بغالي: وجب تقوية جدار الصد لمواجهة وسائل الجيل الجديد من الحروب

27/12/2021 - 00:28

قال المدير العام للإذاعة الوطنية السيد محمد بغالي، أن العدو الداخلي موجود فعلا ويدخل ضمن احدى وسائل الجيل الجديد من الحروب تحت بند التشبيك، من خلال ربط الولاءات بين جهات داخلية (جماعات أو أشخاص) مع مخططي الحرب ومنفذي أجندتها.   

وقدم بغالي، خلال مداخلة له في ملتقى منظم من طرف وزارة الدفاع الوطني حول : "رهانات الاعلام الوطني على الصعيدين الوطني والدولي وآليات توحيد الجهود الاعلامية الوطنية"، مجموعة من النقاط الهامة لحروب هذا الجيل التي تعتمد -كما قال -على محاور ثلاث وهي :

-مرحلة اضعاف نفسية الشعب.

-ضرب الثقة بين الشعب والدولة.

-استغلال التشبيك في اغراق الدولة في الاضرابات والاحتجاجات والاعتصامات.

وهو الشكل الأعنف من الحروب الجديدة، ومن نماذجها الأقرب –كما قال- ماحدث في رومانيا بداية التسعينات وما حدث ايضا فيما سمي بـ"ثورات الربيع العربي".

وقال المدير العام للإذاعة الوطنية بأن الوسائل التي وضعها منظرو هذه الأجيال من الحروب للمرور من مرحلة الى أخرى ترتكز على سلاح الاشاعة، من خلال مواد مدروسة علميا تصدر عن مخابر متخصصة والاشاعة في هذه الحالة عادة ما تنطلق من جزئيات حقيقية بسيطة، تمنح لها الحد الأدنى من المصداقية، قبل أن تؤثث بجبال من الأكاذيب يرجى منها اضعاف نفسية الشعوب، وضرب مثالا عن ذلك بالقول : "وليس بعيدا ما تعرضت له الجزائر في عدد كبير من الاشاعات المدمرة من هذا النوع كإشاعات جثث ضحايا كوفيد19 التي تملأ المستشفيات، إشاعة أن الدولة قررت التخلي عن سياسة الدعم الاجتماعي بمناسبة مناقشة قانون المالية الأخير ، إشاعة استعداد الدولة لإطلاق صراح عدد من المتهمين في قضايا الفساد، إشاعة تخلي الدولة عن برامجها السكنية".

ومن بين هذه الوسائل كذلك -يضيف بغالي- اشعال النعرات والنزعات العرقية، والحلقة الأبرز في هذه المؤامرة ماتعرضت له الجزائر خلال الصائفة الماضية من اشعال حرائق اجرامية مست العديد من مناطق الوطن والتي كشفت أجهزة الأمن بالدليل والبرهان والبيان وقوف منظمة "الماك" الارهابية وراءها والتي كانت تهدف إلى زرع الفتنة بين ابناء المنطقة واخوانهم من المناطق الأخرى.

كذلك تضخيم الأزمات، كما حدث مع ما سمي بأزمة الأكسجين وغلق بعض الفضاءات كالمطارات وما سمي كذلك بأزمات البطاطا أو الجفاف واكتضاض المستشفيات.

تقزيم الانجازات، ويكون ذلك عبر التعاطي الكاريكاتيري معها من خلال مواقع التواصل، كما حدث مع تدشين مصنع اللقاح بقسنطينة والتركيز على بعض الاختلالات في انجاز السكنات الاجتماعية.

ومن الوسائل الفتاكة ايضا -يقول بغالي- تمييع الهوية والانتماء، عبر تشويه الذاكرة والتشكيك في الرموز الوطنية، مثلما حدث مع الشهيد عبان رمضان والأمير عبد القادر رحمهما الله.

كذلك محاولة زرع الفوضى بشل القطاعات الحساسة، وقد عشنا أخيرا -يقول بغالي- احدى تلك المحاولات عندما روجت جهات مجهولة لوشوك أن تعيش مؤسسات استراتيجية كالاذاعة الوطنية والتلفزيون الوطني والخطوط الجوية الجزائرية وقطاعات حساسة أخرى كالتربية لسلسلة من الاحتجاجات والاضرابات والاعتصامات.

