاز المتاخمة للحدود.

-تحديد الحدود البحرية بين الدول المتجاورة بحيث يتم تقاسم الثروات الطاقية بطريقة عادلة.

-حل المشاكل المرتبطة بالاستثمار و المشاريع الطاقوية الكبيرة لتحاشي التنافس غير الفعال.

-مراقبة الأسعار و العمل على استقرار سوق الطاقة.

في الواقع، بدأ الحديث عن الدبلوماسية الطاقوية، و السياسة الطاقوية عموماً، بعد أزمة الطاقة الطاقة في سبعينيات القرن الماضي. و بسبب الأهمية الكبيرة لهذا المورد الهام أسست العديد من الدول اتجاهات متخصصة في سياستها الخارجية لمعالجة المسائل المرتبطة بالطاقة بشكل مباشر.

في الدبلوماسية الطاقوية يمكننا تمييز مجموعة من أنماط العلاقات:

-العلاقة بين الدولة المستهلكة.

-العلاقة بين الدول المنتجة.

-العلاقة بين المجموعتين السابقتين ضمن المنظمات الطاقوية الدولية.

-العلاقة بين الدول المنتجة و المستهلكة.

-العلاقة بين الدول المستوردة و المصدرة و دول العبور.

أكثر الآليات انتشاراً لتحقيق الأهداف المرجوة من الدبلوماسية الطاقوية هي العقود، أو أي نوع من الوثائق القانونية-السياسية، التي يتم اعتمادها بشكل ثنائي بين الدول. وفي الكثير من الأحيان يتم إنشاء لجان مشتركة متخصصة في مجالات التعاون الاقتصادي أو الفني-العلمي، وضمن هذه اللجان يوجد مجموعات عمل لمعالجة المشاكل المرتبطة بقطاع الطاقة. أما في حالة صيغ التعاون متعددة الأطراف، فيتم عادةً إنشاء مجموعات عمل دائمة للحوار و التشاور و التنسيق حيال المسائل المرتبطة بالطاقة.

في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن العوامل الجيوسياسية تلعب دوراً كبيراً في مسائل الطاقة، و خاصة في موضوع الغاز؛ فنقل الغاز بالأنابيب هو أرخص الطرق و أسهلها تكنولوجياً. لذلك، فالجيوبوليتيك يلعب هنا دور المنظّم و الموجّه في ابتكار طرق و وسائل الدبلوماسية الطاقوية.

على هذه الخلفية، ندرك أهمية وجود منتدى الدول المصدرة للغاز؛ فلقد كانت و لا زالت الاستراتيجية النّدوية، أي الاستراتيجية التي تتخذ من المنتديات أداةً لتفعيل آليات عملها، استراتيجيةً ناجعةً؛ فالمنتديات عبر تاريخها من أهم حفّازات المبادرات الشاملة والتغيرات التاريخية والإنجازات الصناعية والأفكار الاقتصادية وآلاف المشاريع المشتركة، هذا من جهة. من جهة أخرى، تزايد الاعتماد على الغاز كأحد أهم مصادر الطاقة في العقود الأخيرة.

فضلاً عن ذلك، و نظراً للاضطرابات السياسية التي تعصف في أكثر من منطقة في العالم، فإن هذه الدورة التي ستنعقد في الجزائر تكتسب أهمية خاصة، لأسباب عديدة، أهمها:

1-تحولت الجزائر إلى ثاني أكبر مورد للطاقة عبر الأنابيب إلى أوروبا بعد النرويج بعد تراجع الإمدادات الروسية.

2-الموقع الجغرافي للجزائر، سواء بالنسبة لأوروبا أو بالنسبة للدول الأفريقية الأخرى المنتجة للغاز، و تحديداً نيجيريا و مصر و ليبيا، الأمر الذي يسمح بتقاسم السوق الأوروبية بطريقة عادلة دون حصول أي شكل من أشكال الاحتكاك أو التنافس غير المجدي.

3-سيسمح امتلاك الجزائر لسواحل طويلة على البحر المتوسط باستثمارات كبيرة في مجال الغاز المسال، و خاصة أن خبرة الجزائر في هذا النوع من التكنولوجيا متطورة.

بناءً على ما تقدم، سيسعى المشاركون في المنتدى، الذي ستشهده الجزائر نهاية هذا الشهر، إلى تحديد و دراسة و مناقشة أهم التحديات التي تواجه قطاع الغاز، وبالتالي إصدار مجموعة من التوصيات و المقترحات. و نظراً للعلاقات السياسية الجزائرية المتوازنة مع باقي دول العالم و استقلالية القرار السياسي الجزائري، فإننا نعتقد أن جميع مخرجات هذه الدورة ستلقى ترحيباً من جميع الدول المعنية، و خاصة أن الجزائر الآن هي عضو في مجلس الأمن الدولي، و هذا ما سيساعد على الدفع بهذه التوصيات لكي تكتسب الصفة القانونية-الدولية، الأمر الذي سيساهم، دون أدنى شك، في تعزيز استقرار السوق العالمي للغاز.

الدكتور آصف ملحم مدير مركز جي إس إم للأبحاث والدراسات (موسكو)

 

المصدر/ رأي اليوم