باحثون في التاريخ للإذاعة: 12 صحيفة إيطالية دعمّت القضية الجزائرية إبان الثورة وأنريكو ماتيي كان سندا قويا

صفحات من تاريخ الجزائر
29/03/2022 - 13:50

أكد باحثون في التاريخ أن الدعم الايطالي للثورة الجزائرية لعب دورا فعالا في تفنيد الدعاية الفرنسية التي كانت تروج لما مفاده أن الثورة الجزائرية مجرد شأن داخلي وتمردّا لبعض الأقلية، وأبرز هذا الدعم بالمقابل الطرح الجزائري الداعي إلى تصفية الاستعمار، مؤكدين في السياق ذاته على الدور المحوري الذي لعبه الاقتصادي الايطالي أنريكو ماتيي في دعم الثورة التحريرية وزعمائها.

وفي هذا الصدد أبرز الباحث و الأكاديمي الأستاذ جمال يحياوي هذا الثلاثاء عبر أثير إذاعة الجزائر الدولية ضمن برنامج "صفحات من تاريخ الجزائر" التوجه الجديد للدولة الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية من خلال تيار جديد مناهض للاستعمار أو ما يعرف عند الايطاليين "بالعهد الأطلسي الجديد" مثّله العديد من الاحزاب السياسية وفي مقدمتها الحزب المسيحي الديمقراطي وتجسّد بقوة في العالم ككل وخاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط .

بالإضافة إلى عديد العناوين الصحفية الكبرى على غرار 12 صحيفة إيطالية يقول الأستاذ يحياوي بأنها كانت تهتم بالقضية الجزائرية منذ اندلاع الثورة المباركة حيث نشرت تحقيقات عن حقيقة ما يحدث في الجزائر وأكدت عبر عديد المقالات و التحقيقات "أن ما يحدث ليس تمرد وإنما هي ثورة حقيقية ضد الاستعمار" .

واستذكر المتحدث ذاته عناوين صحف إيطالية على غرار صحيفة "القرن" التي نشرت مقال بعنوان "رعب في الجزائر الثائرة "وأثار هذا المقال اهتمام الرأي العام الايطالي وخاصة الأحزاب الايطالية في المدن الكبرى كما نشرت صحيفة "الملاحظ الروماني" مقالا في 30 جانفي 1955، حول الاوضاع في الجزائر وأشارت إلى أن هؤلاء الثائرون يدافعون عن حقهم ولم يكن مجرد تمرد، بدورها نشرت صحيفة أخرى مقالا في بداية شهر مارس 55 عنوانه "حالة ترقب في شمال إفريقيا" كما نشرت صحيفة "الوقت "حوارا مع  القيادي الجزائري محمد خيضر أكد من خلاله على حقيقة الثورة الجزائرية

وبالحديث عن أبرز الشخصيات الايطالية التي ناضلت في سبيل دعم الجزائر وثورتها المباركة شدد الأستاذ يحياوي على الدور البارز الذي لعبه أنريكو ماتيي في مساندة الثورة الجزائرية وكان يشغل وقتها منصب مدير عام لأكبر شركة للمحروقات في أوروبا آنذاك  .

وفي خضم الموجة السياسية الاقتصادية التي عرفتها إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية يضيف الأستاذ يحياوي " كان أنريكو ماتيي من المقاومين ضد النازية وكان معارضا بشدة للتوجه الاقتصادي الجديد للدول الغربية وخاصة هيمنة وسيطرة الشركات الكبرى بما فيها الشركات البترولية والشركات المتعددة الجنسيات التي تتحكم في الاقتصاد العالمي ..كان مدركا لخطر الاستعمار الاقتصادي الجديد الذي حاولت أن تفرضه  الولايات المتحدة الامريكية ومن سار في فلكها خاصة بعد الاعلان عن مشروع مارشال الشهير ولهذا اتخذ منذ البداية موقفا وكان من المدافعين على حقوق الشعوب في استغلال خيراتها والانتفاع بها وهنا يلتقي مع التيار الجديد الذي كان يدعم تصفية الاستعمار في العالم هذا التزاوج والتلاقي بين الاحزاب السياسية وبين الصحافة الايطالية ثم إن شخصية أنريكو ماتيي المعارض للتوجه الاقتصادي الجديد هي من ساهمت في تقربه من الدول المنتجة للبترول والطاقة آنذاك ثم تحوله فيما بعد إلى مدافع عن القضية الجزائرية."

