خطاب رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون لدى افتتاحه السنة القضائية اليوم، بالمحكمة العليا، هذا نصّه الكامل:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الـمرسلين
- أصحاب الـمعالي والسعادة، السيدات والسادة أعضاء الأسرة القضائية، الحضور الكريم. السّلامُ عليكُم ورحمة الله تعالى وبركـاتُـــه.
يطيبُ لي أنْ أُشارككم اليوم، مراسمَ الاحتفاءِ بافتتاحِ السنةِ القضائيّةِ الجديدة، إدراكاً مِنّا لـِمَا تحملهُ هذه الـمناسبة من دلالاتٍ لِأُسْرَةِ القضـــــــــــــاء وتأكيـــــــــــــــداً لـما نحمِلُــــــــــــــــــهُ لهــا من مشاعـــــــــــــرِ التقديرِ والاحترام.
لقدْ حَرصْتُ على إحياءِ هذا التقليد السنوي، تأكيدا على نُبلِ الرسالة الساميّة التي يحملُهــــــــــــــا القضــــــــــــــــــــــــــاء والـمسؤوليّــــــــــــــــة الجسيمــــــــــــــــة التــي يتحمّلها القُضــــــــــــــــــاة، لحمايـــــــــــــــةِ الأشخـــــــــاص وصونِ حقوقهم وحرياتـــهم.
إنّ هذهِ الـمناسبـــــــــــــــــــة، سانحةٌ لاستعراض ما نقوم بـــــــه في مســـــــــــــارِ إصلاحِ العدالة، القائم على قضاءٍ مستقل ونزيه وفعّال، يعمل على بسط سيّادةِ القانون وزَرْعِ الثقـــة والأمن في الـمجتمع وتحقيــــــــــــــــــق الاستقرار وترسيخ البنــــــــــــــــــــــاء الجماعي لجزائر الديمقراطيّة الحقّـــة.
يتزامنُ افتتاح السنة القضائية هذه السنة مع شهرِ نوفمبر الـمشهود من تاريخنا الـمجيد، الذي يؤرِّخَ حاضرًا ومستقبــــــــــــــــــــــلاً نأملــــــــــــــــهُ ونعملُ على تحقيقه في كنفِ القانون، بما يحمِلُهُ ذلك من حقوق وواجبات وما يقتضيه من آليَاتٍ كفيلة لضمانِ ممارستـها في إطارِ احترامِ مُقتضيات الـمتطلّبات الوطنيّة والدّوليّة على حدٍّ سواء.
إنّ شهرَ نوفمبــــــــــــــــــر الأغـــــــــــــــر والخالـــــــــــــــــــــــد في ذاكـــــــــــــــــــرة الجزائريـــــــــــــــــــات والجزائرييـــــــــــــــــــن، يحمِلُ من الـمعــــــــــــــــــــاني والقيّم، مــــــــــــــــــــا يتَوَجَّبُ الوقوف عندهُ والإكبـــــــــــــــــار بــــــــــــــــه من صُورِ الـملاحم وبُطولاتِ وتضحياتِ الشُّهــــداءِ والـمُجاهِدين، الذين لبّوا نداء الوطن، لاستعادة الحقوق الـمُغتصبــــــــــــــــــــــة من الـمستعمــــــــــــر واسترجاع مقوّمــــــــــــــــــــــــــــات الأمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة.
- السيّدات الفضليات،
- السّادة الأفاضل.
لقد رسَّخَ دستورنا مبدأ الفصل بين السلطات، وجاءت التعديلات الدستوريّة لعام 2020 لتأكيد هذا الـمبدأ وإضفاء قدرٍ أكبر من التوازن بينــــها.
كما خَطَت بلادنا خطوة كبيرة لتعزيز البُنية الدستوريّــــــــــــــــــــــة والتشريعيّــــــــــــــــــــــــة لتدعيــــــــــــــــــــــــــمِ استقلاليـــــــــــــــــــــــــــة السلطة القضائيّة وتعزيز دور الـمجلس الأعلى للقضــــــــــــــــــــــاء فـي تسيير شؤون القضاة وحَرصت الدولة كلّ الحرص على توفيـــــر الأدوات الكفيلــــــــــــة لتحقيق هذه الغايــــــــــــــــــــة.
ومِنْ هنا، أُجدّد تأكيدَنا وحِرصنا على الاستمرار في بناء أُسس دولة القانون، القائمة على العدل والـمســـــــــاواة وجعل الـمُواطنة هي أساس تعامــــــــــــــــل الدولة مع أبنائــها.
