تتمايز حاضرة قسنطينة العتيقة، بقفطان القاضي القسنطيني الضارب في أعماق التاريخ بجمالات تراث ثري نادر.
تحوّل قفطان القاضي القسنطيني من لباس رجالي مرتبط بالسلطة والسلك القضائي قبل أربعة قرون، إلى رمز حديث للأناقة النسائية.
ويعكس قفطان القاضي القسنطيني بتطريزاته الراقية وأقمشته النبيلة ومهاراته الحرفية ثقافة ضاربة في عمق التاريخ.
وأصبح هذا القفطان البارز تاريخياً عبر مختلف جهات الوطن، إرثاً معترف به على الصعيد الدولي.
ونجحت "قرطا" العتيقة المعلقة بين الجسور والصخور عبر قرون من الزمن في الحفاظ على هذه القطعة الرمزية.
وتجاوز القفطان بامتداده التاريخي، مجرّد كونه ثوباً أنيقاً ليُصبح جزءاً من التاريخ الاجتماعي والثقافي للشرق الجزائري.
وأوضحت مديرة المتحف العمومي الوطني للفنون والتعابير الثقافية التقليدية (قصر أحمد باي) بقسنطينة، مريم قبايلية، حيثيات قفطان القاضي.
وذكرت في هذا الشأن، أنّ تسمية القفطان تعود إلى القاضي كشخصية مركزية في المجتمع.
وتابعت: "القفطان قديماً كان يرمز للمكانة والوقار، وتعكس أقمشته الفاخرة وخيوطه الذهبية أناقة وهيبة من يرتديه".
من جانبها، أشارت رئيسة جمعية "رائدات الصخر العتيق"، صافيناز عويش، إلى أنّ القفطان كان يطرز للرجال بتقنية "المجبود".
وأوضحت الحرفية المختصة في الأزياء التقليدية القسنطينية، أنّ تقنية "الفتلة" اعتمدتها النساء في تصميم القفطان.
وبحسب مريم قبايلية، فإنّ تاريخ القفطان ووفق وثائق أرشيفية رسمية، يعود إلى القرن السابع عشر الميلادي.
وتتضمن عقود زواج بسجلات المحاكم الشرعية، عبارة "زي القفطان" ضمن قائمة الصداق ومؤخره وشروط الزواج.
حضور وازن في متاحف 3 دول
تشير مصادر موثّقة إلى وجود قطع من قفطان القاضي مرصّعاً بخيوط من الذهب الخالص، في عدّة متاحف دولية.
ويعرض متحف ستوكهولم بالسويد قفطاناً أهداه علي باشا لملك السويد سنة 1731 بمناسبة إبرام معاهدة السلام الجزائرية السويدية آنذاك.
وتمّ عرض 12 قفطاناً جزائرياً آخر و3 قندورات و5 برانيس بقصري هوفبورغ وشومبرون بفيينا (النمسا) بين عامي 1868 و1872.
واقتنت بعضها الإمبراطورة النمساوية إليزابيث المكنّاة "سيسي" من الجزائر وتلقت بعضها لدى زيارتها إلى الجزائر في 1872.
وتحتفظ بعض متاحف دمشق السورية بقفاطين تعود ملكيتها إلى اللاّلة زينب، ابنة الأمير عبد القادر.
وأفادت مريم قبايلية أنّ صناعة قفطان القاضي بقسنطينة كانت تعتمد قديما على طريقة تقليدية فريدة.
وأحالت على استخدام جلد الغنم بديلا عن "القرقاف" وهو إطار دائري (خشبي أو بلاستيكي) يتكون من حلقتين.
وكان يتمّ تثبيت القماش بينهما بإحكام لتسهيل عملية التطريز.
ويجري أيضاً تثبيت خيط الذهب الخالص بواسطة أسلوب تقليدي يعتمد على دم الطحال قبل تجفيفه بعناية.
هذا الأسلوب الدقيق، المتوارث من جيل لآخر، منح القفطان جمالاً وأناقة لامعة تعكس مكانته الرفيعة وحرفية الصناعة التقليدية القسنطينية.
وظلّ هذا العمل المتقن مدعوماً بخدمات "دار الدباغ" بقسنطينة التي تعدّ مهداً للجلود الرفيعة.
وتحولّت كل قطعة جلد إلى عمل فني، فيما لا تزال القسنطينيات ترتدين القفاطين في المناسبات والاحتفالات التقليدية والأعراس.
وتنظر أصيلات "سيرتا" إلى قفطان القاضي بصفته إرثاً حياً حاملاً للذاكرة والهوية والأناقة تتوارثه الأجيال بقسنطينة ومناطق الشرق الجزائري الكبير.
الأمر ذاته لقفطان تلمسان وغيرها من مدن الغرب الجزائري.
وتترسّخ مكانة القفطان الجزائري المعترف به من لدن منظمة اليونسكو، إرثاً ثقافياً دولياً.
الإذاعة الجزائرية











