قبل 78 سنة خرج للوجود رائد شباب القبة لكرة القدم, ليزين سماء الجزائر "المحروسة بالله" بناد مسلم جديد يهدف لرفع صوت الجزائر النضالية عاليا وهي التي أشعلت فتيل ثورتها التحريرية بعد عشر سنوات من ذلك ويدعم صفوف الأندية المسلمة للرابطات الثلاثة لكرة القدم التي أسستها السلطات الرياضية الاستعمارية: جمعية الرابطة العاصمية لكرة القدم وجمعية الرابطة الوهرانية وجمعية رابطة قسنطينة.
واستلهم رائد القبة ألوان قمصيه 'الأخضر والأبيض' من القبة البارزة (أصل تسمية مدينة القبة) التي كانت تعلو المسجد الذي بناه العثمانيون سنة 1545, حيث كانت تظهر من قبالة خليج البحر كعلامة يهتدي بها البحارة, لعلو مكان تشييده (127 متر من سطح البحر).
رائد القبة, الذي يبقى أحد أعرق الفرق الجزائرية التي سعت دوما من أجل البقاء في الواجهة, يعاني منذ انطلاق الموسم الحالي من سوء النتائج في بطولة الرابطة الثانية (مجموعة وسط-غرب) والتي رمت به إلى المركز ما قبل الأخير (الـ15, 15 نقطة) ليصبح مهددا بشدة للسقوط نحو درجة أدنى قبل 11 جولة من إسدال الستار عن المنافسة. وذلك بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الصعود إلى الرابطة المحترفة الأولى خلال الموسم الماضي.
وبرؤية فريقهم في هذا الترتيب المقلق, يتوجس محبي النادي تكرار "مأساة" 2012 حينما سقط فريقهم إلى القسم الثالث في سابقة خطيرة في تاريخ النادي العاصمي (عاد للقسم الثاني بعد 5 مواسم), ليتواصل بذلك مسلسل الشتات الذي طالت حلقاته و زادت من حدته ويلات الأقسام الدنيا.
وفي جلسة حميمية بمقهى "البرتقال" العتيق بحي "لابروفال", قال الحاج سمير باق (72 سنة) الذي كان يرتدي لباسا تقليديا (عباءة وشاشية مكاوية) بمرارة: "للأسف فريقنا الغالي يتخبط حاليا في أرذل ترتيب الرابطة الثانية وتعرض للخسارة السابعة تواليا وهو رقم قياسي سلبي لم يقع فيه فريقنا سابقا. يبدو أن مقصلة السقوط ليست ببعيدة".
وتذكر الحاج باق و علامات الحسرة بادية على محياه : "أتمنى أن تعود الأيام الزاهية لرائد القبة الذي أعشقه منذ نعومة أظافري باعتباري ابن الحي بالإضافة إلى كون والدي الشهيد محمد باق (1925-1957) مسيرا في النادي قبل انسحاب الفرق الجزائرية بأمر من قيادة جبهة التحرير الوطني عام 1956".
وتمتع الرائد بمكانة مرموقة في الساحة الكروية الوطنية لاسيما بفضل أبنائه الذين دافعوا عن ألوانه طوال مشوارهم, ناهيك عن ذَودِهم على الراية الوطنية مع مختلف المنتخبات الوطنية, من بينهم اللاعب المتألق للجيل الذهبي للرائد, صالح عصاد.
ففي تصريح لوأج تحدث عصاد عن سوء نتائج الرائد حاليا : "هي نتيجة حتمية للااستقرار الذي يعيشه النادي منذ سنوات طويلة". قبل أن يضيف بنبرة حزينة: "هذا فريقي, أنا مريض بخصوص وضعيته الحالية, لأنني قضيت فيه كامل مشواري الرياضي وحالته تحز كثيرا في نفسي".
نشأة فريق ذو تقاليد وقيم رياضية
تأسس رائد القبة مع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية (بداية الفكرة عام 1942) بحي "وادي كنيس" بالقبة يوم 28 فبراير 1945, تحت تسمية -رياضة نادي القبة- حيث تضمن فرعين (كرة القدم و الملاكمة) بمبادرة من شخصيات قباوية مرموقة آنذاك, يتقدمها أول رئيس, مصطفى بن ونيش, الرئيس الشرفي مدى الحياة (ثاني رئيس للاتحاد الجزائر لكرة القدم, 1962-1969) والشهيد محمد بن حداد الذي يحمل الملعب البلدي للقبة اسمه, إثر توصيات من حزب الشعب (1937-1946), ضمن سياق سياسي-ثوري دعما للقضية الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي.