فكلُّ حقّ يتمتعُ به الأشخاص يقابلهُ واجب، وكـــــــــــــــلّ حريـــــــــــــــــة تُرافقهـــــــــــــــــا مسؤولــــــــــــــيّـــــــــــــة، ولا يُمــــــــــــــــكــــــــــــــــــــــــــــــنُ بـــــــــــــأيّ حالٍ مــــــــــــــن الأحوال التـــــــــــــــــذرّع بممـــــــــــارسة الحقــــــــــــــوق لتبــــرير الإساءات والشتائم والإشاعات الـمُغرضة لزعزعة الأمن والاستقرار.
إنّ الـمرحلــــــــــــــــــــــةَ الحالية والراهنـــــــــــــــــــة تــــقـــــتــــــــــضي على الجميــــــــــــــع، أفراداً وجمـــــــــــــــــاعـــــــــــــــات ومؤسســـــــــــــــــــات، الاتحـــــــاد والوعـــــــــي بالتحـــــــــــــــــــــــوّلات الـــــــــــــــــتي يشهدهـــــــــــــــــــــــــــــا العالـــــــــــــــــــــم واستيعاب التحــــــــــــــديّــــــــــــــــــــــــــات والرهــــــــــــــانــــــــــــــــات، ليظلّ وطننـــــــــــــــــــــــــــا شامخـــــــــــــــــــــــــا محفـــــــــــــــــوظـــــــــــــــــــا، بِفضلِ سواعـــــــــــــــــــــــدِ الــــــــــــــرجـــــــــــــــال والنـــــــــــســـــــــــــــــاء الـمخلصين وبتيسير وحفظ من اللهِ العلي القديــــــــــــــــــــــــــــــر.
- السيّدات والسّادة القضاة،
- السيّدات والسّادة الحضور،
إنَّ القانــــــــــــــــون يُمثّلُ الإطار الذي يحكُم عمل القضاة، ومِنْ هذا الـمنظــــــــــور فقد تمّ الحرصُ على إصــــــــــلاح العديــــــــــــــد من النصــــــــوص القانونيّة بــهـدف تكييفها مع الدستور وتجسيد الالتـزامات التي تعهــــــــــــــدتُ بـــهـــــــــــــــا أمــــــــــــــــــام الشعب وفي مقدمتــهــــــــــا أخلقة الحياة العامّة ومحاربة الانحرافات التي تفشّت في الـمجتمع.
وبـهذه الـمناسبة، نثمّــــنُ الـمجهود الذي بذلَتهُ الـمؤسسة التشريعيّة لـمرافقة الحكومة، من أجلِ تكريس إصلاحٍ تشريعيّ شامــــــــــــــــل، يواكبُ الحركيّــــــــــــة السريعة للمجتمع، وفقَ رؤيــــــــــــــــةٍ شاملة ومُتكاملـــــــــــــــــــــــــة تتماشى ومســـــــــــــــــــــــــار التقويـــــــــــــــــــــــــــــم الوطـــــــــــــــــــــــني والتغييـر الـمنشود.
يقتضي بنــــــــــــــــــــاء دولة القانون، عمــــــــــــــــــــــــــــلا دؤوبــــــــــــــــــــاً ومتواصـــــــــــــلاً وتطويراً للعمــــــــــل القضائي وأخلقتِــــــــــه وضمــــــــــان جودتـــــــــــــــه وفعاليتـــــــــــه، إنصـــــــــافا للـمتقاضي وحماية من التعسّفِ والتحيــــّــــــــــــــــز.
إنّ حيــــــــــــــادَ القـــــــــــــاضي وكفــــــــــــــــاءتـــــــــــه واستقامتــــــــــــه، هي الأدوات الكفيلة بتحصين الأحكام التي يصدرها باسم الشعــــــــــــــــــــب، وبـــها تتعــــــــــــــــــــــزّزُ الرسالــــــــــــــــــة الســــــــاميّة التي يؤدّيـها القاضي في الـمجتمع.
وفي هذا السّياق، أُؤكدُ على الـمجلس الأعلى للقضــــــــــــــــاء، بــــــــــــــأنْ يقوم بـــــــــــــــدوره كـــــامــــــــــــــلا مع الانخراط بكلّ حزم والسهر على احترام ضوابط وأخلاقيّــــــــــــــات القضاء والتصدّي لكلّ الانحرافات والتجــــــــــــــــاوزات الـــــــــــــــــتي تُسيءُ للمصداقية.
لقــــــــــــــــــد كرّس الدستور العديـــــــــــــــــــد من الحقـــــــــــــــوق ومن ضمنـــهــــــــــــــــا الحق في التقاضي. وأنَّ ممارســـــــــةَ هذا الحق لا يُؤدي لتحقيقِ الغايــــــــــة الـمرجوة منه، إذا لم تُرافقهُ إجراءاتٌ تُسهِــمُ في حسمِ الدعوى في آجالٍ معقولـــــــــــة.
