أرجع الخبير في الطاقة مهماه بوزيان الارتفاع الأخير الذي شهدته أسعار النفط إلى سببين رئيسيين.
في حوار نشرته وكالة الأنباء الجزائرية، عزا بوزيان الارتفاعات الحاصلة في بورصة النفط، إلى التراجع الحاد في الاستثمارات النفطية وهبوط الاحتياطيات التجارية على مستوى الدول الكبرى المستهلكة.
واعتبر الخبير أنّ ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 90 دولارًا جاء نتيجة لجملة من العوامل الهيكلية، يأتي على رأسها تراجع الاستثمارات في سلسلة صناعة النفط، خصوصًا في المنبع وتراجع القدرات الاحتياطية للإنتاج لدى معظم الدول المنتجة للنفط.
يُضاف إلى ذلك، تراجع الاحتياطات التجارية من النفط بالدول المستهلكة حيث بلغت بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مستويات لم تعرفها منذ سنة 2000، وأشار مهماه إلى وجود أسباب أخرى ذات طابع مرحلي من بينها زيادة أسعار الغاز مما دفع بالمستهلكين إلى التوجه نحو النفط كمورد بديل، والوضع الجيوسياسي على الحدود الروسية الأوكرانية، والملف النووي الإيراني ووضع الإمدادات في بعض الدول المنتجة على غرار ليبيا وأذربيجان وكازاخستان ونيجيريا.
وتلقي هذه العوامل بالمزيد من الضبابية على مستوى مستقبل أسعار النفط، إذ يصعب التنبؤ في أي اتجاه قد تتطور إليه العلاقات الروسية الأوكرانية وكيف ستؤثر على إمدادات الغاز عبر "نورد ستيرم"، كما لا يستطيع أحد أن يحكم على إمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي في الملف النووي الإيراني وبالتالي تاريخ عودة إيران إلى حصتها النفطية كاملة.
وبالموازاة مع ذلك، فإن النقاش لا يزال دائرا حول المزيج الطاقوي لأوروبا وإمكانية رفع نسبة الطاقة النووية والفحم لضمان الأمن الطاقوي بالرغم من أهداف الحياد المناخي المعلن عنها.
تجاوز الأسعار 100 دولار لا يخدم مصالح الدول المنتجة
توقع الخبير أن تؤدي العوامل الآنفة مجتمعة والتي تزيد من حالة عدم اليقين في السوق إلى تحرك الأسعار بشكل "متموج"، على غرار ما حصل في نوفمبر وديسمبر الماضيين عندما صعد إلى مستويات تلامس 85 دولارَا قبل يهبط أسابيع بعدها إلى 70 دولارًا، وبالتالي فإنّ أسعار النفط ستشهد على الأرجح سنة 2022 "قفزات وتراجعات معًا" لكن في حدود المنطقة بين 80 و90 دولارًا.
وهنا أبرز بوزيان دور تحالف "أوبك+" في جرّ الأسعار إلى "منطقة الأمان" هذه، من خلال التكيّف مع كل ما يستجد من سوق بشكل مستعجل، وفي هذا الإطار، اعتبر الخبير أنّ اتفاق أوبك+ يمثّل "الضامن الحقيقي" لاستقرار الأسعار في السوق، مؤكّدًا أنّ التحالف ينظر للأسعار ليس كرقم بالدولار، وإنما كحصيلة لتشابك مختلف العوامل المصفوفة.
ولا تستهدف أوبك وحلفائها خارج المنظمة سعرا بعينه بقدر ما تهدف إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب بشكل "مستدام"، يمكن من ضمان الإمدادات على المدى الطويل في صالح المنتجين والمستهلكين معا.
واعتبر في هذا الإطار أن "السوق النفطية العالمية بحاجة إلى جهة حذرة مثل أوبك، لا تسعى إلى تحقيق مداخيل عالية على حساب الاقتصاد العالمي، ولا تجازف بالتخلي في لحظة رعب عالمي (على غرار الجائحة أو النزاعات) عن توازن السوق".
من جهة أخرى، حذّر الخبير من التوقعات التي تشير إلى إمكانية ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية قد تصل إلى 125 دولارًا أو حتى 150 دولارًا كما ورد في بعض التقارير، وأضاف أن مثل هذه التحاليل يزيد من تنافس المضاربين من أجل شراء كميات أكبر من النفط وتخزينها في انتظار ارتفاع الأسعار لإعادة بيعها، وبالتالي فإنه يخلق حالة من الارتباك في الوقت الذي تتطلب فيه مصلحة المتعاملين المستدامة تغذية مشاعر الثقة.
وتؤدي حالات المضاربة -حسب الخبير- بالأسعار إلى مستويات "متضاربة" حيث تتجه في وقت قصير صعودًا، ثم نزولاً بشكل حاد وهو أمر مضر جدا لاقتصاديات الدول المنتجة للنفط كالجزائر، كما سيكون ارتفاع أسعار النفط فوق "مستويات الأمان بين 80 و90 دولارًا" مضرًّا لميزانيات الدول المنتجة للنفط بما فيها الجزائر، لأنه سينعكس على أسعار المواد الاستهلاكية المستوردة وعلى تكاليف نقلها.
وبالتالي فإنّ استقرار أسعار النفط في منطقة الأمان "أمر حيوي" للمساعدة في توضيح الرؤية لدى الدول المنتجة من أجل التمكن من تخطيط ميزانيتها السنوية وإطلاق استثمارات جديدة في مجالات الطاقة بما فيها المتجددة والطاقات الخضراء، يؤكد بوزيان.