ومن اسلحة حروب هذا الجيل أيضا-يذكر السيد بغالي- العمل على كسر الثقة بين الشعب وبعض المؤسسات الحساسة كالعدالة والشرطة والمخابرات والجيش من خلال الشيطنة ومحاولة اقناع الرأي العام بأن هاته المؤسسات مشاتل للرشوة والفساد، وكلنا يتذكر تلك الشعارات التي رفعت في العديد من المناسبات وكان على رأسها يتنحاو قاع.

وأشار السيد بغالي إلى نقطة هامة والتي تعد -كما قال- أهم "منصة اطلاق" يستعملها الأعداء لتوجيه هذه الأسلحة الفتاكة وهي وسائل الاعلام عموما ووسائط التواصل الاجتماعي بصفة خاصة، فإذا علمنا بأن مالا يقل عن 29مليون جزائري يملكون حسابات على "فيسبوك" وبأن مالايقل عن 55مليون حساب على مختلف منصات التواصل الاجتماعي كـ"تويتر وانستغرام، تيكتوك .." مفتوحة في الجزائر، نفهم بأن الأرض الخصبة لتحريك الحرب النفسية على الجزائريين هي هذا الفضاء الافتراضي الذي يمكن أن يتحول كل مرتاد له إلى جندي في جيش العدو بحسن نية أو بسوء نية عبر المساهمة بالترويج الواسع والسريع للأخبار المغلوطة والاشاعات والمنشورات المستهدفة لضرب الوحدة الوطنية واستقرار الوطن وانسجام المجتمع.

جهود كبيرة للدولة في مواجهة هذا الجيل من الحروب

كما استعرض بغالي أهم انجازات الدولة في مواجهة هذا الجيل الفتاك من الحروب، وقال في هذا الاتجاه "نسجل اعتماد رئيس الجمهورية على استراتيجية اعلامية ترتكزعلى:

- البساطة في الخطاب، الصدق، الخروج المكثف، استعمال الاتصال الهجومي،ملء الفضاءات، ويبدو ذلك جليا من خلال :

1- الخرجات الاعلامية المكثفة للسيد رئيس الجمهورية عبر الاعلامين الداخلي والخارجي.

2- استعمال كل اشكال التواصل (الحوارات، الخطابات المباشرة، التصريحات الصحفية، البيانات).

3- تميز خطاب الرئيس وخطاب الرئاسة بـ :

-كسر الطابوهات وبدا ذلك جليا خلال اصابة السيد رئيس الجمهورية بوعكة صحية.

-تسمية الأشياء بمسمياتها، فالرئيس –يقول بغالي-لم يعد يتردد في اعلام الشعب بما يهمه كالزيادة في الأجر القاعدي، ومنح ذوي الهمم، الغاء الضريبة على الدخل لمن تقل أجورهم عن 30ألف دينار، منحة البطالة، إضافة إلى قرارات الدعم التي رافقت أزمة وباء كوفيد19 واطلاق مشروع الاهتمام بمناطق الظل.

-نشاطات وتصريحات الرئيس تطلق في نفس الوقت على كل الوسائط بوتيرة كبيرة وهو مايجعلنا نثمن عمل مديرية الاعلام برئاسة الجمهورية.

وسجل المدير العام للإذاعة الوطنية في معرض حديثه بأن قيادة الجيش الوطني الشعبي صارت تعتمد على نفس الاستراتيجية الاتصالية عبر : تسمية الأشياء بأسمائها والخروج غير المسبوق عن اعتماد التحفظ في التعاطي مع التهديدات، فالسيد الفريق قائد أركان الجيش الوطني الشعبي –يضيف- لم يتردد لحظة في تسمية المغرب وفرنسا والكيان الصهيوني، كلما تعلق الأمر بالتآمر على وحدة الجزائر واستقرارها وهذا خطاب لم نألفه.

