وصف د. أحمد ميزاب، الخبير في الشؤون الأمنية والجيوسياسية، مبادرة السلام الجزائرية لتسوية الأزمة السياسية الراهنة في النيجر، بأنها "الأكثر عقلانية وعملية"، خاصة وأنها حُظيت بإشادة أميركية، فضلاً عن عديد الفاعلين على الساحة الدولية.
في برنامج "إضاءات" على "ملتيميديا الإذاعة الجزائرية، قال ميزاب إنّ هذه المبادرة هي اليوم محل نقاش بين مختلف القوى الحية والأطراف السياسية في النيجر من أجل الاتفاق على صيغتها التنفيذية والنهائية،بما فيها البند المتعلق بتقدير مدة الفترة الانتقالية على أن تكون معقولة وواقعية.
واستطرد ضيف"إضاءات"، موضّحاً: "مبادرة الجزائر للسلام لم تولد من الفراغ، وإنما جاءت كمحصلة للمشاورات التي أجراها أحمد عطاف، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج مع قادة ثلاثة دول أعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس)، وكذلك على ضوء المباحثات التي جمعت الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية، بصفته مبعوثا لرئيس الجمهورية، بالسلطات الجديدة في نيامي".
"منطقة الساحل نحو المجهول"
اعتبر الدكتور ميزاب أنّ إشكالية التنمية هي أمّ الأزمات في منطقة الساحل الإفريقي وهي من أبرز الأسباب في اندلاع وتفشي الحروب والصراعات الداخلية في هذه المنطقة من القارة الإفريقية.
وقال إنّ المقاربة الجزائرية تقوم على أساس أنه لا سلام دائم بدون تنمية دائمة، ولذلك نصّت المبادرة الجزائرية للسلام في النيجر على أهمية إشراك المجتمع الدولي من خلال إقامة ندوة للأمم المتحدة حول التمنية في منطقة الساحل.
وانطلاقا من ذلك،حذر ميزاب من أنّ الوضع الراهن في منطقة الساحل الإفريقي مفتوح على كافة الاحتمالات بسبب تزايد التنافس بين القوى الدولية المتصارعة على النفوذ بهذه المنطقة الحيوية.
وتابع: "صحيح نجحت التحركات الدبلوماسية للجزائر في إبعاد -ولو مؤقتاً- شبح اندلاع حرب إقليمية بسبب التطورات الأخيرة في النيجر والتصدع الحاصل داخل دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا لكن خطر هذه الحرب أو اندلاع حروب جديدة – بما فيها بالوكالة – مثل تشجيع حركات التمرد، ما يزال قائماً بقوة".
في هذا الإطار، أشار ميزاب إلى وجود بعض المؤشرات السلبية لا تبشّر بالخير للمنطقة مستقبلاً، مشيراً على وجه التحديد بالقول،"هناك قوى أجنبية ترى في منطقة الساحل الإفريقي مجالاً حيوياً وعُمقاً استراتيجياً لها وهي بكل تأكيد فقدت الكثير من مناطق النفوذ تباعاً في كل من مالي وبوركينا فاسو، والآن الدور على النيجر، وهي من دون شك لن تسلّم أبداً بهذه الخسارة الإستراتيجية".
"فرنسا ... والحصاد المر في إفريقيا"
يرى ميزاب أنّ "الوجود الفرنسي في القارة الإفريقية وخصوصاً بمنطقة الساحل يشهد تراجعاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة"، وعلّق على هذا التحول بالقول إنّ: "فرنسا تحصد اليوم ثمار سياساتها بالمنطقة واستنزاف ثرواتها دون أن تؤسّس لمبدأ الشراكة على أساس رابح رابح وتقاسم المنافع".
وأبرز المتحدث أنّ "التواجد الفرنسي لم يعد مرغوباً فيه وصار يثير اشمئزاز شعوب القارة والأجيال الجديدة من النخب السياسية وأطياف المجتمع المدني، ولكن للأسف تفاعل فرنسا مع هذه الرسائل القادمة من دول الساحل ليس في المستوى المطلوب، وهو ما يعقّد أكثر المشهد العام في الوقت الراهن ويزيده قتامة".
واستدلّ ميزاب بموقف فرنسا من التطورات الأخيرة في النيجر، حيث قال: "ما تزال باريس تتعاطى مع الأفارقة بمنطق الاستعلاء والتفكير الاستعماري، وتجلى ذلك في رفضها التجاوب مع مطالب السلطات الجديدة بنيامي، بسحب سفير فرنسا وتفكيك قواعدها العسكرية، في وقت يعرف فيه الداني والقاصي أنّ 70 بالمائة من الطاقة النووية التي تضيء ليالي فرنسا اليوم مصدرها اليورانيوم في النيجر، وتجلبه بأسعار منخفضة عن تلك المتداولة في الأسواق العالمية، بينما يعيش النيجر أزمة حادة في إنتاج الكهرباء".