مع تواصل فعاليات الطبعة ال19 لعيد الحلي بأث يني (31 جويلية إلى 9 أوت 2025)، على بعد حوالي 40 كلم جنوب شرق تيزي وزو, تحتضن ورشات قرية آث يني طقوس مغامرة مثيرة تحيكها أنامل الحرفيين الذين يجمعون بين الفضة والمرجان الأحمر والمينا من اجل إبداع حلي ذات جمال أخاذ يأسر الناظرين.
إنها حلي آث يني التي تحمل في طياتها البذخ المتجذر في التقاليد والأناقة المعاصرة، تلك المنطقة الجبلية المعروفة بصيغها التقليدية التي ما فتئت تتجدد عبر العصور دون أن تفقد جوهرها وقيمتها.
وتعد حلي آث يني تراثا تقليديا تناقلته الأجيال ليشهد على مر العقود تحولا دقيقا ليتأقلم مع الواقع الاقتصادي وتطلعات الزبائن، لكن دون المساس بأصالته، إذ فسحت القطع التقليدية المعروفة بحجمها الكبير من قلائد فخمة ودبابيس ضخمة وأساور مرصعة بالمرجان ومزينة بمينا ذات نقوش هندسية متألقة، المجال تدريجيا لقطع أصغر حجما لكنها لا تقل أناقة.
ولفت السيد مجيد أوغال، وهو من الجيل الخامس ومن عائلة مشهورة في صياغة الحلي، إلى أن "عدة عوامل متمثلة في تغير أنماط الحياة والحاجة إلى التكيف والقدرة الشرائية دفعت الحرفيين إلى الابتكار مع الحفاظ على الروح والأصالة وطريقة الصنع التقليدية للحلي".
وأكد هذا الحرفي الذي التقته "وأج" بآث يني، حيث يعرض أعماله في إطار الطبعة الـ 19 لعيد الحلي (31 جويلية إلى 9 أوت 2025)، أن صائغي الحلي نجحوا في تحديث تصاميمهم من خلال ابتكار أشكال وزخارف جديدة غالبا ما تكون مستوحاة من النقوش الهندسية للفن الزخرفي الأمازيغي، مما سمح بالحفاظ على جوهر أسلوب آث يني.
وأضاف أن الحلي المصنوعة محليا تتطور وتواكب العصر، مشيرا الى أن "المرأة خرجت للعمل وهي ترتدي ملابس عصرية، مما يستدعي منا أن نصمم لها حلي تتماشى مع هذا النمط من اللباس مع الحفاظ على أصالة المنتج. إنها حلي تواكب عصرها وتناسب كل الأجيال".
= الحفاظ على طابع الحلي التقليدي =
من جهته، أبرز صائغ الحلي عز الدين عباد، وهو صاحب خبرة تفوق 30 سنة في هذا المجال، ضرورة الحفاظ على الطابع الأصيل للحلي القبائلي التقليدي، بالرغم من التجديد الذي أدخل عليها، لافتا الى أن الهدف من هذا التجديد هو الحفاظ على هذه الحرفة من خلال التكيف مع غلاء المواد الأولية من مرجان وفضة ومع القدرة الشرائية للزبون.
وأضاف أن الحرفي الذي لا يبيع منتوجه سيضطر إلى غلق محله في النهاية، مما يستدعي "التطور والتكيف مع متطلبات السوق على الصعيدين المحلي والخارجي".
وقال بهذا الخصوص: "إننا نحاول تصميم حلي تناسب كل الأذواق مع الحرص على الحفاظ على المعايير الأساسية الثلاثة المشكلة لهوية ونبل الحلي القبائلي (الفضة والمرجان والمينا) مع التحديث في تصاميمها".
ويشمل هذا التحديث -كما قال- الشكل والحجم والزخرفة بالشكل الذي تم فيه إثراء المجموعات المكونة سابقا من قطع ضخمة بتصاميم أخف وأدق وأكثر نعومة لتكون في متناول ذوي الدخل المتوسط والمحدود.
ومكنت عملية تحديث حلي آث يني من توسيع قاعدة الزبائن ممن يفضلون القطع الأكثر بساطة وسهولة في الارتداء اليومي، فأصبح من الممكن العثور على أقراط خفيفة متدلية وخواتم رفيعة وقلائد أنيقة بسيطة تتماشى مع اللباس العصري، بما يثبت إمكانية المزج بين التقاليد والحداثة.
وبالرغم من هذا التكيف، لم تفقد النماذج القديمة شيئا من سحرها، إذ لا تزال القطع التقليدية النادرة المتوارثة عبر الأجيال تلقى رواجا كبيرا ولا تزال القطع القديمة والضخمة محل بحث دائم من طرف المهتمين بجمعها وبهذا الفن عموما.
ويعود السبب في ذلك -حسب السيد أوغال- إلى "استمرار ارتفاع قيمة هذه الحلي، مما يجعلها أكثر من تحف فنية، إذ تعتبر استثمارات آمنة وقيمة مضافة حقيقية في الإرث العائلي".
من جهتهما، أكد الحرفيان أوغال وعباد أن هذه الحلي الفضية الخالصة "ليست مجرد زينة، بل تشكل رمزا للثراء والمكانة الاجتماعية وتأمين مالي يتم اللجوء إليه وقت الحاجة".
وثد أجمع العديد من الحرفيين أن حلي آث يني تعد "رمزا لتقاليدٍ نجحت في تطوير نفسها من أجل البقاء، كما أنها حرفة تجمع بين جمال المواد النبيلة الثابت وذكاء التكيف وروح الابتكار لدى صاغة المنطقة".