يعدّ الإستثمار في الهيدروجين والتموقع بقوة لريادة هذه الثورة الخضراء طموح الجزائر من أجل رسم مستقبل أنجع يضمن أمنها الطاقوي على المستويين الوطني والعالمي، حيث تراهن بلادنا من خلال المقومات التي تزخر بها أن تكون بطارية أوروبا في الوقود الأخضر الذي لا ينضب وبأسعار تنافسية بدلاً عن الذهب الأسود التي تؤكد تقارير عدّة أنه ثروة آيلة للزوال.
ونظراً للإهتمام العربي والعالمي الكبير الذي حظي به موضوع استغلال الهيدروجين، ترتكز الجهود على جعل الجزائر مركزاً إقليمياً لإنتاج وتصدير هذه الطاقة الخضراء، حيث أكد في هذا السياق محافظ الطاقات المتجددة نور الدين ياسع في تصريح لـ "ملتيميديا الإذاعة الجزائرية" أنّ بلادنا تمتلك كل المقومات التي تجعلها دولة رائدة لولوج سوق النفط النظيف.
وأضاف ياسع بالقول"فضلاً عن كونها أكبر دولة عربية وإفريقية وموقعها الإستراتيجي، تمتلك بلادنا بنية تحتية ضخمة لإنتاج الغاز ونقله وتوزيعه وتخزينه، في وقت تؤكد فيه الدراسات أنّه يمكن نقل الهيدروجين عبر أنابيب الغاز وبالتالي الإستثمار في هذا الناقل الطاقوي سيكون مربحاً وبأقل تكلفة".
هل تصبح الجزائر بطارية أوروبا في الوقود النظيف؟
من جهته، أكّد رابح سلامي مدير الهيدروجين الأخضر والطاقات البديلة بمحافظة الطاقات المتجددة لـ "ملتيميديا الإذاعة الجزائرية" أنّ استراتيجية تطوير الهيدروجين بالبلاد تعتمد عدّة مقومات أساسية، ولعلّ "الكومونات" الهائلة من الطاقات المتجددة خاصة الشمسية والهياكل القاعدية التي ستسمح لها بالانتقال بكل سهولة إلى الهيدروجين، حيث يمكن استغلال الشبكة الهائلة من أنابيب نقل الغاز وتمييعه التي تمتد إلى غاية أوروبا عبر البحر المتوسط في نقل الهيدروجين مستقبلاً إلى الأسواق الأوروبية.
ويتوقع رابح سلامي أنّ احتياجات أوروبا من الهيدروجين الأخضر ستصل إلى حوالي 10 ملايين طن في حدود العام 2030، والجزائر بحكم موقعها الجغرافي ستكون من أهم البلدان المصدّرة لهذا الناقل الطاقوي للسوق الأوروبية وبتكلفة منخفضة".
استغلال شبكة الغاز لتوصيل الهيدروجين الأخضر للإستخدامات الداخلية
تمتلك الجزائر شبكة توزيع الغاز الطبيعي للإستخدامات الداخلية بطول 130 ألف كيلومتر يتمّ توصيلها إلى 65 بالمائة من البيوت الجزائرية، مثلما أكده رابح سلامي، مبرزاً أنّه يمكن استغلال هذه الشبكة في توصيل الهيدروجين الأخضر إلى الإستخدامات المنزلية.
الماء الأخضر...العنصر الأساسي في سلسلة القيم للإنتاج
هذا ويعدّ الماء الأخضر العنصر الأساسي في سلسلة القيم لإنتاج الهيدروجين-يؤكد سلامي- لأنّ انتاجه يعتمد على عملية التحليل الكهربائي للماء باستخدام الطاقات المتجددة فمصدر الطاقة يكون أخضر.
"ولأنّ انتاج الهيدروجين يتطلب ماء على درجة عالية من النقاء، نصبو إلى تطوير تحلية مياه البحر، خاصةً وأنّ الجزائر تمتلك شريطاً ساحلياً بحرياً يمتد على أكثر من 1200 كيلومتر يمكن استخدامه في تحلية مياه البحر" يقول سلامي الذي أبرز أنّ الاستراتيجية الوطنية تعتمد على عدة أنواع من المياه مياه البحر والمياه المالحة والمياه الملوثة التي يتم رسكلتها وإعادة تدويرها .
وأبرز أنّ الكمية اللازمة من الماء لإنتاج هذا الناقل الطاقوي النظيف لكل كيلوغرام واحد من الهيدروجين، نحتاج إلى حوالي 13 كيلوغراماً من الماء.
