ثمن اللواء عبد العزيز مجاهد، المدير العام للمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة، الاجتماعات والمؤتمرات التي احتضنتها الجزائر خلال الأسبوع الأخير، والتي كانت حافلة بالمواعيد الإفريقية، واعتبرها مؤشراً قوياً على عودة الجزائر إلى نهجها الطبيعي القائم على الوفاء والالتزام بفكر الآباء القدماء منذ فجر التاريخ، الذين رفعوا مبكراً شعار "إفريقيا للأفارقة".
وقال مجاهد خلال مشاركته، هذا الاثنين، ضمن برنامج "فوروم الأولى" للإذاعة الجزائرية، إن زيارة سيريل رامافوزا، رئيس جنوب إفريقيا، إلى الجزائر، وانعقاد ندوة مجلس السلم والأمن في إفريقيا بوهران، تجسدان إرادة الجزائر في المضي قدماً في تبني خيار التعاون والتضامن بين الدول الإفريقية والعمل على تذليل الصعاب التي تواجه القارة في مجالات التنمية ومعالجة مختلف الأزمات عبر تغليب لغة الحوار والتشاور في إطار مؤسساتي وبعيداً عن التدخلات الأجنبية.
وأضاف قائلاً: "تمسك الجزائر بحتمية التضامن والتعاون بين الأفارقة تجلى بوضوح خلال مسارها الطويل نحو التحرر من هيمنة الاستعمار الفرنسي، وبرز من خلال أول مبادرة لتنظيم مؤتمر عمالي في 7 ديسمبر 1924 بالعاصمة الفرنسية باريس، تضامناً مع ثورة الأمير عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي."
وتابع قائلاً: "لم تتوقف المبادرات. مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945، وجه عمار عيماش، وهو من الشخصيات البارزة في حزب 'نجم شمال إفريقيا' ورئيس تحرير جريدة 'الأمة'، نداءً للنخب الوطنية للتذكير بدورها والتزامها حيال القارة الإفريقية. وتلا ذلك إشادة الزعيم الغاني كوامي نكروما، وهو من المناضلين الأفارقة الأوائل ضد الاستعمار، الذي وصف الجزائر بأنها مكة الثوار وعاصمة الأحرار."
وأردف قائلاً: "استمرت الدعوة إلى فكرة الوحدة الإفريقية، وقادها أيضاً كل من باتريس لومومبا وفرانتس فانون، إلى أن تجسدت بميلاد منظمة الوحدة الإفريقية في 15 مايو 1963، وصولاً إلى 'إعلان سرت' في 9 سبتمبر 1999 المتضمن تأسيس الاتحاد الإفريقي الحالي."
واسترسل قائلاً: "نداء الرئيس الراحل هواري بومدين قبل خمسين سنة من أجل نظام دولي جديد أكثر عدالة، خاصة لشعوب القارة الإفريقية، تجلى أيضاً من خلال نشاط الجزائر الدؤوب ضمن حركة دول عدم الانحياز، والاتحاد الإفريقي، وبقية المحافل الدولية، ومواقفها الداعية إلى ضرورة إقامة نظام دولي جديد أكثر عدلاً وتوازناً بما يراعي مصالح دول الجنوب."
وانطلاقاً من هذا الرصيد التاريخي المشترك، أكد المدير العام للمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة قائلاً: "إفريقيا بحاجة إلى التضامن والتعرف أكثر بين دولها لإسماع كلمتها والتأثير في قضايا العالم، في وقت تشير فيه الدراسات إلى أن القارة تتجه لتكون الأكثر من حيث عدد السكان بحلول عام 2050، نظراً للثروات التي تزخر بها، والتي هي محل أطماع الاستعمار القديم."
مخرجات اللقاءات الإفريقية بالجزائر لا يمكن النظر إليها بمعزل عن المتغيرات الدولية
من جانبه، رأى الدكتور محمد الشريف ضروي، خبير في التخطيط الاستراتيجي، أن الضبط الحقيقي لمخرجات اللقاءات الإفريقية الأخيرة التي جرت في الجزائر لا يمكن النظر إليها بمعزل عن المتغيرات الدولية، خاصة ونحن نتحدث عن السلم والأمن.
وقال ضروي: "إن ما يُعرف اليوم بمسار وهران للسلم والأمن داخل الاتحاد الإفريقي يمكن ربطه بدراسة أنجزت سنة 2022 من قبل معهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية، وكذلك التوافق الذي تم بين مجمل المعاهد الغربية على تصنيف سنة 2024 كسنة 'الاقتراع والرصاص' في شتى أنحاء العالم."
وأوضح قائلاً: "لا يوجد مسار يخالف هذه التوقعات. الدليل أن العالم شهد 74 انتخابات رئاسية في ثلث دول المعمورة، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها حدثاً دولياً بارزاً، وكذلك الانتخابات الرئاسية في الجزائر التي تعتبر فاعلة ومؤثرة في محيطها الإقليمي."
وعن سنة الرصاص، أشار الدكتور ضروي إلى أن خبراء المعاهد الغربية توقعوا حدوث أزمات عدة، منها "اشتعال الحرب في أوكرانيا بين الأوكران والروس، واندلاع أزمة الشرق الأوسط، ومنها ما يحدث من حرب إبادة في فلسطين المحتلة. لذلك بدا المشهد وكأن كل شيء كان منظماً ومخططاً، وهو أقرب إلى عملية ضبط معلوماتي وبرنامج عمل لمدة ثلاث سنوات تم تجسيده على أرض الواقع."
وأضاف الدكتور ضروي: "من المهم جداً ربط ما يجري بندوة السلم والأمن في وهران، لأن الجزائر عندما تتحدث عن الأزمات في العالم والاقتراع -أي بين الممارسة الديمقراطية والأزمات بمختلف أشكالها، سواء كانت حروباً أو أزمات أمنية أو انقلابات داخل القارة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وعددها 11 انقلاباً- تتبنى الوسطية وتعمل بلا كلل على الدفع بلغة الحوار، وهو ملف رئيسي للدبلوماسية الجزائرية في ممارساتها المؤسساتية في مختلف المحافل الدولية، سواء من خلال هيئة الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، جل الندوات والمؤتمرات الدولية، أو في علاقاتها الثنائية ومتعددة الأطراف."