محمد بن شنب: العلاّمة الجزائري الظاهرة

محمد بن شنب
16/04/2024 - 10:02

يعتبر العلاّمة الجزائري "محمد بن شنب" (1869- 1929)، ظاهرة علمية نادرة الوجود، ولا يزال بن شنب يثير أسئلة عميقة تستقرئ سيرة وعقلانية أول دكتور جزائري في تغيير الذهنيات.

شهدت أسماء وازنة بقيمة رينيه باصيه، مارتينو، البشير الإبراهيمي، سعيد الزاهري، أحمد توفيق المدني وعمر راسم وغيرهم، بعظمة بن شنب الذي جادل وأفحم العمالقة أمثال طه حسين وأحمد أمين والمستشرق الكبير مارغيليوث ومحمد عبده.

وراهن بن شنب على العقل كخيار وكمخرج للمأزق الذي كانت تعيشه الجزائر، وارتضى أول جزائري يتحصل على الدكتوراه في الآداب، ذلك على حساب خيار العرفان (التصوّف) وخيار السياسة، موقنًا أنّ الدخول إلى المعترك السياسي لا يتّم إلاّ بعد النضج العقلاني.

وكان بن شنب شبيهاً إلى حدٍّ بعيد في رؤيته بابن رشد، حيث كان يتواصل بعمق ووعي مع المشرق كجذور ومع الغرب كرجل حوار، وقدّم بن شنب نفسه كأحسن صورة للرجل العربي المسلم الجزائري الذي يتعاطى مع الآخر دون عقدة بدليل الشهادات الكثيرة التي تشهد لبن شنب ببهاء المواقف ومحافظته على دينه ولغته وهويته.

من جهته، أثار الدكتور بلقاسم سعد الله في كتاب "تاريخ الجزائر الثقافي" (الجزء الثامن) ضرورة قراءة فكر بن شنب وفق السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي لتلك المرحلة، معتبراً أنّ الكثير من القراءات (العاجية) أخرجت العلاّمة بن شنب من هذه السياقات، في حين أنّ بن شنب كان يصنع وبوعي مشاهد مستقبلية جزائرية، وكان يكرّس كل وقته في تشكيل الثقافة - العالمة، في وقت كانت جحافل أخرى تزرع ثقافة - الإعاقة، وثقافة العفاريت والجن، على حد تعبيره.

نتاج غزير

أنتج بن شنب ما يزيد عن الخمسين كتاباً في سائر العلوم باللغتين العربية والفرنسية منها: تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب، رسالة في المنطق، "أمثال العوام في أرض الجزائر والمغرب"، "رحلة الورتيلاني"، "أبو دلامة، حياته وشعره"، وشرح "مثلثات قطرب" سنة 1907، كما له عدّة تحقيقات وتنقيحات، وترجمات وفهارس لكثير من نفائس الكتب، وحينما عزم علماء الاستشراق على وضع دائرة المعارف الإسلامية سنة 1899م، كان "بن شنب" العربي المسلم الوحيد بين خمسين من المستشرقين.

ولا تزال عدّة كتابات ومخطوطات للعلاّمة بن شنب غير معروفة، بعدما أقدم المستشرق الغربي "هنري بيريز" على شراء أكثرها قبل مغادرته للجزائر، وتُبذل حاليًا مساعٍ حثيثة لاسترجاعها، بغرض تثمين مآثر بن شنب وإسهاماته الغزيرة في تاريخ الجزائر الثقافي الحديث، حيث جمعت هذه الشخصية الفذّة ومتعددة الجوانب بين الأصالة والحداثة، وبين التراث والمعاصرة مظهراً وسلوكاً وعلماً،
ومن أهم مؤلفاته أيضًا "الألفاظ التركية والفارسية الباقية في اللهجة الجزائرية" و"مختارات شعرية" و"أبو دلامة" و"مجموع أمثال العوام بأرض الجزائر والمغرب" و"تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب"، كما كانت للعلامة بن شنب عدة مؤلفات في التاريخ والجغرافيا من بينها "المقدمة" لابن العبار وقام بإنجاز جملة من الأعمال الأخرى من ضمنها "البستان في أصل أولياء تلمسان" لابن مريم المديوني و"عنوان الدراية في علماء بجاية" لأبي عباس أحمد الغبريني و"طبقات علماء إفريقيا" لأبي العراب و"طبقات علماء تونس" لمحمد تميمي.

براعة في اكتساب العلوم والمعارف

اشتهر بن شنب ببراعته في اكتساب العلوم والمعارف وأجاد اللغات الاسبانية، الألمانية، اللاتينية، الفارسية والتركية، ناهيك عن العبرانية، وجرى انتخابه العام 1920 عضواً ضمن المجمع العلمي العربي بدمشق، قبل أن يكون أول جزائري يتحصل على الدكتوراه في الآداب بدرجة ممتاز سنة 1922، كما كان شاعرًا مفلقًا، وشارك في عدة مؤتمرات علمية بالرباط وأكسفورد وباريس، كما تقلد بن شنب رتبًا سامية في مجال التعليم العالي وفي الهيئات العلمية العربية والأجنبية.

ويقول باحثون إنّ بن شنب تسلح بثقافة عربية رصينة وبثقافة متنوعة أكسبته سمعة دولية واسعة تشهد على ذلك حواراته ومراسلاته لعلماء كبار في الشرق والغرب، ومما زاده احتراماً وتبجيلاً تمسّكه بأصالته ودفاعه عنها وقوة حجّته أمام خصومه إذ استطاع في مناسبات عديدة فرض رأيه وقناعاته.

وفي سنة 1924 شارك بن شنب في إعادة نشر القاموس العربي الفرنسي لابن سديرة، وشرع بعد ذلك في تجربة مماثلة تتعلق بقاموس اللغة الفرنسية للمؤلف نفسه، لكن أدركه الأجل قبل أن ينتهي من هذا الإنجاز وكان ذلك في الخامس فيفري 1929 عن عمر ناهز الـ 60 سنة.

رابـــح هوادف – ملتيميديا الإذاعة الجزائرية