أشاد الأستاذ عبد الرحمان هادف، المستشار في التنمية الاقتصادية، بنجاح الحكومة في تهيئة الظروف المناسبة لضمان دخول اجتماعي هادئ وسلس عبر مختلف القطاعات المعنية، لا سيما قطاعي التربية والتعليم العالي، سواء من الناحية البيداغوجية أو من حيث الخدمات. وأوضح أن هذا النجاح يعكس وجود إرادة حقيقية لترجمة التوجيهات الاستراتيجية إلى سياسات قطاعية قائمة على النتائج لا على التصريحات.
وأكد هادف، في تصريحاته الأحد ضمن برنامج "ضيف الصباح" على القناة الأولى للإذاعة الجزائرية، على أهمية تعزيز الحوار الاجتماعي وتفعيل الشراكة مع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، مع التركيز على مشاريع استراتيجية تتماشى مع حاجيات البلاد والمواطن في هذه المرحلة الجديدة.
المواطن محور السياسات العمومية
واعتبر الخبير أن الرسالة السياسية التي وجّهها رئيس الجمهورية واضحة للحكومة الجديدة بقيادة الوزير الأول سيفي غريب، وتتمثل في جعل المواطن في صلب السياسات الحكومية. وقد تُرجمت هذه الرسالة ميدانياً بزيارة الوزير الأول إلى ولاية جيجل بالتزامن مع الدخول الاجتماعي، حيث أشرف على تدشين ووضع حيز الاستغلال لمركب سحق البذور الزيتية وإنتاج الأعلاف.
وأشار هادف إلى أن هذه الزيارة تمثل مؤشراً قوياً على أولوية الجبهة الاجتماعية، من خلال الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، وخلق مناصب شغل عبر إعادة بعث المصانع المتوقفة، وتعزيز الأمن الغذائي. كما أبرز أن هذه المنطقة، التي لم تكن معروفة بطابعها الصناعي، مرشحة للتحول إلى قطب اقتصادي وتجاري ذي بعد إقليمي، بما يسمح ببروز نهضة صناعية متكاملة.
وأضاف: "جيجل تضم أيضاً مركب الحديد والصلب بلارة بالشراكة مع قطر، كما أن أشغال إنجاز الشطر الثاني من مشروع توسعة نهائي الحاويات بميناء جن جن ستساهم في خلق ديناميكية جديدة في مجال التجارة الخارجية وتسريع وتيرة الصادرات."
التوجه نحو اقتصاد قائم على النتائج
وأكد هادف أن الحكومة تُظهر نية عملية لتحقيق هذا التوجه من خلال تبني مقاربة مبنية على النتائج، لا على الخطاب السياسي فقط، مع وجود رؤية مستقبلية واضحة لتحسين القدرة الشرائية وتعزيز الأمن الغذائي.
التحديات الهيكلية
وأشار إلى أن أبرز التحديات التي تواجه الحكومة حالياً تتمثل في محاربة التراخي الإداري، تحسين صورة الجزائر لدى المستثمرين الأجانب، تطوير مناخ الأعمال، رفع جودة الحياة، خلق مناصب شغل وحماية القدرة الشرائية، مع التشديد على أهمية التنافسية ورفع الإنتاجية كشرطين لتحديث الاقتصاد الوطني.
الحوكمة الذكية ورهانات الصناعة
وأوضح هادف أن التحول نحو الحوكمة الذكية يمثل رهاناً محورياً في رفع أداء الاقتصاد الوطني وتحقيق هدف الانضمام إلى نادي الدول الناشئة. وذكّر بأن القطاع الصناعي لا يساهم سوى بنسبة 5٪ من الناتج الداخلي الخام، في حين يطمح الرئيس إلى رفعها إلى 10٪، ما يتطلب تغييرات هيكلية حقيقية.
وفي هذا الإطار، دعا إلى الإسراع في معالجة ملف العقار الصناعي، معتبراً أن نموذج المناطق الصناعية الخاصة قد يشكل حلاً ناجعاً، كما حدث في الصين، حيث ساهمت هذه المناطق في التحول إلى قوة صناعية عالمية.
مؤشرات إيجابية وفرص مواتية
وأكد ضيف الإذاعة أن التحكم في تسيير المالية العمومية وتفعيل أحكام قانون النقد والصرف يمثلان أساساً للاستقرار الاقتصادي المستدام. كما أشار إلى وجود مؤشرات إيجابية محفزة يمكن البناء عليها، منها:
-
استمرار نمو الناتج الداخلي بنسبة تقارب 4٪.
-
تراجع ملحوظ في معدل التضخم.
-
توفر أريحية مالية على مستوى الخزينة.
-
تحسن مناخ الاستثمار بدليل تسجيل 15 ألف مشروع جديد.
وأوضح أن هذه المؤشرات يجب استثمارها لرفع وتيرة العمل وتحسين بقية الجوانب، خصوصاً في مجالات الاقتصاد الرقمي، الفلاحة الذكية، والتجارة الإلكترونية، التي تمثل اليوم نسبة هامة من اقتصادات العديد من الدول.
كسر البيروقراطية وتفعيل منطق المنصات
وانتقد هادف ما وصفه بـ"نموذج الأبراج الإدارية"، داعياً إلى تبني نموذج المنصات في التسيير الحكومي بما يضمن تنسيقاً فعالاً بين القطاعات وتحقيق النجاعة. كما شدد على أهمية التنسيق بين الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار والقطاعات الوزارية الأخرى لضمان فعالية السياسات الاقتصادية، خاصة في ما يتعلق بتجسيد المشاريع الاستثمارية.
وختم بالتأكيد على أن توجيه الاستثمارات نحو الصناعة، الطاقات المتجددة والاقتصاد الرقمي يمثل أولوية لخلق قيمة مضافة وتقليل التبعية للمحروقات، مشيراً إلى أن الاقتصاد الرقمي أصبح حتمية عالمية ويجب رفع مساهمته في الناتج الداخلي الخام إلى ما بين 5 و10٪.