العالم يحتفل باليوم الدولي لنيلسون مانديلا هذا الثلاثاء

الثورة الجزائرية كانت مدرسة للزعيم الراحل نيلسون مانديلا (منتدى) 
17/07/2023 - 15:39

يحتفي العالم هذا الثلاثاء بـ "اليوم الدولي لنيلسون مانديلا"، رمز النضال من أجل التحرر ضد "أسوأ نظام تمييز عنصري" شهده العالم كان سائدا في بلاده جنوب افريقيا، وذلك عرفاناً بنضاله المستميت من أجل الانعتاق من الاضطهاد، وتحقيق قيم الحرية والسلام والعدالة والمساواة لفائدة البشرية جمعاء على اختلاف تنوع أعراقها، وسط دعوات لتكريس مبادئ الرجل وأحداث التغيير خدمة للمجتمعات.

يعدّ نيلسون مانديلا (1918-2013) أحد أكبر الرموز الثورية في العالم خلال القرن العشرين من خلال نضاله ضد نظام التمييز العنصري بعدما دشن في عام 1952، حملة "تحد" وهي حملة عصيان مدني كبيرة اعتراضا على القوانين الظالمة في بلاده، ما كلفه حكما بالسجن مدى الحياة.

وفي فيفري 1990، خرج مانديلا من السجن ليعود بعدها الى مواصلة نشاطه السياسي، وتولى قيادة المؤتمر الوطني الافريقي والمفاوضات التي أفضت الى وضع حد لنظام الفصل العنصري وإقامة حكومة متعددة الاعراق في جنوب افريقيا.

وكرّس نيلسون مانديلا 67 عاماً من حياته في خدمة الإنسانية كمحامٍ لحقوق الإنسان وسجين ضمير وصانع سلام دولي وأول رئيس منتخب ديمقراطيا لدولة جنوب افريقيا بعد فوز حزبه بأغلبية ساحقة في اول انتخابات متعددة الاعراق تنظم في البلاد.

وتقاسم جائزة نوبل للسلام عام 1993 مع الرئيس الأسبق لجنوب افريقيا فريديريك دو كليرك. وقرر مانديلا في عام 1999 الانسحاب من الحياة السياسية، مواصلاً في الوقت ذاته الدفاع عن الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان إلى غاية وفاته عن عمر 95 عاماً.

وفي العاشر من نوفمبر 2009 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، تاريخ 18 جويلية من كل عام، يوما للاحتفال بـ "اليوم الدولي لنيلسون مانديلا" الذي يصادف ذكرى ميلاد ايقونة النضال ضد نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) في بلاده، وهو النضال الذي مكنه من أن يصبح أول رئيس منتخب لجنوب افريقيا.

وجرى تطبيق نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا عقب انتخاب حكومة "الحزب الوطني" اعتباراً من عام 1948، كنظام سياسي مؤسساتي من خلال العديد من القوانين والأفعال، عبر سيطرة وهيمنة البيض، واقصاء غالبية سكان البلاد ذات البشرة السمراء.

واستمر هذا النظام حوالي نصف قرن، قبل أن يسقط رسمياً سنة 1991 بفضل نضال مانديلا المستميت ورفقائه في حزب المؤتمر الوطني الافريقي والذي كلفه حكماً بالسجن مدى الحياة في عام 1964 بعد ادانته بتهمة "التخريب".

وفي إطار هذا النضال، لفتت مذبحة "شاربفيل" عام 1967، انتباه العالم إلى القمع الوحشي لنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، ما أدى إلى تعرض البلاد لعزلة دولية وتراكم العقوبات الدولية ضد هذا النظام الذي تعرض للطرد من هيئات الأمم المتحدة وفرض حظر أسلحة عليه.

وأمام تلك الاجراءات الردعية وفي فيفري 1990، أجبر رئيس البلاد فريدريك دو كليرك الذي كان قد تولى السلطة قبل خمسة أشهر، على الاعتراف بالمعارضة ممثلة في المؤتمر الوطني الافريقي.

وأفرج عن نيلسون مانديلا في 11 فيفري 1990، بعد 27 سنة قضاها في السجن. ليتم بعدها في 30 جوان 1991، إلغاء نظام الفصل العنصري رسمياً في جنوب افريقيا.

وتُوّجت نضالات نيلسون مانديلا في أفريل 1994 بتنظيم أول انتخابات متعددة الأعراق، طاوية صفحة نظام الفصل العنصري. وأسفرت عن انتخابه رئيسا ليطلق كلمته المشهورة "أحرار أخيراً".

دعوة الى الاسترشاد بروح مانديلا

جاء اعتماد قرار الاحتفال باليوم الدولي لنيلسون مانديلا "اعترافاً بإسهامات الرجل البارزة في إنشاء جنوب افريقيا ديمقراطية غير عرقية، ودفاعه بلا هوادة على ثقافة السلام والحرية وتفانيه في خدمة البشرية".

