الإذاعة السرية.. صوت الجزائر المكافحة في العالم!

الإذاعة-السرية
14/12/2021 - 10:45

 "هنا إذاعة الجزائر حرة مكافحة.. صوت جيش التحرير و جبهة التحرير الوطني يخاطبكم من قلب الجزائر " بهذه العبارة بدأت الإذاعة السرية الجزائرية بثها في 16 ديسمبر   1956 لتبدأ الثورة الجزائرية ، وهي تعيش عنفوانها الأكبر ، تحديا آخر للاستعمار الفرنسي.

بحلول 16 ديسمبر 2021 تكون مرت خمس وستون سنة على تأسيس الاذاعة السرية التي ولدت من رحم الثورة الجزائرية بأمر من قيادة الثورة، وعلى رأسهم المجاهد الراحل عبد الحفيظ بوصوف ، الذي كان حينها قائدا للولاية الخامسة ، لتكون منبرا يوصل صوت الجزائر المكافحة إلى كل أرجاء أرجاء العالم وإبراز حق الشعب الجزائري في نيل حريته واستقلاله.

يقول المجاهد و الوزير الاسبق ، دحو ولد قابلية، إن " إنشاء الإذاعة السرية إبان حرب التحرير الوطني فتح أمام جبهة التحرير الوطني مجالا واسعا للتحرك ".

وأوضح ولد قابلية ، خلال لقاء حول "الاشارة إبان حرب التحرير الوطني" انتظم   يوم  26 أكتوير 2021 ، بمناسبة الذكرى الـ 59 لاستعادة السيادة الوطنية على مؤسسة الإذاعة و التلفزيون الجزائري،  أن "عبد الحفيظ بوصوف كان قد فكر في إنشاء إذاعة سرية لامتلاك مجال أكبر للتحرك إذ كانت هناك خطوط حمراء لا ينبغي تخطيها عبر إذاعات الدول العربية الأمر الذي حد من وقع الإعلام و الدعاية لصالح الكفاح المسلح للشعب الجزائري ".

و اشار إلى أن " إذاعة جبهة التحرير الوطني سمحت لنا بالكلام بكل حرية إذ كنا نقول ما نريد و ما كان يمكن لأي كان إيقافنا، هذا فضلا عن اهتمام العديد من الصحفيين و المحللين السياسيين الأجانب بالخبر الذي تبثه هذه الإذاعة ".

شاحنة صغيرة .. وإذاعة بمهام أكبر !

وفقا لشهادات الذين عايشوا الحدث ، فإن ظهور الإذاعة السرية كان على متن شاحنة صغيرة متحركة بهدف إبعاد أعين مخابرات الاستعمار والمتعاونين معها وحتى تصعب مهمة رصدها، مع توقيت بثّ لا يتجاوز ساعتين (من الساعة الثامنة مساء إلى العاشرة) ولم يلبث صوت الجزائر المكافحة أن انطلق يدوي من الإذاعات العربية الشقيقة بصوت المرحوم عيسى مسعودي، لتفتح أغلب الإذاعات العربية برنامجا خاصا يدعم الثورة الجزائرية، مثلما فعل صوت العرب من القاهرة، والإذاعة الليبية من طرابلس وبنغازي، والكويت وبغداد وجدة ودمشق وغيرها.

ومنذ انطلاقتها ، دأبت على مخاطبة المستمعين بعبارة "هنا إذاعة الجزائر حرة مكافحة ...صوت جيش التحرير و جبهة التحرير الوطني يخاطبكم من قلب الجزائر" لترفع من حماسة المجاهدين والشعب الجزائري ككل. 

وبعد حصول قيادة الثورة على أجهزة اتصال أمريكية الصنع ، تم تعديلها لتستعمل في مجال البث الإذاعي كجهاز BC610 ، وتمكنت الإذاعة السرية من البث يوميا من خلال شاحنة متنقلة من نوع GMC  و لمدة ساعتين ابتداء من الثامنة مساء ، و كانت تستهل بثها بالنشيد الوطني "قسما"، الذي قام بتلحينه الملحن المصري محمد فوزي في 1957) متبوعا بأخبار عن كل ما يجري في الجزائر مع التركيز على أخبار المعارك و الخسائر التي كان يتكبدها العدو على يد الثوار المجاهدين.

 

كما استعان طاقمها ببعض الأغاني والأناشيد العربية مثل الأغنية المصرية  للفنانة اللبنانية نجاح سلام "يا طير يا طاير خذ البشاير روح للجزائر" لملء ساعتي البث.

عيسى

و من بين العاملين بالإذاعة السرية، برز الإذاعي المشهور عيسى مسعودي بشكل لافت بفضل فصاحة لسانه وصوته الحماسي الثوري الذي ألهم المجاهدين والشعب الجزائري ككل  حتى إن الرئيس الراحل هواري بومدين قال عنه "تحرير الجزائر نصفه لجيش التحرير والنصف الآخر لعيسى مسعودي ".