وقال بغالي بأن السياسة الاتصالية للجيش ساهمت هي الأخرى في اقناع الجزائريين بأنهم يتعرضون لأخطر أشكال الحروب الجديدة، وقد عمدت مديرية الاعلام والايصال والتوجية في وزارة الدفاع الوطني الى تنظيم وتنسيق العديد من الفعاليات في هذا الاتجاه.

كما أن الجيش الوطني الشعبي –يضيف بغالي- اعتمد على نظرية سد الفراغات في الاتصال، فنشاطه متاح كل يوم بل كل ساعة عبر ماينشره من بيانات وماينتجه من فضاءات في الإذاعة والتلفزيون كما هو الشأن بالنسبة لـ "السليل" و "عقدنا العزم"، بالاضافة إلى الصدور النوعي لمجلة الجيش شكلا ومضمونا والتي صارت متاحة لكل جزائري عبر امكانية تحميلها من موقع وزارة الدفاع الوطني، توجُه الجيش إلى المزيد من الشفافية في سياسته الاتصالية فلم تعد هناك اخبار يخفيها على الشعب إلا ما تعلق طبعا بالأسرار العسكرية. بدوره جهاز الشرطة طور بدوره استراتيجية اتصالية فعالة عبر البرامج التي ينتجها في الإذاعة والتلفزيون وعبر التواصل الدائم مع الرأي العام خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا حساسة من خلال البيانات والندوات الصحفية وتصريحات الضباط ولاحظنا ذلك جليا في تعامل الجهاز مع جريمة اغتيال الشهيد "جمال بن اسماعيل" وتفكيك بعض الشبكات التابعة لتنظيم "ماك الارهابي" .

وسجل بغالي أيضا خروج قطاع العدالة –كما وصف- من قوقعته الاتصالية وصار يتواصل ولو باحتشام، كلما تعلق الأمر بالقضايا الحساسة مثلما حدث من كشف لخيوط المؤامرة التي خططها ونفذها "الماك" الصائفة الماضية.

وعلى المستوى الدبلوماسي، -رأى بغالي- بأن الجزائر انتقلت اتصاليا من سياسة الدفاع إلى الهجوم وبدا ذلك واضحا في التعاطي مع ملفات العلاقات مع المغرب وفرنسا والملف الليبي، وبدا ايضا واضحا تناغم المواقف الدبلوماسية الرسمية مع طموحات الشعب الجزائري كما هو الأمر بالنسبة لقضيتي الصحراء الغربية وفلسطين.

وقال المدير العام للإذاعة الوطنية بأن المؤسسات والقطاعات التي تتعرض اليوم إلى العدد الأقل من الاشاعات والأخبار المغلوطة هي الرئاسة والجيش والعدالة والشرطة والخارجية بفضل ما اعتمدته من استراتيجيات اتصالة بدأت تعطي ثمارها في الواقع، ما عدا القطاعات التي ذلك –يضيف- باقي القطاعات "تعرج" في سياستها الاتصالية التي لازالت تعتمد على الوسائل التقليدية ولازالت تعتمد السلم الهرمي في التواصل مع وسائل الاعلام مايفقد المعلومات معناها، فهي تسير بسرعة السلحفاة بينما تنتشر الاشاعة والأخبار الكاذبة بسرعة الصاروخ.

ونوه بغالي لعدد من المبادرات المهمة في هذا الاتجاه الإيجابي، مثل انشاء قطب متخصص في الجرائم السيبرانية، وضع قطاع الاعلام في جبهة الصد الأولى ومنه الاعلام الجواري، تشجع التوجه نحو الاعلام الالكتروني، مراجعة النصوص المنظمة لقطاع الاعلام، ارجاع الهيبة للاعلام العمومي وخاصة الثقيل منه و"كمدير عام للمؤسسة العمومية للإذاعة المسموعة قال بغالي "اشعر بهذا فعليا"، ايضا تجريم خطاب الكراهية، ترسيم الأمازيغية دستوريا ورفع المادة إلى مصاف المواد الصماء التي لاتقبل التعديل في المستقبل، تشجيع السلطات العليا وعلى رأسها رئاسة الجمهورية على العودة القوية إلى لعب الأدوار الأولى داخل المنظمات الاقليمية والدولية التي تنخرط فيها الجزائر وقد عشنا ذلك فعلا بمناسبة مشاركتنا في الجمعية العامة لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات العربية التي احتضنتها العاصمة السعودية الرياض الأسبوع الماضي حيث كللت الجهود بظفر الجزائر بمواقع جديدة ومؤثرة.

