مرّت، السبت، 13 سنة على رحيل الأديب الجزائري الكبير "الطاهر وطار" (15 أوت 1936 – 12 أوت 2010)، ولا يزال أثر "العم الطاهر" يبصم شريط الذكريات، فهو المثقف الواعي الذي قدّم للجزائر ما كانت تنتظره منه.
على مدار عقود من الإبداع والكفاح، رفض وطار التخندق خلف المحلية، لذا حرص على كسر حواجز الجغرافيا والقراءات المبتورة للتاريخ، وظلّ "الولي الطاهر" الأب الروحي لجمعية الجاحظية، ذاك المنبر الثقافي الأثير، الذي لا يزال يحاول البقاء على قيد الحياة.
ولم يقتصر نشاط وطار على الأدب، بل واظب على تفعيل النقاش العام حول القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية في الجزائر والعالم العربي، ودخل في مساجلات مع أطراف عديدة، واشتهر بشعاره المتميز: "لا إكراه في الرأي".
المنشّط الثقافي
يُبرز الروائي "أمين الزاوي" أنّ وطار لم يكن قلماً يكتب من برج عاجٍ، وإنما ظلّ منشطاً ثقافياً لعب دوراً مؤثراً في تفعيل الحوارات الثقافية.
ونوّه "الزاوي" أنّ "الجاحظية" التي أسسها وطار في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ظلت منبراً للحوار بين جميع أطياف الثقافة الجزائرية، وجمعت المثقفين المعرّبين والمفرنسين، ما حوّلها إلى مجال حيوي للحوار الثقافي والفكري والأدبي، كما كانت فضاء العقل في الثقافة الجزائرية، وكان دور وطار كبيراً في هذه الجمعية، فكان يجمع بين مختلف الاتجاهات ليس من باب التنميط وإنما انطلاقاً من الحرص على الاختلاف، فشخصية الطاهر وطار لا تريدك أن تكون معه ومثله، وإنما أن تكون معه ومختلفاً عنه في الوقت نفسه.
ويعتبر أدباء جزائريون "الطاهر وطار" بمثابة رمز لمشروع إبداعي حداثي حي كرّس ثقافة الاختلاف، واللافت أنّ الذين اختلفوا مع وطار، كانوا يحترمونه لأنه كان يحمل حاسة النقد دائماً.
نموذج متفرّد
تشدّد الروائية المخضرمة "زينب الأعوج" على أنّ وطار يعدّ نموذجاً متفرداً حرص على إضفاء لغة الحوار وتشكيل فضاء مغاير سمح بصقل كثير من المواهب والأسماء التي تشكل اليوم الواجهة الثقافية الجزائرية.
وأشادت الأعوج بمكانة الفقيد كأحد مؤسسي الفعل الروائي والإعلامي ليس في الجزائر فحسب، بل في العالم العربي أيضاً، أما الكاتب البارز "جيلالي خلاص" فركّز على عظمة الصرح الذي ابتناه وطار من خلال جمعية الجاحظية التي ظلت على مدار الـ 26 سنة المنقضية، فضاءً إبداعيا من الطراز الأول عرّف بالرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية.
وتطرق الروائي "واسيني الأعرج" إلى حتمية الاهتمام في القريب العاجل بطريقة تكفل نشر الإرث الكبير الذي تركه عبقري فن الرواية في الجزائر، معتبرا رحيل هذا الرجل المفكر خسارة للحقل الأدبي الجزائري والعربي على حد سواء.
الطاهر وطار في سطور
- الطاهر وطار أديب كبير ومثقف واعٍ قدّم الكثير للرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية، وبصم على الفعلين الروائي والإعلامي جزائريًا وعربيًا.
- وُلد في الخامس عشر أوت 1936 في منطقة "عين الصنب" بولاية سوق أهراس، درس في معهد بن باديس بقسنطينة، قبل تنقله إلى الزيتونة، ثمّ التحق بصفوف الثورة.
- من أهم روايات وطار: اللاز، الزلزال، الحوات والقصر، عرس بغل، العشق والموت في الزمن الحراشي، تجربة في العشق، رمانة، والشمعة والدهاليز.
- شارك في تأسيس عدّة صحف تونسية مثل "النداء" و"لواء البرلمان"، وعمل في يومية "الصباح" ومجلة "الفكر" التونسيتين.
- أسّس "الأحرار" (1962) التي كانت أول أسبوعية في تاريخ الجزائر المستقلة، كما أسّس أسبوعيتي "الجماهير" (1963) و"الشعب الثقافي" (1974).
- شغل وطار منصب المدير العام للإذاعة الجزائرية (1991 و1992)، قبل تفرغه لتسيير جمعية "الجاحظية" الثقافية التي أسّسها عام 1989.
- كان له حضور مسرحي بنصي "على الضفة الأخرى" و"الهارب"، كما حُوّلت قصته "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" إلى مسرحية بالعنوان ذاته (1987).
- ترجم ديوان "الربيع الأزرق" للشاعر الفرنسي فرنسيس كومب (1986)، وظلّ نموذجًا متفردًا حريصًا على تكريس ثقافة الحوار.
- اعتبره نقاد وأدباء رمز مشروع إبداعي حداثي عمّق ثقافة الاختلاف عبر شعاره المميّز: "لا إكراه في الرأي".
- رحل الطاهر وطار في الثاني عشر أوت 2010، ولا يزال أثر "العم الطاهر" راسخًا.
رابـح هوادف – ملتيميديا الإذاعة الجزائرية