يعد الإستثمار في الهيدروجين والتموقع بقوة لاستغلال هذه الثورة الخضراء الخيار الأفضل للدول العربية من أجل مستقبل خال من انبعاثات الكربون، فالمقومات التي تزخر بها المنطقة العربية تجعلها بطارية أوروبا لهذه الطاقة النظيفة التي لا تنضب وبأسعار تنافسية تجعل من الهيدروجين وقود العرب الأخضر بدلا من الذهب الأسود التي تؤكد تقارير عدة أنه ثروة آيلة للزوال.
مع التطور التكنولوجي وأهداف التنمية المستدامة ومكافحة التغيرات المناخية، أصبح من الضروري التوجه نحو الهيدروجين الأخضر كطاقة نظيفة وفعّالة في التخلص من انبعاثات الغازات الدافئة وغازات الاحتباس الحراري.
ويؤكد نورالدين ياسع نائب رئيس الفوج الأول للجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة للتغير المناخي لـ "ملتيميديا الاذاعة الجزائرية"، أن استخدام الطاقات المتجددة لوحدها لا يسمح بالوصول إلى الأهداف البعيدة المدى لاتفاقية المناخ للحد من انبعاثات الغازات الدافئة والحد من الاحترار على مستويات من 1.5 و2 درجة مائوية قبل نهاية 2100، ولهذا يُعوّل على الهيدروجين لإزالة الكربون خاصة في الصناعات الثقيلة كالحديد والكيميائيات التي تتطلب حرارة.
سوق النفط النظيف.. إمكانيات عربية هائلة وتحديات مشتركة
وحضّرت عدة دول عربية استراتيجيات للتموقع في هذا السوق الأخضر بقوة، منها السعودية التي أعلنت عن عدة مشاريع طموحة في هذا المجال وموريتانيا وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة.
ويؤكد مدير الهيدروجين والطاقات البديلة بمحافظة الطاقات المتجددة رابح سلامي لـ "ملتيميديا الاذاعة الجزائرية" أن هذه الدول تدرك جيدا أن التعاون فيما بينها يكتسي أهمية قصوى في التوجه نحو هذه الطاقة الخضراء، انطلاقا من عدة اعتبارات أهمها المصير المشترك وعدة مميزات خاصة تسمح لها بالريادة، فغالبية الدول العربية طوّرت إمكانيات كبيرة لتحلية مياه البحر.
الإشعاع الشمسي.. 3 ساعات إضافية بين شرق وغرب المنطقة العربية
ويبرز رابح سلامي أن شساعة مساحة الوطن العربي تسمح باستغلال آلاف الكيلومترات الممتدة من شرقه إلى غربه في عملية الربط الكهربائي للرفع من قدرات إنتاج الكهرباء المتجددة، فاستغلال عامل المسافة – يوضح سلامي- يعطي الفارق الزمني الكبير والمقدر بـ 3ساعات إضافية من الاشعاع الشمسي، حيث يمكن توزيعها عبر هذه الشبكة واستغلالها في إنتاج الهيدروجين الأخضر والاستغلالات الكلاسيكية للكهرباء.
قطب تعاون عربي-عربي وعربي- أجنبي..
وبصفته عضوا بالمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة الذي يعتبر الدرع الفني للجامعة العربية، يؤكد نورالدين ياسع أنه تم الشروع في إعداد استراتيجية عربية لتطوير الهيدروجين الأخضر وهي بصدد المناقشة، لتشكل خطوة هامة لتعزيز التعاون بين الدول العربية.
ويذكر ياسع أنه من ضمن الاقتراحات التي تضمنتها هذه الاستراتيجية، التشبيك أو التعاون بين مراكز البحث في الدول العربية في مجال الهيدروجين الأخضر مما يسمح بتبادل الخبرات والتجارب وتدريب المهارات وهو ما يمكنها خلال مشاركتها في مشاريع دولية أن تكون قطبا لتعاون عربي-عربي وعربي- أجنبي.
