قال البروفيسور مزيان سعيدي، أستاذ التاريخ والإستراتيجية العسكرية بالمدرسة العليا للإعلام والاتصال بسيدي فرج، إنّ ثورة أول نوفمبر 1954 هي جوهرة تاريخ الجزائر المعاصر، ولم تكن حدثاً عرضياً، بل هي محصلة مقاومات جزائرية بمختلف أشكالها السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية ضدّ الاستعمار الفرنسي الجاثم على أرض الجزائر منذ سنة 1830.
في برنامج "إضاءات" على "ملتيميديا الإذاعة الجزائرية"، اعتبر سعيدي أنّ هذه الملحمة الكبرى هي منبع الفخر للجزائريين كافة، وهي كانت وما تزال محلّ اهتمام كبير من مراكز الدراسات والأبحاث العالمية وتدرّس في عدة جامعات والمدارس، وتحولت أيضاً هذه التجربة الإنسانية إلى مصدر إلهام حقيقي لعديد الثورات والأحرار في العالم ضدّ الهيمنة والاستعمار.
وبمناسبة الذكرى السنوية الـ 69 لاندلاع ثورة التحرير الكبرى، قال سعيدي: "وثيقة بيان أول نوفمبر كُتبت في الـ 27 أكتوبر 1954 بقرية إيغيل إيمولا في ولاية تيزي وزو، بإيحاء من الشهيد ديدوش مراد والمرحوم محمد بوضياف وحصلت على تزكية قادة الثورة، وحدّدت لأول مرة خيارات الجزائر خلال مرحلة التحرير ومعالم الدولة الوطنية بعد الاستقلال".
واسترسل سعيدي مبرزاً: "بيان أول نوفمبر بدا وكأنه أريد له الخلود، وكان من المفترض أن تنتهي صلاحيته مباشرة بعد تحقيق الاستقلال، لكن القيم والمثل العليا التي نصّ عليها صارت مرجعاً لكل السياسيين الذين تعاقبوا على سُدّة الحكم بعد استعادة الاستقلال، وهذا ما دفع بالسيد رئيس الجمهورية وفاءً منه لعهد الشهداء وتجديد الالتزام بالسير على نهجهم، إلى المبادرة بإضفاء الطابع الدستوري على هذه الوثيقة التاريخية في سنة 2020، باعتبارها تجسّد رؤية الدولة الجزائرية المعاصرة سواء تعلق الأمر بالتوجهات الكبرى داخليا أو بمعالم السياسة الخارجية في شتى الأطر والمحافل الدولية".
ضمن هذا السياق، أشاد ضيف الإذاعة بعبقرية قادة الثورة الذين حرّروا هذه الوثيقة المستوحاة إجمالاً من أدبيات وبرامج الحركة الوطنية وأبرزها "حركة انتصار الحريات الديمقراطية" والمعروفة اختصاراً بـ "MTLD"، وكانت تضمّ نخبة من السياسيين والشخصيات البارزة في الحركة الوطنية من أمثال مصالي الحاج ومحمد الأمين دباغين ويوسف بن خدة وحسين لحول والبشير دخلي وغيرهم من السياسيين البارزين.
وركّز الأستاذ سعيدي على الحنكة السياسية التي كان يتمتع بها هؤلاء القادة والرؤية المتبصرة لديهم، قائلاً: "لم يَرد في البيان ما يشير إلى أنّ هذه الحركة التجديدية هي ثورة، ولم يَرد فيها أيضاً ما يفيد بأنها حركة ذات طابع ديني، وخلت تماماً من الإشارة إلى الآيات القرآنية ومن أي ذكر لمصطلح الجهاد، ولكن البيان رسم بوضوح آفاق دوائر الانتماء بأبعادها المغاربية والعربية والإسلامية والإفريقية وجعل من الاستقلال واستعادة السيادة الوطنية هدفاً استراتيجياً غير قابل للمساومة أو التفاوض".
واعتبر ضيف "إضاءات" أنّ عبقرية قادة الثورة تجلّت أيضاً في أنّ نداء أول نوفمبر 1954 تضمّن ما يمكن اعتباره كذلك بأنه بيان للسلم من حيث كونه بسط في فقرته الأخيرة مشروعاً سلمياً للمعمّرين والمستعمرين الفرنسيين، ولكنه ربط ذلك بضرورة الحصول على الاستقلال الكامل، في رسالة تطمين واضحة بأنّ الثوار هم قبل كل شيء طلاب حرية ودعاة سلم وسلام".
فلسطين تعظّم الثورة الجزائرية
بخصوص ما بجري حاليا من حرب إبادة على الشعب الفلسطيني بقطاع غزة ، قال البروفيسور سعيدي إنّ التاريخ يعيد نفسه ولكن بظروف مغايرة، مضيفاً: "هناك الكثير من أوجه الشبه بين الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة والاستيطان الفرنسي في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية".
واعتبر سعيدي أنّ القضية الفلسطينية تواجه التضليل السياسي والاعلامي من خلال اتهامها بالإرهاب، بينما هي تمارس فقط حقّها في المقاومة والتصدي للاستيطان، وفي سياق متصل، أشار ضيف الإذاعة إلى "أنّ "هناك إجماع بأنّ فلسطين هي قضية المسلمين جميعاً بالدرجة الأولى، وليست فقط قضية العرب وحدهم".
وبناءً على ذلك، يضيف الأستاذ سعيدي: "الفلسطينيون في حاجة اليوم إلى المزيد من التضامن والدعم من المجموعة الدولية لمواجهة الاحتلال وسياسة الإبادة والغطرسة الصهيونية المدعومة غربياً، والمعركة ستكون طويلة وشرسة، لكن الانتصار فيها مؤكد وهو حتمية تاريخية".
ملتيميديا الإذاعة الجزائرية