في الذكرى الـ 75 لتأسيسها .. "المنظمة الخاصة" واجهة حرب التحرير الوطني ضد فرنسا

OS 15.02.2022
15/02/2022 - 17:23

مثلت المنظمة الخاصة، التي تعتبر الجناح شبه العسكري لحزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وباكورة نضج الحركة الوطنية، أداة ثورية وواجهة للصراع من أجل الاستقلال والتحرر من نير المستعمر الفرنسي الغاشم.

فبعد الغزو الفرنسي في 1830، قاوم الشعب الجزائري بشدة هذا المحتل الغاشم، وهي المقاومة التي قادها الأمير عبد القادر الذي لم يسقط إلا بعد مضي 17 سنة من المعارك والكفاح الشرس ضد الجيش الفرنسي الهمجي الذي لجأ إلى كل الألاعيب وأشكال الاضطهاد والغدر من أجل احتلال الأراضي الجزائرية.

كما لم يتوان الشعب الجزائري عن الصمود والنضال لأجل استرجاع استقلاله.

ومنذ الاحتلال الاستعماري في 1830 إلى غاية اندلاع الكفاح المسلح في الفاتح من نوفمبر 1954، والذي توج باستقلال الجزائر في 05 يوليو 1962، كافح الشعب الجزائري مكافحة شديدة، تجسدت في المقاومة البطولية للأمير عبد القادر والشيخ الحداد والمقراني وبوعمامة، دون اغفال أبطال آخرين ميزوا تاريخ الجزائر.

وقد تعرضت هذه الانتفاضات المختلفة الساعية إلى تحرير الجزائر من نير الاستعمار إلى اضطهاد المحتل الفرنسي بسبب نقص التنسيق والوحدة في النضال المسلح.

وقد سمح إنشاء نجم شمال افريقيا بين جالية المهجر بفرنسا، تحت قيادة الأمير خالد (حفيد الأمير عبد القادر)، للجزائريين ولدول المغرب العربي بتنظيم وهيكلة أنفسهم على المستوى السياسي من أجل تحسيس شعوب المغرب العربي وتحفيزهم على المقاومة لنيل استقلالهم.

فخلال مؤتمر بروكسل المناهض للإمبريالية في 1927، والذي شارك فيه جواهر لال نيهيرو، الذي أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء بالهند، وزعيم جمهورية الفيتنام، هوتشي منه، طالب مصالي الحاج المؤتمر بتبني المطالب الرئيسية المتمثلة في استقلال الجزائر وانسحاب جنود الاحتلال الفرنسي وتشكيل جيش وطني جزائري.

وفي مارس 1937، تشكل حزب الشعب الجزائري من أجل مواصلة العمل على توعية الشعب الجزائري للحصول على الاستقلال.

ولم يتوقف زعيم حزب الشعب الجزائري، مصالي الحاج، خلال مداخلاته المتعددة عن دعوة الشعب الجزائري إلى تنظيم حاله من أجل استرجاع استقلاله.

ويرى بن يوسف بن خدة، في كتابه "أصول الفاتح من نوفمبر 1954"، أن مفهوم النضال المسلح خاص بحزب الشعب الجزائري الذي مارسه تدريجيا، وهو المسار الذي لم ينخرط فيه حزب فرحات عباس (الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري) ولا جمعية العلماء المسلمين ولا الحزب الشيوعي الجزائري ولا أي تشكيلة سياسية أخرى.

فترة ما قبل المنظمة الخاصة

لقد كانت اللجنة الثورية للوحدة والعمل، التي تشكلت في مارس 1954 وتكللت جهودها بالاندلاع الفعلي للنضال المسلح الذي أفضى إلى استقلال الجزائر، مسارا سياسيا طويلا في التحضير والدعاية وخاصة التوعية بخصوص ضرورة تبني الكفاح المسلح للتخلص من نير المستعمر الغاشم.

غير أن اللجوء للكفاح المسلح سيتم عبر ثلاث مراحل: المرحلة الأولى من طرف مجموعة من مناضلي حزب الشعب الجزائري بحثت عن مساعدة خارجية في سياق الحرب العالمية الثانية.

والمرحلة الثانية، خلال مجازر 8 مايو 1945 و التي فشلت بسبب نقص التحضير.

المرحلة الثالثة ستتجسد مع انشاء المنظمة الخاصة، خلال المؤتمر التاريخي لحزب الشعب الجزائري-حركة انتصار الحريات الديمقراطية بتاريخ 15-16 فبراير 1947 والتي ستكون قاطرة نضال التحرير الوطني.

وكانت قيادة حزب الشعب الجزائري قد استحدثت في 1944 منظمة بالجزائر العاصمة، متكونة من نحو عشرين عضو، نتاج صهر مجموعتين.

واحدة من بلكور (بلوزداد حاليا) والأخرى من القصبة.

مسؤولية هاته المنظمة ستقع على عاتق أحمد بودة ومحمد طالب، حسبما أشار اليه الأمين العام السابق لحزب الشعب الجزائري-حركة انتصار الحريات الديمقراطية، بن يوسف بن خدة.

وكانت النواة الأولى للمنظمة الخاصة قد عهدت لمحمد بلوزداد (المسؤول المقبل للمنظمة الخاصة).

و كان لها عناصر، من بينهم، واعلي بناي ويوسف حمود ومصطفى دحمون ومصطفى عبد الحميد وأحمد حدانو المدعو "الكابا"، وعبد القادر بودة وعبد الرحمن حفيظ ومحمد هني وعبد القادر تقليت وكذا رابح زعاف.