ويعتبر الخبير في الطاقات المتجددة أن المقومات التي تتمتع بها الدول العربية وقربها من الأسواق العالمية يؤهلها لتبوأ الريادة في مجال إنتاج وتصدير هذا الناقل الطاقوي النظيف، ما يسمح بإزالة الكربون ومكافحة التغيرات المناخية على المستوى العربي وعلى مستوى الدول الأجنبية.
تحلية مياه البحر.. 3 عصافير بحجر واحد
ويوضح الخبير الجزائري نورالدين ياسع أن تحلية مياه البحر باستعمال الطاقة المتجددة ورسكلة المياه وتنقيتها، ففضلا عن أنها حلول عملية لمواجهة الجفاف والحفاظ على الأمن المائي، فإنها تساهم أيضا في إنتاج الهيدروجين.
ويشير ياسع إلى أهمية التفكير أيضا في الأمن الغذائي للعرب حيث يمكن إنتاج الأمونيا الخضراء من الهيدروجين وهي الأسمدة الآزويتة والتي تعد أحد مشتقات هذه الطاقة النظيفة وهذا يدخل في إطار الاستراتيجية العربية.
كارتل عربي لتسويق وتصدير الهيدروجين؟
ويطرح نورالدين ياسع إمكانية تشكيل كارتل عربي لتصدير وتسويق الهيدروجين إقليميا وعالميا، في ظل الحديث عن مشروع شبكة عربية لنقل الكهرباء، فما الذي يمنع من إنشاء شبكة عربية لنقل الهيدرجين في المستقبل القريب؟
ويرى محافظ الطاقات المتجددة نور الدين ياسع أن الجزائر على غرار عدة دول إلى تسعى ولوج سوق الهيدروجين الأخضر خاصة وأنها تمتلك كل المقومات التي تجعلها دولة رائدة في هذا المجال، ففضلا عن كونها أكبر دولة عربية وافريقية وموقعها الاستراتيجي، تمتلك بنية تحتية ضخمة لإنتاج الغاز ونقله وتوزيعه وتخزينه، في وقت تؤكد فيه الدراسات أنه يمكن نقل الهيدروجين عبر أنابيب الغاز وبالتالي الاستثمار في هذا الناقل الطاقوي سيكون مربحا وبأقل تكلفة.
هل تصبح الجزائر بطارية أوروبا في الطاقة النظيفة؟
وفي هذا يؤكد رابح سلامي مدير الهيدروجين الأخضر والطاقات البديلة بمحافظة الطاقات المتجددة الجزائرية أن استراتيجية تطوير الهيدروجين بالبلاد تعتمد عدة مقومات أساسية، ولعل " الكومونات" الهائلة من الطاقات المتجددة خاصة الشمسية والهياكل القاعدية التي ستسمح لها بالانتقال بكل سهولة إلى الهيدروجين حيث يمكن استغلال الشبكة الهائلة من أنابيب نقل الغاز وتمييعه التي تمتد إلى غاية أوروبا عبر البحر المتوسط في نقل الهيدروجين مستقبلا إلى الأسواق الاوروبية.
ويتوقع المسؤول الجزائري أن احتياجات أوروبا من الهيدروجين الأخضر ستصل إلى حوالي 10 مليون طن في حدود 2030 والجزائر بحكم موقعها الجغرافي ستكون من أهم البلدان المصدرة لهذا الناقل الطاقوي للسوق الأوروبية وبتكلفة منخفضة".
25 مليار دولار استثمار الجزائر لإنتاج الهيدروجين
وصادق مجلس الوزراء الجزائري في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2022 على ورقة طريق لتطوير الهيدروجين النظيف، تتضمن قدرات إنتاج عالية باستثمارات تتراوح بين 20 إلى 25 مليار دولار بالشراكة مع متعاملين أجانب مثلما كشف عنه مدير الدراسات الاقتصادية والاستشراف بوزارة الطاقة والمناجم الجزائرية ميلود مجلد في تصريحات سابقة للإذاعة الجزائرية.
