الآثار الجزائرية المنهوبة في فرنسا.. مأساة أخلاقية تكشف جرائم المستعمر

الآثار الجزائرية المنهوبة في فرنسا
06/02/2025 - 17:44

رغم مرور عقود على نيل الجزائر استقلالها، لم ينسَ الجزائريون المأساة الأخلاقية التي خلَّفها الاستعمار الفرنسي، الذي سعى بكل الوسائل إلى طمس الهوية الجزائرية عبر نهب الكنوز الأثرية، التي لا تزال حتى اليوم موجودة في المتاحف بفرنسا.

ظل السجل التاريخي للاستعمار الفرنسي في الجزائر مثيرًا للاشمئزاز، حيث استغلَّ كل الوسائل غير المشروعة لسرقة الآثار ونقلها إلى الضفة الأخرى بهدف التستر على جرائمه الشنيعة. دفع هذا الواقع السلطات الجزائرية إلى العمل وفق استراتيجية مدروسة لاسترجاع الأرشيف الوطني المتواجد بفرنسا وتوثيق تفاصيل الثورة التحريرية المجيدة.

تراث مادي ومعنوي مسروق

خلال فترة احتلال الجزائر، سعى الاستعمار الفرنسي إلى السطو على كل ما له علاقة بتاريخ البلاد، من أسلحة وعتاد وألبسة وكتابات ومخطوطات. وقد أحصت الجزائر مليوني وثيقة و2000 مدفع جزائري، لا يزال بعضها معروضًا في المتحف العسكري بباريس.

وأكد الأستاذ في التاريخ أحمد مريوش، في تصريح خص به "ملتيميديا الإذاعة الجزائرية"، أن الآثار الجزائرية المنهوبة تتنوع بين ما هو مادي وغير مادي، حيث عمل الاستعمار على تفريغ الجزائر من مصادرها التاريخية خلال الفترة القديمة والفترة العثمانية، كما نهب كل ما له علاقة بالتراث المعنوي الذي يُنقل من جيل إلى جيل.

الأستاذ في التاريخ أحمد مريوش

 

 

 

 

مدفع "بابا مرزوق": قطعة أثرية تحاكي التاريخ

يُعتبر مدفع "بابا مرزوق" أحد الرموز الأثرية النادرة التي طالتها أيادي الاستعمار، حيث استولت عليه السلطات الفرنسية وسرقته في 17 يوليو 1830، ولم يُرجع حتى اللحظة.

يقع المدفع حاليًا في ميناء "بريست" بفرنسا، ويُعد من أقدم المدافع الجزائرية إبان العهد العثماني (1815-1830). ارتبط المدفع بتاريخ النضالات البحرية للجزائريين خلال القرنين السادس عشر والتاسع عشر الميلاديين. يبلغ طوله سبعة أمتار ويزن 12 طنًا، وهو مصنوع بالكامل من البرونز، ويصل مداه إلى خمسة كيلومترات، فيما تزن قذائفه 80 كيلوغرامًا.

تعود صناعة هذه القطعة الفريدة إلى عام 1542 في دار النحاس بالقرب من القصبة السفلى. وقد ذكَّر المدفع الفرنسيين بخيباتهم الحربية، حيث استطاع في عام 1671 مواجهة الأسطول الفرنسي بقيادة الأميرال دوكان، الذي حاصر الجزائر ولم يستطع الاقتراب من سواحلها بسبب المدفع، ما أجبره على الانسحاب.

جهود حكومية تُكلل بالنجاح

لعقود من الزمن، بذلت الجزائر جهودًا مضنية لاسترجاع ما نهبته فرنسا من تراثها، حيث عملت على بلورة رؤية قانونية لتقوية ملف استعادة التراث التاريخي والثقافي من الخارج. وقد تكللت هذه المساعي، طبقًا لتعليمات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، باسترجاع جانب مهم من الأرشيف، بما في ذلك 22 علبة من الوثائق الدبلوماسية للفترة الممتدة من 1954 إلى 1962، و600 وثيقة تاريخية تعود للفترة العثمانية.

إضافة إلى ذلك، تم استرجاع مخطوطة نادرة ذات قيمة كبيرة استولت عليها إدارة الاحتلال الفرنسي عام 1842 بعد الهجوم على الأمير عبد القادر في جبال الونشريس. كما تم استرجاع قطعة أثرية تاريخية ثمينة تتمثل في سيف الأمير عبد القادر، الذي كان مبرمجًا للبيع في مزاد علني بباريس. وقد تم اقتناؤه يوم 8 أكتوبر 2023 من قِبل مصالح السفارة الجزائرية بباريس بعد عملية تنسيق محكمة مع وزارة الثقافة والفنون، التي تمكنت من كشف عملية البيع من خلال خلية يقظة أُنشئت لتقصي واسترجاع الممتلكات الثقافية الوطنية بالخارج.

بالمقابل، نجحت الجزائر في عام 2020 في استرجاع رفات 24 مقاومًا جزائريًا ضد الاحتلال الفرنسي، تم إعدامهم وإرسال جماجمهم إلى فرنسا.

في هذا السياق، ثمَّن الأستاذ أحمد مريوش المساعي الحكومية لاسترجاع الآثار المنهوبة، مشيرًا إلى أن مطالبة الجزائر بحقوقها يجب أن تتم وفق سياسة "الند بالند"، كما أكد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، خصوصًا وأن العلاقات الجزائرية-الفرنسية قائمة على مجموعة من الاتفاقيات.

الأستاذ في التاريخ أحمد مريوش

 

 

 

وشدد ذات المتحدث، على ضرورة استغلال تعنت ورفض المستعمر للاعتراف بما اقترفه خلال فترة احتلاله للجزائر كورقة رابحة للضغط واسترجاع كل الممتلكات المنهوبة.

المصدر: ملتيميديا الإذاعة الجزائرية – عمار حمادي

تحميل تطبيق الاذاعة الجزائرية
ios