وجه رئيس رئيس الجمهورية كلمة بمناسبة إحياء الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين ولتأميم المحروقات 24 فيفري 2024، ألقاها بالنيابة عنه الوزير الأول السيد نذير العرباوي الذي شرع اليوم ، وبتكليف من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في زيارة عمل إلى ولاية تيميمون للإشراف على إحياء ذكرى تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات.
بسم الله الرحمن الرحيم، عليه نتوكل وبه نستعين
السادة الوزراء،
السيد والي ولاية تيميمون،
السيد المدير العام لمجمع سونطراك،
السيد الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين،
السيدات والسادة إطارات الدولة،
السيدات والسادة ممثلو وسائل الإعلام،
الحضور الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ببالغ الفخر وعظيم الاعتزاز نحيي اليوم ككل سنة، الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات، ذكرى تحمل في طياتها رمزية عالية، في تاريخ بلادنا ومعاني التضحية وصمود الشعب الجزائري وإصراره على تقرير مصيره واستكمال بسط سيادته، على ثرواته وخيراته وتسخيرها، في سبيل رسم مستقبله وتحقيق تطلعاته المشروعة في التقدم والتنمية.
تحل علينا هذه الذكرى المزدوجة، والجزائر تعيش تحولا عميقا على كافة الأصعدة، وتنتقل بخطى ثابتة نحو بناء اقتصاد قوي ومتنوع، بعد عملية الإصلاح الشاملة، التي سمحت بوضع منظومة جديدة تكفل حرية المبادرة وتهيئ أحسن الظروف للاستثمار وتكرس مبادئ الشفافية والمساواة بين المتعاملين الاقتصاديين.
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل
لقد شكل تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين في 24 فيفري 1956 محطة حاسمة، في تاريخ نضال الشعب الجزائري والتفافه الجماعي حول أهداف الثورة التحريرية المجيدة، من أجل استعادة حريته، كما أبرز العبقرية الاستثنائية التي ميزت رواد جيل الثورة التحريرية المجيدة ووجاهة نظرتهم العميقة وقدرتهم، على التعبئة من أجل نصرة القضية الوطنية.
إن هذا الرصيد النضالي للعمال الجزائريين وتضحياتهم المشهودة ستبقى عبر الأجيال المتعاقبة، متجذرة ومصدر إلهام مستنير ومثالا، على مساهمة المدرسة النقابية، في احتضان وتكوين الحركة الوطنية ودورها الحاسم، في مسار البناء والتشييد وترقية وتطوير الإنتاج الوطني.
ومن هذا المنطلق، يتعين الحفاظ على وحدة الصف، في عالم مضطرب و متقلب إقليميا ودوليا، للتصدي لمحاولات الاستهداف العدائية، ومواصلة العمل من أجل المحافظة على الروح النضالية والحس الوطني العالي، للعمال الجزائريين وتوفير أفضل الظروف، لتأدية واجباتهم المهنية وتحسين أوضاعهم الاجتماعية، وهو الالتزام الذي سبق و أن أوليته أهمية خاصة، عبر مواصلة التأكيد، على تكريس الطابع الاجتماعي للدولة والتمسك بتحقيق العدالة الاجتماعية، خاصة من خلال رفع مستوى وحجم التحويلات الاجتماعية وإصلاح النظام الجبائي، لتجسيد مبادئ الإنصاف والعدالة عبر توسيع الإعفاءات والتخفيضات الضريبية، لصالح ضعفاء ومتوسطي الدخل، والرفع التدريجي للأجور من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية، لأزيد من مليونين و 800 ألف موظف ومتعاقد، فضلا عن تثمين منح ومعاشات التقاعد واستكمال إدماج أزيد من نصف مليون مستفيد من أجهزة الإدماج المهني والاجتماعي في مناصب عمل دائمة.
وإيمانا منا، بالدور الحيوي للشركاء الاجتماعيين وخاصة المنظمات النقابية في ترقية الحوكمة، حرصنا بشكل خاص على التأكيد باستمرار، على ضرورة تكريس ثقافة الحوار، باعتباره الأسلوب الأفضل لضمان معالجة شاملة وعقلانية لمختلف الانشغالات والتطلعات، وتحقيق طموحنا الجماعي لبلوغ أعلى مستويات التنمية والازدهار، وقد أضحت مشاركة التنظيمات النقابية في الحوار الاجتماعي، على جميع المستويات مكسبا ديمقراطيا وسندا أساسيا، لدعم النمو والاستقرار الاجتماعي.
ومن أجل تعزيز هذه الحركية ومنحها الإطار الملائم لمرافقتها، تم إجراء إصلاح عميق للقانون المتعلق بممارسة الحق النقابي، على ضوء المكاسب التي كرسها دستور 2020 في مجال تعزيز الحريات الأساسية، حيث سمح القانون الجديد بتعزيز ضمانات ممارسة الحق النقابي واستحداث العديد من التدابير والآليات الرامية لضمان استقلالية النقابات وحيادها، وحمايتها من التجاذبات السياسوية والحزبية.
وبهذه المناسبة ونحن نحتفي بهذه الذكرى، لا يسعنا إلا أن نتوجه بخالص التحية وبالغ التقدير الى كل العاملات والعمال في شتى الوظائف والمهن، الذين يتفانون في أداء عملهم بكل إخلاص، في كل القطاعات وأن نهيب بكل القوى العمالية الحية ودعوتها لمواصلة الالتفاف الجماعي، حول المسار الإصلاحي لبناء الجزائر الجديدة والمساهمة بإيجابية في استكمال الورشات التي بادرنا بإطلاقها، في سبيل تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيز جهود التنمية وتحقيق الرفاه الاجتماعي للمواطن وتعزيز المكتسبات المحققة.