وقال عنه المجاهد والوزير الأسبق لمين بشيشي، إنّ عيسى مسعودي كان بمثابة الصوت الرمز والبارز في الثورة الجزائرية، نظرا لقوة حباله الصوتية التي تجاوزت أبعد حدود.

التحق عيسى مسعودي المولود في 1931 بوهران وتوفي في 1994) بصفوف الثورة سنة 1956 وأشرف على انطلاق برنامج صوت الجزائر العربية من الإذاعة التونسية، ثم انتقل إلى الإذاعة السرية فكان رئيس تحريرها وأشهر مذيعيها. وقد استغل  حماسه الثوري وصوته الجهوري ، ومن خلال برنامجه الذي كان يبث بإذاعة تونس، ثم إذاعات عربية أخرى بدء من سنة 1957، في إيصال صوت الثورة الجزائرية إلى أبعد نقاط العالم. وكان لحماسته الأثر البليغ في الرفع من معنويات مجاهدي جيش التحرير والشعب الجزائري.

وحسب المجاهد والفنان مصطفى تومي فقد شغل عيسى مسعودي مسؤولية القسم العربي الذي يضم أيضا مدني حواس، أما كمال داودي فكان مسؤولا عن القسم الأمازيغية ، في حين تولى هو (أي تومي) مسؤولية القسم الناطق بالدارجة الجزائرية والفرنسي.

وبالإضافة إلى عيسى مسعودي، فقد ضمت الاذاعة السرية طاقما من الأسماء التي آمنت بحلم الجزائر في امتلاك صوت إعلامي يدافع عنها ويسمع قضيتها، مثل: محمد السوفي – عبد المجيد مزيان – زهير احدادن – الهاشمي تجيني – رضي بن الشيخ الحسين – خالد سفير – مداني حواس – عبد القادر حساني – عبد العزيز شكيري – موسي سدار – علي قزاز – عمر تريحي – عبد الكريم حسيني..) وغيرهم من المجاهدين الإعلاميين والقادة العسكريين والعباقرة التقنيين بسلاح الإشارة وصناع القرارات الثورية والمؤسسين للإذاعة السرية (العربي بن مهيدي، عبد الحفيظ بوصوف، ومسعود زقار). وقد كان أول مدير لها المرحوم محمد السوفي (توفى في ديسمبر 2006 ) .

وتنوعت مضامين البرامج في الإذاعة السرية الذي أذيعت باللغة العربية والفرنسية والأمازيغية   بين البلاغات العسكرية و التعليق السياسي و الرد على الإدعاءات الاستعمارية بالإضافة إلى بث برامج تعبوية في إطار عمل إعلامي هدفه الأول تزويد الجزائريين بأخبار الثورة و تطورات الأوضاع في الداخل و الخارج .

ورغم المحاولات الفرنسية لملاحقة الإذاعة والتشويش على بثها ، إلا أن تقنييها  الشباب تمكنون من ابتكار عدة أساليب نجحت في الإفلات من المخططات الفرنسية.

وأوضح المجاهد مصطفى تومي أن تقنيي الإذاعة السرية الجزائرية نجحوا في ابتكار عدد من الأساليب لمواجهة التشويش الفرنسي مثل اختيار أمواج البث القصيرة لا الطويلة لأن هذه الأخيرة تتطلب طاقة كهربائية و أجهزة أكبر و هو ما لم تكن تمتلكه الإذاعة السرية ، وكذا تقريب موجات بثها من موجات فرنسا أو أي دولة لها علاقة طيبة معها، وبالتالي كانت كل عملية تشويش تقوم بها فرنسا تكون هي أول المتضررين وبعدها الدول الصديقة لها.

من جانبه أكد المجاهد الفنان مصطفى سحنون أن الإذاعة السرية شكلت دعما معنويا كبيرا للمجاهدين في الجبال من خلال الأخبار والبرامج التي كانت تحرصها على تقديمها بأصوات حماسية.

وقد انتظم عمل الإذاعة السرية ليكون منبرا إعلاميا يواكب مراحل الثورة الجزائرية ويعزز انتصاراتها وينشر مبادئها السامية حيث وجد فيها الفنان والمثقف الجزائري فيها، بالإضافة إلى دورها الإخباري، ملاذا خصبا للإبداع بالكلمة واللحن وشحذ همم الشعب الجزائري للإلتفاف حول ثورته وقضيته العادلة من خلال التعبئة والتوعية والتوجيه حتى تحقيق النصر.

وحسب المجاهد الفنان مصطفى سحنون فقد ساهمت الإذاعة السرية لاحقا بالتعريف بنشاطات الفرقة الفنية، التي تشكلت في 1958 بأمر من قيادة جبهة التحرير الوطني وضمت وجوها معروفة لاحقا مثل مصطفى كاتب والطاهر عميري وبوعلام رايس وسيد علي كويرات و آخرين، و كذا منتخب  جبهة التحرير الوطني لكرة القدم بهدف النضال والعمل على دعم الثورة الجزائرية والتعريف بالقضية الوطنية العادلة.

المصدر: موقع الإذاعة الجزائرية