قال الدكتور دحمان تواتي أستاذ و باحث في التاريخ إن أحداث مظاهرات الـ17 أكتوبر 1961 كانت انتفاضة شعبية عارمة دعت إليها فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا لكسر مناورات الإدارة الاستعمارية آنذاك لشل نشاط المجاهدين بفرنسا من خلال فرض قرار حظر التجوال على المهاجرين .
وأوضح الدكتور دحمان في برنامج "ضيف التحرير" للقناة الثانية للإذاعة الجزائرية الناطقة بالامازيغية أن مظاهرات 17 أكتوبر التي انتهت بمجزرة شنيعة في حق الجزائريين، جاءت امتدادا للمظاهرات الشعبية التي نظمت في الـ11 ديسمبر 1960 ورفعت خلالها شعارات تطالب باستقلال الجزائر عن فرنسا واعتماد جبهة التحرير الوطني ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الجزائري خلال المفاوضات الخاصة بجلاء الاستعمار الفرنسي عن الجزائر بعد أكثر من 132 من الاستعمار و الإستدمار.
وشدد الباحث في شؤون التاريخ على الدور المحوري للجالية الجزائرية بالخارج أثناء وقبل اندلاع الثورة في الفاتح من نوفمبر ، مشيرا إلى الدراسات التي أعدتها الإدارة الاستعمارية و تحدثت عن وجود 800 ألف بطال في الجزائر بسبب رفض الاستعمار إقامة بنية تحتية في المجالين الفلاحي و الصناعي مما دفع بالكثير منهم للهجرة لفرنسا .
وضمن هذا السياق ، كشف الباحث بأن الجالية الجزائرية المهاجرة ساهمت في رفع الوعي السياسي و خدمت بقوة الحركة الوطنية التي كانت تعد العدة لإعلان الكفاح المسلح و منها تأسيس حزب الشعب وحزب نجم شمال إفريقيا على التراب الفرنسي .
وفي الجانب الاقتصادي ، قال الدكتور دحمان إن الجالية كانت تحول ما يقارب 30 الى 35 مليار فرنك فرنسي سنويا عن طريق الحوالات مما ساهم في التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية للجزائريين وخصصت تلك الأموال في شراء أراضي و مخابز .
وقد برز دور المهاجرين أكثر بعد اندلاع الثورة سنة 1954 و خصوصا مع تأسيس فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا التي لعبت دورا محوريا في تأطير المهاجرين ما دفع ببعض قادة الثورة إلى تسميتها بـ "الولاية السابعة" ، وكانت تضم 06 مقاطعات وهي منطقة باريس و ضواحي باريس ووسط الالب ومنطقة شرق فرنسا و الجنوب و منطقة الشمال واعتمدت كل مقاطعة نفس التأطيرالهرمي والتنظيم الثوري المعمول به في الجزائر.
واستشهد الباحث بالتقارير التي أعدها عمدة باريس سيئ الصيت و مجرم الحرب موريس بابون عندما ذكر بأن " الأفلان نجح في زرع التنظيم داخل فرنسا و القضاء على التيار المعادي للحركة الوطنية بقيادة مصالي الحاج و استطاعت تجنيد العمال و في تمويل المجهود الحربي داخل و فرنسا و في الجزائر بما يعادل 06 ملايير فرنك فرنسي شهريا" ، ويضيف بأن الافلان " نجح في استمالة العديد من المتعاونين الفرنسيين وجلهم من الليبيراليين و اليساريين والمؤمنين بحقوق الانسان المؤيدين لكفاح الجزائر من أجل الاستقلال ، وقد ساهم الكثير من هؤلاء في إقامة شبكات لجمع الأموال و الإيواء ".
عمليا ، كشف الباحث بأن كل مقاطعة كانت تضم مجموعة صغيرة من أفراد الكوماندوس و تتكون من 07 أشخاص وكانت المجموعة تختص في تصفية العملاء وبعض الغلاة من أفراد الشرطة الفرنسية المسؤولين عن عديد من عمليات التصفية للمدنيين الجزائريين في الغابات و خارج نطاق المحاكمات و كذا ضرب البنية التحتية للاستعمار .
وبخصوص أسباب اندلاع أحداث هذه المظاهرات ، قال إنها جاءت ردّا من فيدرالية "الافلان بفرنسا" بالتنسيق مع الحكومة المؤقتة بهدف كسر حظر التجوال الذي فرضه المجرم "موريس بابون" على الجزائريين وقرار غلق محلاتهم التجارية في أوقات محددة، بهدف شل نشاط وتحرك المهاجرين والتضييق على العمال و إجهاض الثورة بفرنسا عن طريق القمع.
وقد تقرر تنظيم الإضراب لمدة ثلاثة أيام بدءا من الـ 17 اكتوبر أمام مقرات الشرطة الفرنسية بمشاركة العمال فقط في اليوم الأول ، ثم تنضم إليه العائلات بدءا من اليوم الثاني ، ورفعت خلالها شعارات سلمية منها " تحيا الحكومة المؤقتة " و " يحيا الافلان " وتطالب أيضا بالعودة للمفاوضات مع الافلان بعد أن كانت توقفت بسب رغبة المفاوض الفرنسي في فصل الصحراء عن الجزائر .
وقد جابت المظاهرات الساحات الرئيسية للعاصمة باريس غير أن قوات القمع الاستعمارية بقيادة السفاح "موريس بابون " قابلت المتظاهرين السلميين بقمع وحشي واستشهد المئات منهم بالرصاص والإغراق بنهر السين .و كان لهذه المظاهرات صدى عالمي غير مسبوق حيث ازداد التأييد الدولي لاستقلال الجزائر و ارتفعت أصوات الإدانة للاستعمار الفرنسي من مختلف أصقاع العالم و هو ما عجل باستكمال المفاوضات الخاصة بخروج المستعمر .
ملتميديا الاذاعة الجزائرية