وأقر المؤتمر "التاريخي" لحزب الشعب الجزائري-حركة انتصار الحريات الديمقراطية، المنعقد يومي 15 و16 فبراير 1947، بعد عودة مصالي من برازافيل، بمبدأ الكفاح المسلح بكل الوسائل، بما فيها الكفاح المسلح.

وسيقع تحضير الكفاح المسلح على عاتق المنظمة الخاصة، نواة جيش التحرير الوطني المقبل.

وكان بن يوسف بن خدة يقول " ما كان ينبغي تجديد خطأ 1945 حيث وجد الحزب نفسه مخلوع من مثل الأداة في الوقت الذي سعى للانتقال الى الأفعال في كل أنحاء التراب الوطني".

وسلمت قيادة المنظمة الخاصة لمحمد بلوزداد، قائد وطني، لواء المنظمة الخاصة بمساعدة حسين أيت أحمد، نائب رئيس الأركان والمسؤول عن منطقة القبائل.

وكان محمد بوضياف يقود مقاطعة قسنطينة، جيلالي ريقيمي، قائد مقاطعة الجزائر العاصمة 1 الذي تشمل الجزائر العاصمة ومتيجة وتيتري، عبد القادر بلحاج جيلالي، قائد مقاطعة الجزائر العاصمة 2 المشرف على الظهرة والشلف وأحمد بن بلة سيرث مقاطعة وهران.

وبعد مرض محمد بلوزداد، تولى أيت أحمد المنظمة الخاصة نهاية 1947 و ترك مكانه في 1949 لأحمد بن بلة .

و سيتم اكتشاف أمر المنظمة الخاصة من طرف المخابرات الفرنسية في 1950.

بالنسبة لمحمد بوضياف، مسؤول المنظمة الخاصة مقاطعة قسنطينة، تم اختيار مناضلي المنظمة الخاصة لدى المنظمة السياسية السرية لحزب الشعب الجزائري على أساس بعض المعايير، مثل "القناعة والشجاعة البدنية و الكتمان والسرية".

وستنشط المنظمة الخاصة بشكل فعال على أرض الميدان، مع الهجوم المذهل على بريد وهران في 1949، إذ سيواصل عناصرها النشاط بشكل سري لينظموا أنفسهم في اللجنة الثورية للوحدة والعمل ،لا سيما مع انعقاد اجتماع مجموعة الـ22 التاريخية في كلو سالومبيي (المدنية)، مع العناصر الفاعلة، أي مصطفى بن بولعيد و محمد بوضياف ومحمد العربي بن مهيدي وديدوش مراد وكذا رابح بيطاط الذين سيقرون باندلاع الكفاح المسلح، في 1 نوفمبر 1954، من خلال تجنيد الشعب في عملهم لأجل الهدف النهائي : الاستقلال الوطني.

بوتقة قادة حرب التحرير الوطني المجيدة           

 ويرى رئيس جمعية قدماء وزارة التسليح والاتصالات العامة (مالغ) دحو ولد  قابلية أن مجازر 8 مايو 1945 كانت نقطة انطلاق الوعي لشن الكفاح المسلح، مذكرا  بمختلف المراحل التي أفضت إلى الفاتح نوفمبر 1954.

وذكر قائلا "لقد تمت ممارسة قمع شديد وشرس عبر كامل التراب الوطني. استهدف  القمع الجميع تقريبا وكان عنيفا جدا لدرجة أنه تولد الشعور بأن فرنسا ترفض  الامتثال لتوجيهات عصبة الأمم لاسيما تلك التي مفادها أنه مع نهاية الحرب  العالمية الثانية سيتعلق الأمر بتحرير كافة الشعوب الخاضعة لهيمنة  الاستعمار".

وقال إن الجزائريين كانوا يأملون الكثير لكنهم كانوا محبطين و لأنهم أدركوا  بأنه أصبح من غير الممكن وضع الثقة في الخطابات والأكاذيب وأنه لا بد من  اللجوء إلى الكفاح المسلح.

وتجسدت هذه الفكرة عند تأسيس المنظمة الخاصة سنة 1947 كرأس حربة الكفاح المسلح  وبوتقة معظم قادة الثورة الجزائرية. ومن جهته يرى المجاهد والسفير السابق نور الدين جودي أنه  "ينبغي ألا ننسى بأن حدثا هاما وقع قبل اندلاع حرب التحرير الوطني واشعاعها في افريقيا:  ألا وهو تأسيس المنظمة الخاصة سنة 1947 وهي أول محاولة لتنظيم الكفاح المسلح حتى  تستعيد الجزائر حريتها.".

وكانت تلك العناصر من المنظمة الخاصة التي تمكن الاستعمار من تدميرها قد برزت من جديد لشن كفاح مسلح "منظم و موحد وشامل" عبر كامل التراب الوطني.

وأضاف قائلا بأن  "الحركة الوطنية استخلصت العبر من كل ما حدث في الماضي من اغتيالات وجرائم ومنفى ومختلف عمليات التمرد والانتفاضات الشعبية و8 مايو 1945، مؤكدا  أن عبقرية قادة الثورة الجزائرية تمثلت في تفادي أخطاء الماضي من خلال  الاعتماد على الالتزام الكامل للشعب الجزائري.

وتحمل عناصر من المنظمة الخاصة مسؤولياتهم أمام التاريخ وواصلوا نشاطهم في  سرية تامة قبل تشكيل اللجنة الثورية للوحدة والعمل وعقد اجتماع مجموعة الـ 22 التاريخية بصالومبي (حاليا المدنية) حيث قرروا تفجير الثورة في الفاتح نوفمبر 1954من خلال تجنيد كافة الشعب الجزائري. ومكن التزام وعزم الشعب الجزائري من طي صفحة ليلة استعمارية حالكة دامت 132 سنة ".