تقوية جدار الصد في مواجهة هذا الجيل من الحروب

كما اقترح المدير العام للإذاعة الجزائرية، مجموعة من النقاط الهامة لتقوية جدار الصد في مواجهة حروب هذا الجيل مثل:

-انشاء مراكز بحث حقيقية تختص في دراسة كل ماله علاقة بهذا الجيل من الحروب.فقد لاحظت آسفا وأنا اشتغل على هذه المداخلة أن الشبكة العنكبوتية تكاد تخلو من الدراسات العلمية الجزائرية في هذا المجال عكس الدراسات المصرية مثلا.

 -اصدار قانون ينظم التعاطي مع وسائط التواصل الاجتماعي وأوصي هنا بالتخلص من عقدة الحياد والحرية المطلقة التي تحاول بعض الجهات فرضها علينا وهي نفسها التي أطرت هذا النشاط بشكل عنيف كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر، وفي فرنسا بعد هجمات شارلي ايبدو وهجمات باتاكلان.

-تفعيل الوزرات وباقي مؤسسات الدولة لمواقعها الالكترونية مع ضرورة تحيين الموجود منها والتوجه المكثف للتواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي من خلال اطلاق صفحات "فيسبوك" وانشاء حسابات على "تويتر" و"انستغرام".

-انشاء هيئة مركزية اقترح أن تكون تحت اشراف رئاسة الجمهورية لتوحيد الاتصال المؤسساتي.

-انشاء خلايا يقظة في كل المؤسسات يكون دورها اصطياد الاشاعات والرد عليها في الحين.

- انشاء هيئة تنمح لها كل الامكانيات للتحقق من صحة الأخبار واسقاط الكاذب منها وقد اطلقت وكالة الأنباء مشروعا في هذا الاتجاه لكنه لازال يراوح مكانه بسبب غياب الامكانيات والتنسيق الجيد.

-اقتراح اسعار مخفضة وخدمات أكثر فاعلية للأنترنيت على المؤسسات الاعلامية الكبرى بما يسمح لها من تطوير أدائها الالكتروني.

- وضع كل الامكانيات اللازمة لانجاح مشروع "AL24NEWS  " الذي يجب أن يثمن واضافة انشاء منصة الكترونية فاعلة في دفتر شروطه.

- مساعدة وسائل الاعلام الثقيلة على الخروج من أزمتها المالية المزمنة التي تمنعها من أداء دورها كما يجب.

- حماية وسائل الاعلام العمومية الكبرى من كل اشكال الضغط، وقد بدأنا نلمس ذلك فعلا.

- تحسين جغرافيا البث الاذاعي عبر التوجه إلى الكل "أف أم" مما يسمح من التقاط أوسع لموجات المحطات الإذاعية خاصة في الدول المجاورة.

- استغلال التمثيليات الدبلوماسية من أجل التعريف بـ "AL24NEWS " وربطها بالنخب الأجنبية والنخب الجزائرية المقيمة بالخارج.

- ادخال مادة "الوعي الاعلامي" في البرامج والمناهج التربوية.

- الوصول الى استراتيجية وطنية لملئ فراغ الشباب عبر فتح فضاءات التنشئة الاجتماعية كدور السينما والمسارح، وتفعيل الموجود منها وهو الدور الذي يقع على عاتق قطاعي الشباب والثقافة.

- الوصول الى استراتيجية وطنية لانتاج المحتوى، ففي غياب محتوى وطني قوي وثري، تضطر الفضاءات الاعلامية المحلية الى استهلاك مايأتيها من الخارج ويفترض أن يلعب قطاع الثقافة الدور الأهم في هذا المجال.

- كما اقترح السيد بغالي صياغة قانون يحمي الخصوصية الثقافية الجزائرية.