أكد مدير متحف المجاهد الأستاذ حسان مغدوري هذا الأربعاء أن اتفاقيات إبفيان الموقعة مع السلطات الاستعمارية الفرنسية في الـ 18 مارس 1962 هي محطة معلمية ومفصلية في تاريخ الجزائر وقامت بطي 132 سنة من استعمار استيطاني اغتصب الارض واستوطن المكان وقاد حرب ابادة ضد الجزائريين على مدى عقود طويلة من الزمن .
وقال مغدوري لدى استضافته في برنامج "ضيف الصباح " للقناة الإذاعية الأولى إن عيد النصر فرصة للتذكير بضرورة احترام رموز الثورة وصون ذاكرة الشهداء وكرامة المجاهدين ونقل تاريخ الثورة للأجيال الصاعدة وتخليد روح التحرر المتجذرة عبر التاريخ في عقيدة الشعب الجزائري المقاوم وتحت راية الحركة الوطنية وصولا إلى ثورة التحرير الكبرى التي خاضها الشعب الجزائري لأزيد من سبع سنوات.
واستعرض ضيف الأولى مجمل المراحل التي مرت بها عملية التفاوض والتي انتهت بإقرار فرنسا بالهزيمة والخروج نهائيا من الجزائر بعد سلسلة من المفاوضات العسيرة تخللتها مناورات خبيثة ومساومات على الوحدة الترابية قدر المستطاع منها فصل الصحراء ومسائل جوهرية مثل قضية التمثيل والتفرقة بين الجزائريين على أساس قبلي .
ايفيان وبوابة العبور إلى الاستقلال
كما قال الأستاذ مغدوري، "الثورة قامت بعمل عظيم وتمثل في تصحيح انحراف تاريخي وقع عام 1830 وبالمقارنة بين الميزان بين الامكانيات العسكري و السياسي كان مستحيلا الوصول إلى لحظة الاستقلال سنة 1954 ولكنه حدث بفضل روح التحرر المتجذرة في عقل الإنسان الجزائري والدفاع عن الاوطان والتفافه حول القضية الوطنية والصرامة في التنظيم كخيار استراتيجي وكذا ارتفاع مستوى الوعي لدى الشعب والاستعداد للتضحية في الداخل وفي بلاد المهجر والتعبير عن الثورة بمختلف الأشكال ، بما فيها الانخراط في مختلف المنابر الشعبية والسياسية والثقافية والرياضية الدولية للتعريف بالقضية الجزائرية ."
وتابع قائلا ، " عكست المفاوضات روح المرونة في التعاطي و التفاوض من اجل تحقيق المصالح و التمسك بالحق دون تنازل وأظهرت أيضا عبقرية الشعب الجزائري المؤمن بلغة الحوار والتفاوض أمام طرف فرنسي عرف عنه الانقلاب والتنكر للعهود و الوعود منذ عهد المقاومات الشعبية خلال فترة نضال الامير عبد القادر و صولا إلى الوعد بالاستقلال بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما تبعها من مجازر الثامن ماي 1945 ."
اليمين المتطرف في فرنسا امتداد اللوبي الكولونيالي
وفي معرض حديثه أوضح مدير متحف المجاهد حقيقة تاريخية بالقول، " اليمين المتطرف في فرنسا في حلته الحالية هو امتداد تاريخي للوبي الكولونيالي الذي كان مهيمنا على مقاليد الدولة و تدبير الشأن العام في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية و كانت له أيضا لوبيات على مستوى كل مرافق الدولة سواء داخل الجزائر أو في فرنسا وهو من وقف ضد اتفاق وقف إطلاق النار عام 1962 وأسس منظمة الجيش السري الفرنسي الإرهابية والتي قادها سالون وسوزيني وغيرهما من قادة الجيش الاستعماري بالتعاون مع بغض فئات المعمرين وقامت باقتراف جرائم رهيبة ضد مئات الجزائريين في وهران ولم يسلم من بطشهم حتى بعض الفرنسيين بالجزائر العاصمة ."
وأضاف ،" كانت هذه المنظمة تنادي بالجزائر فرنسية إلى الأبد ولم ترض أبدا أن تكون الجزائر غير فرنسية وظل هذا اللوبي الكولونيالي يشتغل في صمت بعد الاستقلال داخل فرنسا وفي مرحلة ما أسس جمعية تعنى بالدفاع عن المصالح المعنوية والمادية وهي امتداد للوبي الكولونيالي بالجزائر ونجحت بكل أسف في تمرير قانون تمجيد الإستعمار في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك سنة 2005 ."
وتابع قائلا ، " نحن في الجزائر مدركون لهذه النزعة المتجذرة لدى أقطاب وأنصار اليمين المتطرف في فرنسا و الذي ما يزال يحلم بالفردوس المفقود و يحاولون الالتفاف على الحقائق التاريخية ،علما ان هذه المحاسن التي يسوقونها كانت في خدمة المعمرين الفرنسيين والأوربيين ،بينما كان الجزائريون مجرد رعايا وأهالي بحسب القانون الفرنسي ."
الجزائر وكيفة التعاطي مع هذه النزعة العنصرية
" لدينا خبرة كبيرة و طويلة في التعامل مع الاستعمار ورثناه عن الاجداد -يضيف المتحدث ذاته- ولا نثق في فرنسا و مناوراتها ولا نقف عندها لان مصير الجزائر بيد أبنائها وخاصة عندما يتعلق الأمر بأمن وسيادة الوطن فنحن نحسن التعامل مع هذه الأصوات الناعقة التي تحاول تجاوز حقائق التاريخ ."
واستطرد قائلا ، "ما نلاحظه بكل أسف أن هذه القوى اليمينية تحاول سجن الضمير الفرنسي والأصوات الحرة التي تحاول النظر إلى الماضي الاستعماري بالجزائر بكل موضوعية والمناهج التعليمية الفرنسية لا تتحدث مطلقا عن هذه الجرائم على الرغم أن عددا كبيرا من المؤرخين في فرنسا قاموا بالكتابة وتسجيل هذه الجرائم ولم يسلم من هذا الحصار والفصل عن العمل حتى بعض الاعلاميين الشرفاء الذين أوردوا حقائق تاريخية غير قابلة للجدل حيث بينهم من تعرض للعزل ."
النخبة في الجزائر والذاكرة
وبعد أن أشاد بالنخبة في الجزائر شدد المتحدث ذاته على انه ينتظر منها الانخراط بقوة في معركة الوعي مضيفا بالقول"نحن كمؤرخين نوثق الحقائق التاريخية وندعو النخب إلى المساهمة في هذه المعركة بإعداد ملفات حول الذاكرة لحماية مكتسبات الجزائر المستقلة والحفاظ على أمانة الشهداء وهي صون الاستقلال ، بالتزامن مع عملية اعادة تأهيل المشاريع الكبرى لتعزيز مكانة البلاد وفتح آفاق واعدة للمجتمع ."