الذكرى الـ 64 لتأسيس الحكومة المؤقتة : توحيد قيادة الثورة وتجنيد المجتمع الدولي

gpra_1.jpg
18/09/2022 - 17:24

حمل الإعلان عن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية  رسميًا في 19 سبتمبر 1958 في طياته أهدافا متعددة  تمثلت في  استكمال استحداث مؤسسات الثورة و توحيد قيادة الثورة وتجنيد المجتمع الدولي حول القضية الوطنية إلى جانب منح الاطار القانوني للكفاح المسلح.

جاء الإعلان عن الحكومة المؤقتة الذي يعد "حدثا بارزا" في مسيرة الثورة الجزائرية تجسيدا لقرار اتخذ خلال مؤتمر الصومام، وفي لوائحه دعا المجلس الوطني للثورة الجزائرية الذي اجتمع في أغسطس 1958 بالقاهرة إلى إنشاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وهو ما جسدته لجنة التنسيق والتنفيذ بعد مرور سنة.

وإذا كان الهدف المعلن هو استكمال استحداث مؤسسات الثورة  فإن دستور الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية كان سمح للثورة الجزائرية بالانتقال إلى "مرحلة جديدة".

وأوضح الباحث في التاريخ، عبد الله مقلاتي، أنّ الدافع الرئيسي لتأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تمثل في "توحيد قيادة الثورة ضمن هذه الهيئة" للتحدث باسم الشعب الجزائري في المفاوضات مع الطرف الفرنسي الذي كان يتحجج آنذاك بأنّه لا يوجد أي طرف للتفاوض معه.

وأكد كريم بلقاسم  الذي سارع إلى إنشاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية أنّ "العالم الخارجي لن يحترمنا ويثق بنا إلا إذا تكلمنا اللغة نفسها وتصرفنا بشكل فعال".

من جهته، قال رئيس جمعية قدامى وزارة التسليح والعلاقات العامة، دحو ولد قابلية، إنه بعد اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954 لم يتمكن قادتها الرئيسيون لاسيما التسعة التاريخيين من تنسيق أعمالهم حتى وان تمّ تسوية الوضع مع عقد مؤتمر الصومام في 20 أغسطس 1956 الذي أسفر عن إنشاء لجنة التنسيق والتنفيذ،  غير أنّ لجنة التنسيق و التنفيذ لم تكن تتوفر على كل الوسائل لتنسيق الكفاح بشكل فعال مما فرض ضرورة وضع قيادة أوسع وأكثر تمثيلاً.

هيكل قانوني لصوت الجزائر المكافحة

أكد السفير السابق وضابط جيش التحرير الوطني، نور الدين جودي، أنّ إعلان الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية خلال حرب التحرير الوطني منح غطاءً "قانونيًا" للكفاح المسلح على المستوى الدولي وسمح بتسوية مشاكل التنسيق التي كانت قائمة بين مختلف الولايات التاريخية لتمكينها من السير في الاتجاه نفسه.

وأوضح جودي أنّ تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية "أعطى غطاء شرعيا للكفاح المسلح" على الصعيد الدولي، مؤكدًا أنّ ذلك هو الهدف من تأسيسها".

وأشار الضابط السابق بجيش التحرير الوطني أن الإعلان عن إنشاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية سمح "بشكل خاص بإبلاغ فرنسا الاستعمارية بضرورة التفاوض مع حكومة مؤقتة معترف بها قانونا".

في الصدد ذاته، اعتبر ولد قابلية أنّ إنشاء الحكومة المؤقتة كان يمثل "عملاً تأسيسيًا" لجهاز القيادة وفقا لمعايير الدولة مع إدارتها ومهامها السيادية و قواعدها التسييرية وميزانيتها في خدمة دورة و أجندة.

وأكد وزير الاتصال الراحل، لمين بشيشي، أنّه إذا كان إنشاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية يمثل اليوم "أحد المعالم التأسيسية" لما كانت ستؤول إليه الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية الفتية، فذلك راجع لكون هذه الحكومة الجديدة اضطلعت، رغم طابعها "المؤقت"، بدور هام على الصعيد الدولي، مؤكدا في إحدى شهاداته أنّ الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية "أبرمت العشرات من الاتفاقات والمعاهدات الدولية".

وبالفعل، فرضت الحكومة المؤقتة نفسها ليس كصوت للجزائر المناضلة فحسب بل وأيضا كوسيلة لتدويل القضية الجزائرية والتعبئة حولها ضد المستعمر الفرنسي.

وكان أول نشاط دبلوماسي قامت به الحكومة المؤقتة غداة تأسيسها، في التنديد على مستوى الأمم المتحدة عقب إعلان الجنرال ديغول عن الاستفتاء حول الدستور الجديد، وكان من المفروض أن يؤول هذا النص في الجزائر كتعبير لإرادة الشعب عن البقاء مرتبطًا أم لا بفرنسا.

وتلا هذا المسعى الأول للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية عدّة أنشطة دبلوماسية موجّهة للتنديد بالمستعمر الفرنسي، القوة المحتلة، والتعريف بالقضية الجزائرية.

وبفضل تأسيس الحكومة المؤقتة، تمكنت الجمهورية الجزائرية من المشاركة في العديد من التظاهرات، سيما على الصعيد الإفريقي، على غرار ندوات غانا (ديسمبر 1958) وليبيريا (أوت 1959) وتونس (جانفي 1960) والدار البيضاء (المغرب – 1961).

وساهم النشاط المكثف الذي بادر به الممثلون الرسميون للحكومة المؤقتة و نشاطاتهم الدبلوماسية في المحافل الدولية وعبر العديد من العواصم حيث كان للحكومة التي كان يرأسها فرحات عباس ممثليات دائمة سيما بالأمم المتحدة بإسماع صوت الجزائر.

وبالفعل، أثّر نشاط الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية على النقاش حول القضية الجزائرية بالجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قررت الولايات المتحدة الأمريكية، أحد أهم حلفاء فرنسا لأول مرة الامتناع عن التصويت خلال نقاش بمجلس الأمن موجهة "ضربة قوية" إلى الجنرال ديغول الذي كان يبحث حينها عن دعم الرئيس الأمريكي أيزنهاور.