العدالة الفرنسية تُسقط رهانات اليمين المتطرف وتُثبِت صوابية الرؤية الجزائرية

العلاقات الجزائرية الفرنسية
30/01/2025 - 15:44

لا تعدّ قضية ترحيل المؤثر الجزائري "دوالمن" سوى نموذج آخر لفشل رهانات اليمين الفرنسي المتطرف، الذي ما انفكّ يوظف الملفات المرتبطة بالجزائر لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة. لقد سعى وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، إلى فرض قرار تعسفي يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة، لكنه اصطدم بجدار العدالة الفرنسية التي أبطلت إجراءه الجائر، في صفعة مدوية تكشف حدود سلطته وتؤكد هشاشة خطابه المتطرف.

اليمين الفرنسي المتطرف: تأجيج متواصل لخطاب الكراهية

منذ توليه وزارة الداخلية، جعل برونو روتايو من الجزائر شماعةً يعلّق عليها إخفاقاته، متبنياً خطاباً عدائياً يستهدف الجالية الجزائرية بشكل خاص. ولم يكن تصريحه بأن الجزائر "أهانت فرنسا" برفضها استقبال "دوالمن" سوى امتدادٍ لهذا التوجه المتطرف، الذي يسعى إلى استثارة مشاعر قومية زائفة في الداخل الفرنسي لخدمة مصالح سياسية شخصية ضيقة.

إن استغلال ورقة العداء للجزائر ليس جديدًا، بل هو جزء من سياسة ممنهجة دأبت عليها بعض الأوساط اليمينية، التي لم تستوعب بعدُ حقيقة التحولات الجيوسياسية وعجزها عن فرض رؤيتها القديمة على المشهد الدولي.

غير أن القضاء الفرنسي، في موقف لافت، قرر إجهاض مساعي روتايو، مُؤكِّدًا أن قرار الطرد لم يكن مبررًا بحالة طوارئ مُطلقة، ما يُعدّ إدانة صريحة لنهج استغلال السلطة لخدمة الأجندات السياسية.

الموقف الجزائري: ثبات مبدئي في مواجهة التصعيد

في مقابل هذا التخبّط الفرنسي، جاء الموقف الجزائري مُتّزنًا وحازمًا. فقد شددت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان رسمي، على أن "اليمين المتطرف الفرنسي انخرط في حملة تضليل وتشويه ضد الجزائر"، مُؤكدةً أن "الجزائر لم تنجرّ إلى منطق التصعيد والمزايدة، على عكس ما يدعيه اليمين الفرنسي المتطرف".

ولم تكتفِ الجزائر بذلك، بل استدعت السفير الفرنسي احتجاجًا على المعاملة غير اللائقة التي تعرض لها المواطنون الجزائريون في المطارات الفرنسية، في خطوة دبلوماسية واضحة الدلالة، تؤكد رفض الجزائر لأي محاولات للمساس بسيادتها أو برعاياها.

التوتر الجزائري-الفرنسي: أزمة عابرة أم تصعيد ممنهج؟

تأتي هذه القضية ضمن سياق متراكم من التوترات التي زادت حدتها في الأشهر الأخيرة، بدءًا بحملة الاعتقالات التي استهدفت مؤثرين جزائريين في فرنسا تحت ذريعة التحريض، مرورًا بقضية بوعلام صنصال، وليس انتهاءً بالتضييق المستمر على الجزائريين في المطارات الفرنسية.

ويبدو أن باريس، مدفوعة بمناخ سياسي داخلي مضطرب، تحاول توظيف هذه الملفات لفرض أجندتها الدبلوماسية، وهو ما ظهر جليًا في تهديدات وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الذي لوّح باتخاذ "إجراءات رد" تشمل التأشيرات و تقليص مساعدات تنموية مزعومة، في موقف يعكس العقلية التي تحكم بعض الدوائر السياسية في باريس.

آفاق العلاقات الجزائرية-الفرنسية: أي سيناريوهات للمستقبل؟

أمام هذا الوضع المعقد، تبرز عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل العلاقات بين البلدين. السيناريو الأول يتمثل في تهدئة مؤقتة دون حل جذري، حيث قد تسعى باريس إلى امتصاص الغضب الجزائري عبر تحركات دبلوماسية شكلية، لكنها ستستمر في انتهاج سياسات عدائية تحت غطاء مكافحة التطرف.

أما السيناريو الثاني فيتمثل في تصعيد دبلوماسي قد يؤدي إلى أزمة مفتوحة، حيث يمكن للجزائر اتخاذ خطوات أكثر حدة مثل مراجعة اتفاقيات التعاون الأمني والاقتصادي في حال استمرار استفزازات اليمين الفرنسي.

أما السيناريو الثالث، وهو الأكثر استقرارًا، فيتطلب إعادة ضبط العلاقات وفق أسس جديدة قائمة على الاحترام المتبادل، إلا أن ذلك يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية من الجانب الفرنسي للتخلي عن عقلية الهيمنة والتعامل مع الجزائر كشريك ندّي وليس كتابع.

الجزائر بين الصمود والمناورة الدبلوماسية

كشفت هذه الأزمة، مرة أخرى، أن الجزائر ليست الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، بل أثبتت قدرتها على فرض توازن دبلوماسي يُحبط محاولات الإملاء السياسي. وفي المقابل، يتعين على فرنسا أن تدرك أن استمرارها في نهجها الحالي لن يؤدي سوى إلى تعميق الهوة بين البلدين، ما لم تبادر إلى تصحيح مسار علاقاتها مع الجزائر وفق قواعد الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

وكما قال رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون بكل وضوح: "لن أذهب إلى كانوسا"، في إشارة إلى رفضه لأي شكل من أشكال التنازل أو الإذلال السياسي، وهو ما يرسخ عقيدة الدبلوماسية الجزائرية القائمة على الندية والكرامة الوطنية.

ملتيميديا الاذاعة الجزائرية/ تقرير: عمار شريتي