أبرز مختصون في علم الآثار، أنّ فرنسا تعمدت طمس أصالة التراث الجزائري، وأشاروا إلى أنّ "البحوث الأثرية المنجزة خلال الفترة الاستعمارية اعتمدت مصطلحات مقصودة بهدف طمس أصالة التراث الثقافي الجزائري وجذوره الممتدة عبر العصور".
برسم يوم دراسي حول التراث المادي الجزائري وامتداداته الافريقية بدار الثقافة عبد المجيد الشافعي في قالمة، تطرّق الأستاذ مراد زرارقة من قسم علم الآثار إلى بعض المصطلحات التي وظفها الأثريون الفرنسيون في البحوث التي قاموا بها حول المواقع الأثرية في الجزائر بغرض إضفاء الشرعية على الغزو الاستعماري للجزائر.
وفي مداخلته الموسومة "ملاحظات تقنية حول آليات طمس أصالة المدافن المحلية المبكرة"، أفاد زرارقة أنّ "اختيار المصطلحات لم يكن بصفة بريئة ومن بينها مصطلحي المنهير والدولمن للتعبير على الشواهد الحجرية والطاولات الحجرية الموضوعة على القبور قديماً"، مشيراً إلى أنّ الباحث الفرنسي ديشولات قالها صراحة في كتابه حول الآثار في فترة ما قبل التاريخ المنجز سنة 1908 بأن الاعتماد على مصطلحي منهير ودولمن "يمنحني الانتماء أكثر إلى فرنسا".
وأوضح المتحدث نفسه أنّ المستعمر الفرنسي ومنذ الوهلة الأولى لغزوه للجزائر قام بتوظيف البحوث الأثرية من أجل التسويق لبعض الأفكار الخاطئة، على منوال المزاعم المروّجة لأكذوبة "السكان الأصليين يحتاجون دوماً إلى العيش في ظل الأجنبي"، مُبرزاً أنّ البحوث الأثرية ركزت ضمن هذه الاستراتيجية على ما أنجزه الرومان بالجزائر مع الإغفال الكلي للفترة النوميدية.
من جهته، ذكر د. محمد فوزي معلم من قسم الآثار بجامعة قالمة أنّ البحوث الأثرية الفرنسية حول المنطقة أهملت بصفة كلية التراث الأثري في المناطق الريفية التي كان يقطن بها السكان الأصليون من النوميديين والذين عُرفوا برفضهم للوجود الروماني.
وفي مداخلته "التراث الأثري بقالمة بين الأصالة والتأثيرات الخارجية"، أشار معلم إلى أنّ البحوث التي قام بها هو شخصيا رفقة أساتذة من قسم الآثار توصلت إلى أنّ الباحثين الفرنسيين اعتمدوا إطلاق تسمية "آثار رومانية" على كافة الآثار المتواجدة بالمنطقة، مشيراً إلى أنّ النتائج التي توصل إليها باحثو قسم الآثار بقالمة أظهرت أنّ الكثير من المزارع الفلاحية ومعاصر الزيتون ومطاحن القمح وشبكة الطرقات وحتى بعض ألعاب التسلية كلعبة (الدامة) بالمناطق الريفية لم تكن رومانية بل كانت مستخدمة من طرف السكان الأصليين.
وفي مداخلته "هل تعرف إفريقيا تراثنا الثقافي؟"، دعا د. رياض دحمان من قسم الآثار بجامعة قالمة إلى ضرورة تجند المختصين والمسؤولين على حد سواء من أجل إبراز القيمة التاريخية والأثرية والجمالية للمواقع الأثرية في بلادنا بما يعبر عن قيمتها الحقيقية.