وغداة استقلال الجزائر, صعد رائد القبة في موسمه الرابع, إلى بطولة الجزائر للقسم الأول 1965-1966, بفضل فريق ضم لاعبين على شاكلة 'الساحر' بوعلام عميروش, الذي ساهم في الصعود بتسجيله لـ40 هدفا. ليتحلق به قائد وأسطورة فريق جبهة التحرير الوطني, المدافع مصطفى زيتوني, وهي التشكيلة التي نشطت نهائي كأس الجزائر-1966 ضد شباب بلوزداد (خسارة 1-3).
وعلى عكس الفرق الأخرى, بادر الرائد عام 1964 بفضل الرئيس بن ونيش والمدرب مصطفى الكمال, في بعث أول مدرسة كروية أدرّت اللاعبين الكبار للكرة الجزائرية, مانحة أكثر من 120 لاعبا دوليا لمختلف الفرق الوطنية, منها من بزغ نجمه إفريقيا وحتى عالميا, من بينهم المبدع صالح عصاد, صاحب مراوغة "الغُرّاف" الشهيرة.
و قال عصاد (64 سنة) : "وقعت أول إجازة رسمية موسم 1973-1974, وخضت أول مقابلة مع الأكابر ضد مولودية الجزائر عام 76 بدعم من الأسطورة بوعلام عميروش الذي كان قدوتي وكنت أطمح لبلوغ مكانته باعتباره لاعبا دوليا ذو مهارة عالية".
وأوضح : "فريقنا كان خزانا حقيقيا للمنتخبات الوطنية لجميع الفئات الشبانية والأكابر وحتى المنتخب العسكري بفضل المسيرين والمدربين الجيدين الذين كانوا يشرفون على النادي وهو ما ميز به الرائد في تلك الحقبة".
و بداية من سنة 1974 تمكن الرائد بفضل جيل جديد, أغلبهم من أحياء القبة والمتكونين في مدرسة الفريق, من صناعة عهد جديد بفريق اشتهر بقيم احترام المنافس واللعب الجميل. فأنهى الفريق موسم74-75 لبطولة الجزائر في مركز الوصافة, بفارق نقطة واحدة على مولودية الجزائر المتوجة باللقب. ويرجع الفضل في ذلك لكل اللاعبين وخاصة الدوليين: عبد العزيز صفصافي ومختار كاوة و حسين بومعراف وحارس المرمى إلياس تلجة, -المتوجين مع المنتخب الوطني بالميدالية الذهبية للألعاب المتوسطية-75 بالجزائر-, تحت جناح المهاجم الدولي بوعلام عميروش.
وفي موسم 1980-81, تمكن الرائد من التتويج بأول بطولة وطنية له وكذا بأول طبعة لكأس السوبر, بفضل هذه التشكيلة التي التحق بها لاعبون صاعدون, على غرار محمد قاسي سعيد, محمد شعيب, رشيد صبار, يوسف قابول وآخرون, الذين اكتسبوا الخبرة الكافية لمنح للرائد اللقبين الوحيدين في تاريخه, بالإضافة إلى بلوغ ربع نهائي كأس إفريقيا للأندية البطلة-82.
وفي هذا الصدد, قال صالح عصاد (أحسن جناح أيسر في مونديال-1982): " جيلنا نجح في ترسيخ ثقافة لعب الأدوار الأولى بعدما كان النادي يركز على تكوين اللاعبين بدرجة أكبر. بينما نحن كنا نطمح لاعتلاء عرش الكرة الوطنية وهو الهدف الذي تحقق عام 1981 بنيل البطولة الوطنية ضد فرق قوية. وهو أحسن ذكرى لي في مشواري مع الرائد و مهدنا الطريق للشبان الذين أتوا بعهدنا للذهاب بعيدا".
ومنذ موسم 2008-2009 لم يواصل الفريق على عهد السلف وتعرض لعدة ضربات موجعة, جعلته يتأرجح بين القسمين الثاني والثالث, غير أن الأمل يبقى قائما الأمل في إحياء أمجاد الماضي واردا على حد تعبير محبي الفريق القباوي في المواسم المقبلة.
وذلك عبر العودة إلى قسم النخبة لجلب المزيد من الاهتمام الإعلامي وفرص التمويل في سبيل وضع استراتيجية ترتكز على التكوين و إعطاء الفرص للشبان لإبراز مواهبهم ورفع مستوى الفريق من ناحية التسيير للانطلاق مجددا على أسس متينة.