افتتح فنان الكاريكاتير باقي بوخالفة، السبت بالعاصمة، معرض "غزة روح الروح" الذي جدّد فيه طرح عمق القضية وعدوانية الكيان في 36 لوحة كاريكاتير، تعاطى فيها بوخالفة مع زوايا مختلفة تطبع مآسي سكان القطاع النازف جرّاء العدوان الصهيوني الهمجي المستمر منذ السابع أكتوبر الماضي.
هذا المعرض الذي يستمر إلى الخامس والعشرين جانفي الجاري، قدّم رؤى مستقرئة لما يكابده الفلسطينيون في ظل الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان، وتضمّن المعرض حزمة رسومات أبرزت معاناة النساء والأطفال وانتقدت المعايير الغربية المزدوجة، كما عرّت الإجرام الصهيوني المستمرّ وسط صمت المجتمع الدولي.
وفي فضاء "زوار آرت" بمركز باب الزوار التجاري، شكّلت الـ 36 لوحة محاكمة صريحة للجرائم الصهيونية باعتبارها عدواناً بربرياً ووصمة عار في جبين الإنسانية، ورصدت ريشة بوخالفة همجية الكيان الذي يتعمّد قصف المستشفيات ورياض الأطفال والمدارس والمنازل وحتى دور العبادة والمسنين.
وفي توثيق لما حفلت به 92 يوماً من العدوان، دوّنت لوحات بوخالفة منعرجات دامية للعدوان الصهيوني، فضلاً عن رصد المواقف اللاإنسانية للأنظمة والإعلام في العالم الغربي من هذه الحرب ومن الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، والموقف المخزي لمختلف الهيئات الدولية.
وركّز معرض "غزة روح الروح" على إظهار ما يواجهه الأطفال الأبرياء في فلسطين المحتلة يومياً من آلام نفسية وجسدية بفعل القصف والتهجير القسري.
وبجانب دعوة بوخالفة في بعض اللوحات إلى مقاطعة منتجات النظم الداعمة للحرب الصهيونية على القطاع، فإنّه عاد ليشجب ازدواجية الخطاب الدولي تجاه ما يحدث في غزة، بينما ثمّن بوخالفة مساندة وتعاطف كوكبة من الدول العربية والشخصيات الرياضية للذات الفلسطينية المثخنة.
في غضون ذلك، عرف هذا اللقاء تقديم محاكاة فنية لتراجيديا اغتيال البراءة في القطاع، عبر مشهد الجد (قدّمه الممثل عبد الكريم لالوتي) الذي يحمل جسد حفيدته الصغيرة، الشهيدة "ريم"، وهو يردّد عبارة "روح الروح" التي تحوّلت إلى مشهد أيقوني مترع بالألم والحرقة.
وصرّح الفنان باقي بوخالفة أنّ معرض "غزة روح الروح، هو مبادرة لإبراز تضامنه كفنان جزائري مع غزة وتلاحمه المطلق مع القضية الفلسطينية، وهو واجب أخلاقي"، مضيفاً أنّ "فن الكاريكاتير من أبرز الأنواع الفنية المرتبطة بنقد الواقع وأكثرها قدرة على التعبير وإبراز القضايا الجوهرية الإنسانية، حيث يمكن فهمها بسهولة ومن جميع الناس".
يُشار إلى أنّ باقي بوخالفة خرّيج المدرسة العليا للفنون الجميلة بالعاصمة، ظلّ حاضراً برسوماته الكاريكاتيرية في الصحافة الجزائرية، كما شارك في عدّة معارض وورش فنية داخل الجزائر وخارجها، وله مؤلّف حول فن الكاريكاتير، موسوم: "اللوز ... واحد أكبر من اثنين" (2010).
وميض العلي
أتى معرض بوخالفة ليسطر نفساً جديدا في منظومة الكاريكاتير التي لطالما رافقت الجرح العربي منذ عقود.
وتحتفظ الذاكرة العربية بحضور رسام الكاريكاتير الفلسطيني النابض ناجي سليم حسين العلي (1936 – 29 أوت 1987) والذي تماهى مع الريشة، وعبّر كل منهما من خلال الآخر.
وإذا كان العلي استشهد برصاصة غادرة في لندن، إلاّ أنّ رسوماته لا تزال تبقيه حيًا مثله مثل شخصيته الفريدة حنظلة، وما يزال واقفًا ناقدًا ومتمردًا، يذكّر كل منهما بالآخر.
وأنشأ ناجي العلي "حنظلة" لأم هي النكبة، وابتعثه كطفل في العاشرة من عمره رثّ الثياب وحافي القدمين من دون هوية أو جنسية أو أوراق ثبوتية، ونشره للمرة الأولى في العام 1967، ومن خلاله عبّر عن اللاجئين الفلسطينيين، وعن امتعاضه من السياسات العربية والفلسطينية، ليصبح حنظلة رمزًا للهوية الفلسطينية.
ولم يخفِ ناجي شعوره بأنّ حنظلة نفسه رمز ذاتي له بوصفه ابن مخيم حافي القدمين وغير مستعد للمراوغة في قول الحقيقة، وقال في أحد تصريحاته إنّ تسمية حنظلة تليق بالرسم، ومرّ عليها من خلال الأسماء القديمة، وتنبّه إلى معناها: المرارة، والحقيقة تظل مُرّة، وبرزت عبر أكثر من 40 ألف رسم كاريكاتوري ساخر.
وبثّت رسومات العلي، الدماء في الحكاية الأزلية لفلسطين وفتحت مأساتها، وكانت آراؤه لاقت رواجاً تعدّى حدود الأراضي المحتلة والمخيمات والشتات، ما حعل رسوماته تجتاز حدود السياسة والجغرافيا.