تضمّنت المجموعة القصصية "قوس قزح فوق غزة" للدكتور أحمد زياد محبك، لقطات حية من قلب الأحداث الجارية في غزة، واصفاً ما يجري بدقة شديدة، وكأنه يرسم بريشة فنان مشاهد حية معبِّرة عن الوضع المأزوم.
الكتاب الصادر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 152 صفحة من القطع المتوسط، ضمّ مفتتحاً، وسبعاً وعشرين قصة قصيرة.
وفي قصة "تدمير عمارة الحاج عمر"، يقول محبك ملخّصاً أحد المشاهد المتكرِّرة في الأرض المحتلة: "في حي المنارة بخان يونس حفرة، كأنها قبرٌ فُتِح لاستقبال آلاف الشهداء، حفرة يبلغ قطرها نحو عشرين متراً، ويصل عمقها إلى ثلاثة أمتار، لا يمكن أن تعرف أي قذائف من طائرات متوحشة قد أحدثتها، كل المباني حولها دُمِّرت، بدائرة قطرها مئة متر، كان هنا مسجد، كان هنا مستشفى، كان هنا مدرسة، كان هنا عمارات، كان هنا أطفال ورجال ونساء وشيوخ، كانت هنا حياة دافئة".
ومن قصة "نزهة.. في سماء غزة" يقول الدكتور أحمد زياد محبك على لسان جندي إسرائيلي يتلذَّذ بالقتل: "ما أجمل حربنا مع العدو! هي حقيقة نزهة، السماء من فوق كلُّها لي، والأرض من تحت كلُّها لي، لا شيء في الفضاء من حولي، هذه هي العمارات المهدَّمة تحتي، لم يبقَ شيء، ليس أمامي سوى أربع عمارات، أدمِّرها وأعود، لا يهمني إن كانت خالية، أو كانت آهلة، بل أتمنَّى أن تكون آهلة بالإرهابيين، كلهم إرهابيون، حتى الأطفال منهم، لا أريد لثمن الصاروخ أن يذهب فقط لتدمير الحجر، أريده أن يدمِّر أيضاً البشر، على كل حال ستعوِّضنا أمريكا بدل الصاروخ الواحد عشرة صواريخ، لي ثقتي بطائرتي، أحدث طائرة في العالم، ف 16، أشعر بمتعة، ولكن أحسها ناقصة، أشتهي أن أرى أمامي طائرة معادية، لأدمِّرها، وأحس بتفوُّقي عليها".
وفي مشهد آخر يصف الموت والدمار والخواء الذي صارت إليه أرض غزة، وأهلها بالتبعية، يكتب محبك في قصة "أربع رصاصات فقط": "ليس هناك أسلاك، ولا روائح متفجِّرات، أعرف رائحتها، وليس هناك آثار أقدام، حجارة وتراب وأبواب خشبية مرمية على الأرض ودرج يكاد يسقط وعمود منكسر، ممر ضيق عادي يقود إلى غرفة، وأراه أمامي، ينزل من سريره، هو في بيجاما نوم زرقاء، أراه واقفاً بكامل قامته، أقدِّر أنه في السبعين من عمره، لحيته خفيفة، عيناه غائرتان، لعلَّه مريض، أو معتوه، تخلَّى عنه أهله ورحلوا، أو قُتِلوا، أو ماتوا جوعاً، يرفع كلتا يديه ويلوِّح بهما، كأنه يريد أنْ يقول: "لا.. لا"، لم يكن مسلَّحاً، ويهبط على الأرض، كأنه مجرد ثياب فارغة سقطت من حبل غسيل، يقعد مُسنداً ظهره إلى السرير، يلوي عنقه قليلاً، وطيفُ ابتسامة على وجهه، ويغمض العينين، حسبني عزرائيل، وقد جئت أقبض روحه، ولا أعرف إذا كان حقيقة له روح، هؤلاء كائنات لا روح فيها، كل ما فيها حياة، وهذه الحياة يجب أن تنتهي. لا، لا، أنا لست عزرائيل، عَرَفني من خوذتي والكاميرا وبزَّتي الضخمة والسلاح المُصوَّب نحوه، عرف حتماً أنه يواجه عدوه. نعم، أنا عدوُّك".
ومن الجدير بالذكر أن الدكتور أحمد زياد محبك أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب جامعة حلب، وعضو اتحاد الكتاب العرب، وهو قاص وناقد من مواليد مدينة حلب في العاشر ماي 1949، تخرَّج في قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة حلب عام 1972 وحاز دبلوم الدراسات العليا في جامعة دمشق عام 1973، نال درجة الماجستير في الأدب العربي الحديث من جامعة حلب عام 1981، ونال شهادة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث من جامعة دمشق عام 1984.
ورُفع إلى مرتبة أستاذ في كلية الآداب بجامعة حلب عام 1995 وعمل بالتدريس في جامعات اللاذقية والحسكة ودير الزور، كما أشرف على عشرات الرسائل الجامعية للماجستير والدكتوراه.