نحو التوجه لتحلية المياه المالحة
أوضح المتحدث ذاته أنه على مستوى المناطق الصحراوية والهضاب العليا تحوي على عدة مناطق فيها مياه مالحة غير صالحة للزراعة ولإستخدامات أخرى سيتم دراسة امكانية تحليتها لأنّ تكلفة تحليتها أقل من تحلية مياه البحر واستخدامها في إنتاج الهيدروجين خاصةً وأنّ هذه المناطق تتميز بكومونات كبيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
25 مليار دولار استثمار الجزائر لإنتاج الهيدروجين النظيف
صادق مجلس الوزراء في شهر ديسمبر 2022 على ورقة طريق لتطوير الهيدروجين النظيف، تتضمن قدرات إنتاج عالية باستثمارات تتراوح بين 20 إلى 25 مليار دولار بالشراكة مع متعاملين أجانب، مثلما أشار إليه مدير الدراسات الاقتصادية والاستشراف بوزارة الطاقة والمناجم ميلود مجلد في تصريحات سابقة للإذاعة الجزائرية.
وأبرز مجلد أنه في إطار هذه الاستراتيجية الوطنية، يجري التحضير للمناخ الملائم لاقتحام هذا السوق، حيث سيتم تكوين الرأسمال البشري واكتساب التكنولوجيا وإعداد كل القوانين والأنظمة والتدابير الخاصة بالأمن في استخدام الهيدروجين من الإنتاج والنقل والتمييع حتى الاستهلاك.
وأشار إلى توفر الجزائر على قدرات كبيرة في إنتاج الطاقات المتجددة بقرابة 2900 كيلوغرام ساعي في المتر المربع، يمكن استخدامها في إنتاج الكهرباء والهيدروجين والأمونيا وتطوير هذه الشعبة التي تقدّم حلولاً إضافية لتخزين طاقة متجددة المصدر.
مشاريع نموذجية طموحة بين سوناطراك وألمانيا وإيطاليا
أطلقت الجزائر بعض المشاريع النموذجية، حيث وقّعت سوناطراك مذكرة تفاهم مع "في أن جي" الألمانية لتطوير مشاريع مشتركة في الهيدروجين والأمونيا الخضراء، إلى جانب إطلاق بعض المشاريع مع "إيني" الايطالية لبناء محطات الكهرباء ومحول للهيدروجين وكيفية تصدير هذه الطاقة إلى أوروبا.
أنبوب جديد بين الجزائر وأوروبا لتصدير الغاز والهيدروجين والأمونياك
كشف مجلد عن مشروع أنبوب جديد قيد الدراسة على مستوى وزارة الطاقة وسوناطراك وسونلغاز يربط الجزائر بأوروبا لتصدير الهيدروجين والغاز والأمونياك، مضيفاً أنّه سيتم الأخذ بعين الإعتبار التكنولوجيا لأنّ تكنولوجيا نقل الهيدروجين ليست نفسها لنقل الغاز.
20 سنة من البحث والدراسات حول الهيدروجين الأخضر بالجزائر
يشهد قسم الهيدروجين بمركز تنمية الطاقات المتجددة ببوزريعة بأعالي الجزائر العاصمة عدّة أبحاث لإنتاج الهيدروجين ودراسة استخداماته سواء في خلايا الوقود وفي المحركات، سترى النور قريباً مثلما أكده رئيس هذا القسم عبد الحميد مراوي في تصريح لـ "ملتيميديا الاذاعة الجزائرية".
ويعمل الباحثون المقدر عددهم بـ 16 باحثاً –يضيف مراوي- داخل هذا القسم الذي تمّ إنشاؤه منذ 10 سنوات على دراسة طرق التحكم في تكنولوجيا إنتاج هذا الناقل الطاقوي ونشر هذه الخبرات على الصعيد الوطني وتجسيدها ميدانياً واستقبال المتربصين الراغبين في الاستفادة من هذا المجال.
وبعد 20 سنة من البحوث النظرية-يضيف المتحدث- "انتقلنا إلى الدراسات التطبيقية لإنتاجه بالتحليل الكهربائي بالطاقة الشمسية والرياح وتحلية مياه البحر، حيث تطورت البحوث في هذا المجال، فلماذا لا نستثمر في طاقة نظيفة لديها مزايا كبيرة لإنتاج الكهرباء بدون انبعاثات غازات سامة؟".
الهيدروجين...3 أضعاف طاقة الوقود الأحفوري
من جانبها، ترى ليلى باحمد أستاذة بجامعة باتنة وخبيرة دولية ومديرة مكتب استشارات دولية في البيئة والصحة والسلامة، أنّ هناك توجه عالمي وعربي لاستخدام الهيدروجين كطاقة صديقة للبيئة بدلاً عن الوقود الذي يؤدي الى ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض، وارتفاع حرارة الأرض فالهيدروجين الأخضر ينتج عن طريق الماء الذي يحتوي على أملاح ومعادن موصلة بالتيار الكهربائي في عملية تسمى بـ "التحليل الكهربائي" وفيها تنفصل جزيئات من الهيدروجين عن جزئيات الأوكسجين.
وتتوقع الخبيرة أنّ كل المعطيات تشير إلى أنّ الهيدروجين هو طاقة المستقبل النظيفة التي تحتوي على 3 أضعاف الطاقة التي يحتويها الوقود الأحفوري مما يجعلها أكثر فعالية ومضاعفة للكهرباء وتساهم بشكل فعّال في نزع الكربون والحد من التغيرات المناخية.