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل
نستذكر معا بكل فخر وشرف، تلك اللحظات الحاسمة لبسط السيادة على ثرواتنا الوطنية عقب الإعلان في 24 فيفري1971 على القرار التاريخي، القاضي بتأميم المحروقات، متوجها بتحية إكبار إلى أولئك الرجال على مختلف المستويات من المهندسين والتقنيين الذين التزموا، على قلة عددهم، برفع التحدي وكسب رهان ضمان استمرارية العمليات المتعلقة، بإنتاج المحروقات وتسويقها، بل تمكنوا خلال سنوات قليلة بكل اقتدار وكفاءة عالية من فرض وجودهم على الساحة الاقتصادية الوطنية والدولية ورفع الجزائر إلى مرتبة الريادة في مجال المحروقات.
وتجسيدا لالتزامنا (الالتزام رقم 21) بتشجيع إنتاج الطاقة وتصديرها، عبر تكثيف جهود إنتاج الطاقات الأحفورية تم إنجاز أكثر من 140 بئرا استكشافيا وتطويريا، مكّن من تحقيق أكثر من 25 اكتشافا.
هذا ومن محاسن الصدف، أن نلتقي اليوم هنا في تيميمون، العاصمة التاريخية لقورارة، التي تحتل مكانة هامة، ضمن الاستراتيجية الشاملة المشار إليها لا سيما فيما يتعلق بتعزيز المنبع النفطي لإنتاج الغاز الطبيعي، من خلال احتضانها ثلاثة مشاريع غازية هامة، في الجنوب الغربي للبلاد المتمثلة، في تطوير حقول حاسي باحمو وحاسي تيجران وتينركوك، بطاقة إنتاجية تقدر بـ 14 مليون م3 في اليوم.
وستواصل الجزائر جهودها لزيادة قدراتها الإنتاجية، من المحروقات من خلال خطة استثمارية طموحة، ستسمح بزيادة الإنتاج الأولي للمحروقات في الجزائر بنسبة 2٪ سنوياً خلال الفترة الممتدة من عام 2023 إلى عام 2027، لتصل إلى حوالي 209 مليون طن مكافئ بحلول عام 2027.
كما سنواصل في الاستثمار، في اكتشاف حقول جديدة وتحسين إنتاج الحقول القائمة، فضلا عن تكثيف الجهود لتسريع وتيرة تنفيذ برنامج تثمين المحروقات، الذي يهدف إلى إضفاء ديناميكية جديدة في مجال البتروكيمياء.
بالموازاة مع ذلك، وضمن نفس التوجه لضمان الاستغلال الأمثل للثروات الوطنية، أطلقنا برنامجا ضخما لتثمين وتطوير القدرات المنجمية لبلادنا، من خلال المشاريع الثلاثة المهيكلة لهذا القطاع، المتمثلة في استغلال منجم غارا جبيلات للحديد، والمشروع المدمج للفوسفات ببلاد الهدبة، ومشروع الزنك والرصاص بواد أميزور، والتي، فضلا عن مساهمتها في تنويع الاقتصاد الوطني، ستشكل قاطرة لتحريك التنمية، في المناطق التي تحتضنها عبر خلق مناصب الشغل وتطوير البنية التحتية على غرار شبكة السكك الحديدية.
ونتطلع بثقة إلى تعزيز الديناميكية، التي يعرفها هذا القطاع، من خلال مراجعة القانون المنجمي، خلال الفترة القادمة لتكييفه مع المستجدات التي يشهدها هذا النشاط وزيادة جاذبيته للمستثمرين، مع المحافظة على المصالح الوطنية.
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل
لقد التزمت الجزائر برفع تحديات التنمية المستدامة، من خلال وضع استراتيجية طاقوية جديدة، تقوم على رؤية لتطوير اقتصادها على المدى المتوسط والطويل، وترافق مسار تحقيق انتقال طاقوي ناجح، عبر إطلاق مشاريع جديدة في مجال الطاقات المتجددة، والتموقع كفاعل أساسي في إنتاج الكهرباء، بالاعتماد على الطاقة الشمسية وإدماج الهيدروجين فضلا عن الجهد المبذول لتعزيز المحافظة على الأنظمة البيئية الطبيعية، ودعم إعادة التشجير وحماية التنوع البيولوجي والحفاظ على مواردها الطبيعية، من أجل مستقبل مستدام.
إن هذا الاتجاه يسلط الضوء على القدرة الكامنة للغاز للمساهمة، بشكل إيجابي في الانتقال الطاقوي، ذلك أنه يعتبر بمثابة الوقود المفضل، لتلبية الطلب الطاقوي المتزايد مع التقليل في نفس الوقت من التلوث الجوي والحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فضلا عن كونه متاحا وذا تكلفة معقولة ومن أكثر أنواع الوقود الأحفوري نظافة.
في هذا السياق، نتطلع بثقة إلى التئام القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، التي ستستضيفها الجزائر في الفترة من 29 فبراير إلى 2 مارس القادم، من أجل تعميق الحوار حول مكانة الغاز، في مسار الانتقال الطاقوي وسبل تعزيز التعاون والشراكة، لتطوير استغلال هذا المورد على الوجه الأمثل.
ختاما أحيي كافة إطارات وعمال قطاع الطاقة والمناجم، مثمنا عاليا الجهود الدؤوبة، التي ما انفك يبذلها مجمع سوناطراك ومجمع سونلغاز في الاضطلاع، بمهامهم الحيوية وتبوء المكانة المرموقة في ظل التحولات الطاقوية المتسارعة التي يشهدها العالم.