عمار العسكري... النقابي مبدع الواقعية الثورية في السينما الجزائرية

عمار العسكري
01/05/2023 - 15:23

 

يشكل المسار الفني للمخرج السينمائي الراحل عمار العسكري علامة فارقة في تاريخ الفن السابع في الجزائر إذ قدم مجموعة من الأفلام التاريخية الهامة التي سلطت الضوء على فترة حرب التحرير أبرزها تحفته الخالدة "دورية نحو الشرق" التي كانت من الإبداعات التي طبعت بتألق العهد الذهبي للسينما الجزائرية.

تميز العسكري، وهو من الرعيل الأول للمخرجين الجزائريين، برؤية إخراجية واقعية وأسلوب فني راق حاكى التاريخ الجزائري إبان الثورة التحريرية بجمالية عالية، وقد أدرك منذ بداياته أن السينما وسيلة أساسية لتخليد هذه الثورة المجيدة ورموزها والتأريخ للكفاح المسلح للجزائريين ومعاناتهم في ظل الاحتلال الفرنسي وخصوصا في الأرياف وهو ما دفعه للاهتمام أكثر بهذا الفن.

لقد تشبع الراحل، الذي تمر الذكرى الثامنة لوفاته، ومنذ نعومة أظفاره بقيم النضال والالتزام التي ترعرع في كنفها، حيث شارك في إضراب الطلاب الجزائريين في 19 مايو 1956 الذي دعا له الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين تحت لواء جبهة التحرير الوطني ليلتحق بعدها بصفوف جيش التحرير الوطني سنة 1957 بالولاية التاريخية الثانية ثم بالقاعدة الشرقية بغارديماو التونسية، وهذا المسار النضالي ترك بداخله أثرا كبيرا جعله فيما بعد من كبار السينمائيين الجزائريين ومن رواد الواقعية الثورية.

درس العسكري، وهو من مواليد عام 1942 بمدينة عين الباردة بعنابة، بالعاصمة اليوغسلافية بلغراد (صربيا حاليا) وتحصل على شهادة عليا في الإخراج من أكاديمية المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون لبلغراد في 1966، ثم شهادة دراسات عليا في العلوم الاقتصادية والعلوم السياسية من جامعة الجزائر.

وانخرط بعدها الراحل في مسار حافل إذ أثرى المدونة السينمائية الجزائرية بالعديد من الأعمال المتميزة على غرار "دورية نحو الشرق" (1971) وهو تحفة سينمائية واقعية عن حياة المجاهدين في الجبال، وقد جسد بحق بطولات جزائرية فردية وجماعية في تجانس رائع إضافة إلى ما قدمه من قيم إنسانية نبيلة ميزت الثوار والثورة بشكل عام.

يتطرق هذا العمل الواقعي، الذي شارك فيه نخبة من الممثلين الجزائريين كحسان بن زيراري وحاج اسماعيل محمد الصغير ونور الدين مزيان، لمهمة ثورية نحو الشرق الجزائري وما لاقته من مصاعب جمة أدت لاستشهاد العديد من الثوار، وقد عرف لدى الجزائريين بالصيحة الشهيرة "ياو عليكم.. «الذي أداها الراحل حجاجي العياشي.

"أبواب الصمت" (1988) الذي يتطرق لقصة "عمار البكوش" هو أيضا من روائع العسكري وملحمة إنسانية حزينة تحكي عن معاناة الجزائريين إبان الاستعمار الفرنسي كاشفا جرائم هذا الاستعمار البغيض الذي لم يرحم أحدا. هذا العمل المبهر الذي أبدع فيه الممثل الراحل حسن الحسني يجسد أيضا بطولات الجزائريين أفراد وجماعات بصورة أقرب إلى الواقع منها إلى التمثيل.

ومن أعماله أيضا "المفيد.. سننتصر" (1978) الحائز على الجائزة البرونزية في مهرجان دمشق السينمائي بسوريا، والذي يتناول موضوع الثورة الزراعية في جزائر ما بعد الاستقلال، في حين كان آخر أعماله فيلم "زهرة اللوتس" (1998) وهو إنتاج مشترك جزائري فيتنامي يحكي عن قصة صحفية بالتلفزيون الفيتنامي تدعى "حورية" تأتي للجزائر لإنجاز ريورتاج مصور فتلتقي بوالدها الجزائري، ويعكس العسكري من ورائها قصة كفاح شعبين تجمعهما عدالة القضية والمستدمر المشترك.

قدم الراحل أيضا في بداياته عدة أفلام قصيرة من بينها "جحيم في السن العاشرة"

(1968) و"البلاغ" (1969) ، سلط من خلالها الضوء على طموحات وآمال الجزائريين في مرحلة ما بعد الانعتاق والتحرر، وقد توج مساره السينمائي ككل بعدة جوائز نالها في تظاهرات دولية مختلفة كمهرجان قرطاج بتونس وفيسباكو بواغادوغو ببوركينافاسو.

عمار العسكري هو أيضا نقابي ومناضل في سبيل سينما جزائرية عالمية، فقد شغل منصب أمين عام نقابة السينمائيين والتقنيين والعمال بالاتحاد العام للعمال الجزائريين في 1980، كما شغل منصب مدير المركز الجزائري للفن والصناعة السينماتوغرافية (كاييك) في 1996.

وبرز الراحل أيضا بعضويته في عدة هيئات ثقافية وتاريخية تعنى بالذاكرة، فقد كان عضوا مؤسسا بمؤسسة "مفدي زكريا" ومؤسسة "أصدقاء الجزائر مع فييتنام"، وكذا عضو رئيس للجمعية الفنية السينمائية "أضواء" التي ترأسها لغاية وفاته.

وتم تكريم العسكري، الذي وافته المنية في الفاتح مايو 2015 عن 73 عاما، في عدة مناسبات ومهرجانات اعترافا برصيده السينمائي الثري والتزامه الدائم بالقضية الجزائرية ودفاعه المستميت عن قطاع السينما في الجزائر، وقد كانت آخر أمانيه إنجاز فيلم حول مسار المناضل الرمز فرانز فانون