من اليسار إلى اليمين: قراءة في مجموعة "لغزة والياسمين" لحميد بوحبيب

من اليسار إلى اليمين: قراءة في مجموعة "لغزة والياسمين' لحميد بوحبيب"
16/05/2025 - 14:15

مجموعة حميد بوحبيب الشعرية الأخيرة 'لغزة والياسمين' لا تُقرأ من اليمين إلى اليسار رغم أنها مكتوبة باللغة العربية، بل تقرأ من اليسار الثائر على كل شبهات اليمين، فهذه المجموعة تأتي في لحظة انهيار عربي، وفي زمن تحوّلت فيه المقاومة إلى خطاب إعلامي أكثر منه انتماء وجداني.

حميد بوحبيب لا يكتب فلسطين بوصفها قضية، بل بوصفها وطنًا مشتركًا للحزن، ومختبرًا لغويًا للأمل.

فمجموعة «لغزة والياسمين»- الصادرة عن دار ميم في 123 صفحة - ليست ديوانًا بقدر ما هي حقل ألغام لغوي، كل قصيدة فيه تفجّر مفردة، وكل بيت يعلّقنا من خاصرتنا إلى جدار الحقيقة العارية. حميد بوحبيب لا ينشد قصائد، بل يفتح علينا نوافذَ من وجعٍ فلسطيني، تمتد جذوره إلى عمق الذاكرة الجزائرية.

ليست «غزة» هنا مكانًا، بل هي كائنٌ لغويّ مشبعٌ بالدم، و«الياسمين» ليس زهرة بل أثر من رائحة أمٍّ فقدت ابنها ولم تجد حتى جثته لتبكي عليه. في هذه النصوص، كل المفاهيم التقليدية للقصيدة تتهاوى. هنا، لا توجد بنية فنية منفصلة عن الألم، ولا توجد صورة شعرية خارج مشهد طفل يرفع حجرا أكبر من وزنه.

الشعر عند حميد ليس نوعًا أدبيًا، بل بيانًا ميدانيًا. اللغة تتخلى عن زينتها لتلبس ثياب الشهداء. الجملة القصيرة ليست رغبة في الإيجاز بل اختناق لغوي في حضرة القهر.

ففي نص "سلام " يطالعنا أرشيف شعبي للبطولة اليومية، التي لا تحتفي بالقادة بل بمن يُلملمون الزجاج، يحمّصون الخبز، وينامون في المخيمات.

"لأم أيمن تبحث تحت الردم عن الأشلاء كيما يكتمل جسد الشهيد ويرتقي" "لأحمد يتعثر على ما تبقى من سلالم العمارة لينقذ كتابا أو كراسا أو قلما" "لليلى تلملم ما تبقى من جهاز العرس تحت الأنقاض وتغني لفيروز"

هنا، لا تمجيد ولا خطابية، بل انتصار للشظايا اليومية. القصيدة توزّع المجد على وجوه لا نعرفها، لكنها وجوهنا جميعًا.

في "سلام"، ينقل الشاعر البطولة من موقع السلطة إلى موقع الفقد، من ابطال الفصائل المسلحة إلى الخالة زهراء التي لا تريد للغزاة أن يعبثوا بأشجار البرتقال.

هذا النص لا يُنشد ضد الحرب، بل ينقّب في طبقاتها السفلية ليعيد كتابة التاريخ باسم الذين لا تُكتب أسماؤهم على الجدران.

"سلام للأنامل التي تعزف على العود لحنا لمارسيل على نص لدرويش قبل أن تضغط على الزناد..."

فهذا النص يرثي، ويؤرّخ، ويقاوم، ويمنح الشعر وظيفة أن يكون شاهدًا لا حياديًّا.

"غزة" في الديوان لا تحضر كأيقونة بل كـ "أم ثانية"، كـ "طفل نائم في خزانة جدته الجزائرية"، كـ"وشم" يتكرر في الجسد العربي المبتور.

حميد لا يكتب عن غزة، بل يكتب من مسافة الدم التي تربطها بالجزائر. القصيدة عنده ليست بيانًا سياسيًا بل وثيقة ثقافية هجينة تتناص مع: التراث الجزائري المقاوم، ومع الأدب الفلسطيني، والمقامات الصوفية، والخطاب القرآني.

"لغزة والياسمين" ليس ديوانًا. بل هو شهادة. هو جنين لم يولد لكنه يصرخ في رحم الأمة العربية، ففي هذا العمل، لا نقرأ نصًا بل نقف في جنازة جماعية لوطنٍ اسمه الضمير العربي.

المصدر: ملتيميديا الإذاعة الجزائرية/ناصر باكرية

المصدر
ملتيميديا الإذاعة الجزائرية