لقاء الصدفة بين أنريكو ماتيي مع يوسف بن خدة وسعد دحلب

واسترسل المتحدث ذاته بالقول بأن أفكار أنريكو ماتيي التقت  مع أفكار الثورة الجزائرية قبل أن يلتقى مع زعمائها، أما اللقاء الحقيقي فكان عن طريق الصدفة أثناء رحلة كان فيها الراحل يوسف بن خدة مع سعد دحلب عائدين من رحلة استوقفتهم خلالها عاصفة  ثلجية في إحدى مطارات سيبيريا وكان من بين المسافرين أيضا في تلك الرحلة أنريكو ماتيي الذي تعرف عليهما وعرف أنهما مناضلين وقياديين في الحكومة الجزائرية المؤقتة فنشأت علاقة قوية بين الرجلين لتتوسع فيما بعد إلى باقي قيادات الحكومة المؤقتة على غرار عبد الحميد بوصوف وسعد دحلب بن خدة فرحات عباس.

واكد الاستاذ يحياوي أن احتكاك أنريكو بقيادات الثورة الجزائرية وحكومتها المؤقتة جعل أنريكو ماتيي يقتنع بعدالة القضية الجزائرية وأصبح من المدافعين الأقوياء عنها داخل إيطاليا وخارجها وأصبح يشرف على تنظيم تجمعات لصالح الثورة الجزائرية وعلى تمويل صحف خاصة كانت تكتب افتتاحيات عن الثورة الجزائرية ثم تكفل في أكثر من مرة بمصاريف تنقل وإقامة الوفد الجزائري في روما وبعض العواصم الاوروبية.

ليتحول بذلك إلى "اكبر شخصية داعمة للثورة الجزائرية وترك بصمة واضحة في هذا الاطار بحكم وزنه كمدير عام للشركة وبحكم علاقاته مع الاحزاب السياسية الايطالية ومع الصحافة ورجال المال ولكثرة تنقلاته حتى أنه عيّن سفيرا له لدى الحكومة المؤقتة وهو الصحافي "بيراني" ، حيث أرسله كممثل رسمي له لدى الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في تونس وكان يتكفل بنقل الملفات التي كان يطلبها فيما بعد الوفد الجزائري المفاوض.

بدوره أكد الباحث في التاريخ الدكتور أبو نعامة محمد في مداخلة له عبر الهاتف أن " الحكومة الإيطالية بعد سقوط حكومة سكالبا ومجيء حكومة سيكني  ذات البعد الاشتراكي اليساري و بعد اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر وتدويل القضية الجزائرية من خلال عديد  المؤتمرات على غرار مؤتمر باندونغ ومؤتمر جنيف بالإضافة إلى مكانة وتوجه أنريكو ماتي ببعده الاشتراكي ونظرته فيما يخص العلاقات الجزائرية الايطالية التي لم تكن اقتصادية فقط بل سياسية واستراتيجية واستشرافية لأنه كان يطمح إلى ربط علاقات اقتصادية ولم الشمل بين ضفتي البحر المتوسط، ساهمت بشكل كبير في تعزيز دعم الحكومة و الرأي العام الايطالي لفائدة الثورة الجزائرية  ليكون بذلك "أنريكو ماتيي" السند القوي والمحوري للثورة الجزائرية.

المصدر: الإذاعة الجزائرية /إيمان لعجل