وتحسب الامم المتحدة لمانديلا "اهتمامه بالقضايا الإنسانية، في ميادين حلّ النزاعات والعلاقات العرقية وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها والمصالحة والمساواة بين الجنسين وحقوق الأطفال وسائر الفئات المستضعفة. كما عمل على تحسين أحوال الفقراء والمجتمعات المتخلفة النمو، وساهم في الكفاح من أجل الديمقراطية على الصعيد الدولي، وفي الترويج لثقافة السلام في شتى أرجاء العالم".

وتمّ اختيار الشعار لهذا اليوم الدولي ليكون "اجعل كل يوم ليكون يوم مانديلا"، إذ يجب على الجميع الاحتفال بهذا اليوم والإسهام به بعمل كل ما يمكن أن يحدث التغيير للأفضل، وعلى سبيل المثال أن يتم بث الرسائل الخاصة عن هذا اليوم وأهدافه بوسائل التواصل الاجتماعي وبالمساهمة بزرع الأشجار لمكافحة تغير المناخ ولتوفير الأمن الغذائي للجميع وبعمل الحملات الهادفة لإحداث التغيير الإيجابي سواء كان للأفراد أو المجتمع أو للبيئة ومكافحة الفقر والظلم والعنصرية والتمييز، والحث على المساواة في كل المجالات.

وبمناسبة هذا اليوم، دعت الأمم المتحدة كل مواطن في العالم لتكريس رمزية 67 دقيقة من وقته للعمل في خدمة المجتمع، إحياء لذكرى السنوات الـ 67 التي كرّسها مانديلا لمكافحة العنصرية والدفاع عن حقوق الإنسان. كما دعت كل الأفراد عبر المعمورة الى الاحتفال باليوم العالمي لنيلسون مانديلا بإحداث تغيير في مجتمعاتهم.

وعشية احياء اليوم الدولي لنيلسون مانديلا، استذكر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خصال "ماديبا" و"الانجازات الانسانية الهائلة وغير العادية" للرجل الذي كان "عملاقا بالشجاعة والقناعة"، داعياً بالمناسبة الى "الاسترشاد بروحه الإنسانية والكرامة والعدالة والاتحاد مع النساء والفتيات والشباب وعناصر التغيير في جميع أنحاء العالم وبناء عالم أفضل".

وقال غوتيريش: "عملاق عصرنا، نكرمه جيدا عندما نعمل. العمل، من أجل التعبير عن سم العنصرية والتمييز والكراهية، العمل لمحو تركات الاستعمار، والعمل لتعزيز المساواة وحقوق الإنسان، وقبل كل شيء العدالة"، لافتً إلى أنّ "الفقر والجوع وعدم المساواة آخذة في الازدياد" و "البلدان تغرق في الديون"، مما يستدعي "اتخاذ إجراءات لمعالجة العنصرية والفقر وعدم المساواة لبناء عالم أفضل".

من جانبه، لفت القائم بالأعمال لدى سفارة جنوب إفريقيا بالجزائر، سيلو باتريك رانغوميس، إلى أن إحياء "اليوم العالمي لنيلسون مانديلا"، هذا العام، يأتي تحت شعار "الأمر بين يدي"، داعيا الكل الى تقديم مساهمة في خلق حياة أفضل للمجتمعات ومختلف بلدان القارة الافريقية والعالم ومطالبا برفع مستوى الوعي وتوسيع نطاق قيم ومبادئ نيلسون مانديلا، والمضي على خطى زعيم جنوب افريقيا الأسبق القائمة على أساس التفاني في خدمة كل القضايا الانسانية.

الثورة الجزائرية مصدر إلهام لمانديلا

كانت لمانديلا علاقة "قوية ومتميزة" مع الجزائر التي تأثر كثيرا بثورتها التحريرية واستلهم من كفاح شعبها لمقاومة سياسة "الأبارتايد"، حسب شهادة عديد من الشخصيات والدبلوماسيين ومنهم سفير الجزائر السابق لدى جنوب افريقيا، نور الدين جودي، الذي قال ان الجزائر "لم تكن مصدر إلهام للزعيم مانديلا على الصعيد العسكري فقط، بل حتى على الصعيد الدبلوماسي، حيث استفاد كثيراً من التجربة الجزائرية في كفاحه ضد سياسة الميز العنصرية".

وقال رئيس الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية، نور الدين جودي، إنّ "نيلسون مانديلا تلقى تدريباً عسكرياً على يد جزائريين وأنه استلهم نضاله من نضال الثوار الجزائريين ومن الثورة المجيدة"، لافتا إلى أنه عاد إلى الكفاح ضدّ "الأبارتايد" بجنوب افريقيا بمجرد الانتهاء من التدريب العسكري الذي تلقاه بالجزائر.

واستحضر جودي شهادة مانديلا، حول الجزائر، التي قال فيها إنّ الثورة الجزائرية التي كان يعتبرها "النموذج الأقرب" لكفاح شعبه ضدّ "الأبارتايد"، "صنعت مني رجلاً".