ويبرز مجلد أن الجزائر تتوفر على قدرات كبيرة في إنتاج الطاقات المتجددة بقرابة 2900 كيلوغرام ساعي في المتر المربع، يمكن استخدامها في إنتاج الكهرباء والهيدروجين والأمونيا وتطوير هذه الشعبة التي تقدم حلولا اضافية لتخزين طاقة مصدرها متجدد.
وقد أطلقت الجزائر بعض المشاريع النموذجية، حيث وقعت سوناطراك الجزائرية مذكرة تفاهم مع "في أن جي" الألمانية لتطوير مشاريع مشتركة في الهيدروجين والأمونيا الخضراء، إلى جانب إطلاق بعض المشاريع مع "إيني" الايطالية لبناء محطات الكهرباء ومحولات للهيدروجين.
وكشف المسؤول الجزائري عن مشروع أنبوب جديد قيد الدراسة على مستوى وزارة الطاقة وسوناطراك وسونلغاز لنقل الهيدروجين والغاز والأمونيا نحو أوروبا.
وتمتلك الجزائر شبكة توزيع الغاز الطبيعي للاستخدامات الداخلية بطول 130 ألف كيلومتر يتم توصيلها إلى 65 بالمائة من البيوت الجزائرية مثلما أكده رابح سلامي مبرزا انه يمكن استغلال هذه الشبكة في توصيل الهيدروجين الأخضر إلى الاستخدامات المنزلية.
20 سنة من البحث والدراسات حول الهيدروجين الأخضر بالجزائر
يشهد قسم الهيدروجين بمركز تنمية الطاقات المتجددة ببوزريعة بأعالي العاصمة الجزائرية عدة أبحاث لإنتاج الهيدروجين ودراسة استخداماته سواء في خلايا الوقود وفي المحركات، سترى النور قريبا مثلما أكده رئيس هذا القسم عبد الحميد مراوي في تصريح لملتيميديا الاذاعة الجزائرية.
ويعمل الباحثون والمقدر عددهم بـ 16 باحثا –يضيف مراوي- داخل هذا القسم الذي تم انشاؤه منذ 10 سنوات على دراسة طرق التحكم في تكنولوجيا إنتاج هذا الناقل الطاقوي ونشر هذه الخبرات على الصعيد الوطني وتجسيدها ميدانيا وكذا استقبال المتربصين الراغبين في الاستفادة في هذا المجال.
وبعد 20 سنة من البحوث النظرية-يضيف المتحدث- انتقلنا إلى الدراسات التطبيقية لإنتاجه بالتحليل الكهربائي بالطاقة الشمسية والرياح وتحلية مياه البحر حيث تطورت البحوث في هذا المجال فلم لا نستثمر في طاقة نظيفة لديها مزايا كبيرة لإنتاج الكهرباء بدون انبعاثات غازات سامة.
الهيدروجين.. 3 أضعاف طاقة الوقود الأحفوري
وترى باحمد ليلى أستاذة بجامعة باتنة وخبيرة دولية ومديرة مكتب استشارات دولية في البيئة والصحة والسلامة، أنه هناك توجه عالمي وعربي لاستخدام الهيدروجين كطاقة صديقة للبيئة بدلا من الوقود الذي يؤدي الى ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض وكذا ارتفاع حرارة الأرض فالهيدروجين الأخضر ينتج عن طريق الماء الذي يحتوي على أملاح ومعادن موصلة بالتيار الكهربائي في عملية تسمى بالتحليل الكهربائي وفيها تنفصل جزيئات من الهيدروجين عن جزئيات الاوكسجين.
وتتوقع الخبيرة أن كل المعطيات تشير إلى أن الهيدروجين هو طاقة المستقبل النظيفة التي تحتوي على 3 أضعاف الطاقة التي يحتويها الوقود الاحفوري مما يجعلها أكثر فعالية ومضاعفة للكهرباء وتساهم بشكل فعال في نزع الكربون والحد من التغيرات المناخية.
ملتميديا الإذاعة الجزائرية: حنان شارف