فالـمحاكمات التي تستمرُ لسنوات، تُولِّدُ الشعورَ بعدمِ الرّضا لدى الـمواطن وتُطيلُ معاناته لاستعادة حقوقه، ولذا فإنّنا نتطلّعُ لبذلِ الـمزيد من الجهود، للرفع من وتيرة الفصل في القضايا واستكمالِ مشروع التحوّل الرقمي والاستفـــــــــــــــــادة من آليّــــــــــــــــــات التقـــــــــــــــــــاضي الالكتــــــــــــروني والعمــــــــــــل على إدخـــــــــــــــال الـمرونـــــــــــــــة في الإجراءات القضائيّـــــــــــــــة وتبسيطهــــــــــــــا.
ولا شكّ، فإن تسهيل الوصول إلى العدالة من خلالِ تحسين إجراءات التقاضي وتكريس آليّات العدالة الوقائيّة سيُسهم في جودة العمل القضائي وفي تخفيف العبء على الـمحاكم.
وأُحيـّي هُنــــــــا، الجهود الـمبذولــــــــــــــــــــة من قطــــــــــــــــــــاع العدالة لقطعِ أشواطٍ معتبـرة في مجال الرّقمنة، من خلالِ إدماج تكنولوجيات الإعلام والاتصال في مرفـــــــــــق القضــــــــــــــــاء، قصد مُسايـــــــــــــــــــــرةِ متطلّبــــــــــــــــــات التحوّل نحو العدالة الالكترونيّة.
- السيّدات الفُضليات،
- السّادة الأفاضِل،
إنّ شرفَ الانتماء إلى سلك القضاء، يَنْبَـــــعُ من يقينِ وضمائرِ الـمُخلصين في أنَّ اختيار الـمهنة القضائيّــــــــــة يحمِـــــــــــــلُ في طيّاتهِ الكثير من العــــــــــــــزم والتضحيّة والاجتـهاد، في سبيل بسطِ سيـــــــــــــــادة القانون، وبذلك يعُـــــــــــــــمُّ الأمــــــــــــــــن القانوني والأمــــــــــــــــن القضائي وما يتّصِلُ بهما من استقرارٍ اجتماعي.
إنَّ مرحلة البناء الراهنة، تتطلّبُ عملا متواصلا، لتعزيــــــــــــــــــــــز الثّقــــــــــــــــــة بيــــــــــن الـمواطن والعدالة، وأنا على يقيــــن بأنّ الأسرة القضائيّة بكلّ مكوّناتـها واعيّة ومؤهّلة لاستيعاب حتميّة هذا الرِّهان.
وإذْ أُعبِّـرُ في هذه الـمناسبة، عن تقديرِ الدولة لـما يبذلـــــــــــــــه القضـــــــــــــــــــاء من جهـــــــــــــــدٍ لحماية الحقوق ومكافحة الإجرام ومحاربة الفساد وأهيبُ بكلّ القضاة الحريصين على الاضطلاع بمسؤوليّاتهم بأمانةٍ وإخلاص، فإنّنــي أدعو الجميع لـمواصلةِ الجُهود.
ولا أختم كلمتي بدون أن أتطرق لما يؤلمنا كلنا وهي القضية الفلسطينية، وأنا أمام رجالات ونساء الحق والعدالة، نتساءل أين هي العدالة في العالم؟ أين هو حق الشعوب المضطهدة؟ وأين هو حق الشعب الفلسطيني؟ لقد انهارت في فلسطين المحتلة كل المعايير والقيم الإنسانية والأخلاقية والدينية والقانونية، أمام ما يشهده العالم يوميا من مجازر وحشية ترتكبها قوات الاحتلال، ضد الشعب الفلسطيني الشقيق أمام مرأى وصمت عالمي رهيب، وفي ظل حصار مشدد جائر، يتعارض مع قواعد القانون الدولي الإنساني، ولا يهتز لها، ولهذه المجازر أي ضمير، فأين هي الإنسانية؟ وأين هو الضمير العالمي الذي بات في حكم المستتر والغائب إزاء ما يرتكب من إبادة جماعية؟ وأكرر إبادة جماعية، تذكرنا بما شهده التاريخ البشري خلال الحرب العالمية الثانية وفي مدينة ستالينغراد، وبإعادة مجزرة ستالينغراد، فإنني أناشد جميع أحرار العالم والخبراء القانونيين العرب والهيئات والمنظمات الحقوقية إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة الجنايات الدولية والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان ضد الكيان الإسرائيلي، وهو السبيل الوحيد لإنهاء عقود من الإفلات من العقاب، على الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين على اعتبار أن الملاحقة القضائية الدولية الفعالة، تبقى الملاذ الوحيد للأشقاء الفلسطينيين لتحقيق العدالة الدولية واستعادة حقوقهم المشروعة، في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وفي الختام، أعلنُ على بركة الله عن افتتاح السنة القضائية 2023 – 2024.
والله الـموفّق والـمستعان.
الـمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
والسّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.