الإذاعة الجزائرية
يستحضر الجزائريون وسائر الأحرار، هذا السبت، ثورة نوفمبر المجيدة في ذكراها الـ 71، ومعها تتجدّد رسائل الملحمة ملهمة العالم.
ومنذ الوهلة الأولى للاستيطان الفرنسي على أرض الجزائر قبل 195 سنة، انتفض الشعب الجزائري.
وبرز انتفاض الجزائريين بمقاومات شعبية متوغلة في كافة ربوع الوطن.
وعلى مدار أزيد من قرن ونيف، أكّدت حركة المقاومة معدن الشعب الجزائري الباسل الذي لا يعرف معنى الرّضوخ ويتنفّس الحرية.
وكانت أولى اللقاءات التنسيقية التحضيرية لثورة نوفمبر، في مارس 1954.
قيم بيان الفاتح نوفمبر
لأنّ النصر يقتضي العُدّة، وفّر كوكبة من الوطنيين بتوفير الأرضية بما أتيح لهم من قوّة ...
وجرى ذلك بأدوات بسيطة... لكن بإرادات من فولاذ وعزائم أقوى.
واعتُمدت اللجنة الثورية للوحدة والعمل منطلقاً لهم... وتوالت التحضيرات وانتهت بوضع وثيقة "بيان الفاتح من نوفمبر".
البيان الذي رسم ملامح الغاية الأسمى ... استقلال الجزائر، وُزّع باللغتين العربية والفرنسية.
وجرى تأسيس جبهة التحرير الوطني القائدة للكفاح المسلّح باسم جيش التحرير الوطني.
وأطلقت شرارة الفاتح من نوفمبر 1954 في قمم الأوراس، رافقتها عدّة عمليات عسكرية عبر كافة الجزائر.
وجاء بيان الفاتح نوفمبر بمبادئ وقيم ذات أبعاد إنسانية وحضارية وإعلامية عميقة.
ومن أبرز القيم التي عمل مهندسو الثورة التحريرية المجيدة على تكريسها، معاني الحرية والعدل والدفاع عن حقوق الإنسان.
هي معانٍ راسخة في مسار الكفاح المسلح الذي أوصل الثورة إلى مبتغاها.
وهي مبادئ نبيلة نصّت عليها أعرق المواثيق والإعلانات العالمية.
وكان بيان الفاتح نوفمبر فارقاً في نبذ الاستعباد وترسيخ قيم المساواة بين بني البشر.
وكان لبيان الفاتح نوفمبر دور كبير في ترسيخ قيم ومبادئ ثوابت الأمة الجزائرية.
وعليه، وجب علينا المحافظة على أسسه ومبادئه في المحافظة على عرى الوحدة الوطنية.
وجعله نبراساً تستنير به ثوابت وقيم هوية الشعب الجزائري.
الضربة التي كان وقعها كبيراً على فرنسا الوحشية وممارساتها الإجرامية في حقّ مدنيين عُزّل.
وكانت ردّة فعل فرنسا شنيعة، لكن الجزائريين واصلوا وكسروا أسطورة الجيش الذي لا يُقهر.
وبعد عام، وبالضبط في الشرق الجزائري، سُجّلت أبرز معالم الثورة، هَجمات الشمال القسنطيني التي ساهمت في تدويل القضية الجزائرية.
وسجّلت الجمعية العامة للأمم المتحدة، القضية الجزائرية في جدول أعمالها خلال العام ذاته.
وهج الصومام
جاء مؤتمر الصومام في 1956 ليعيد ترتيب الثورة بعد التضييقات الكولونيالية على أهمّ المنافذ...
وتوسعت الثورة المجيدة عبر التقسيم الشهير لستّ مناطق رئيسة عملت كلّها وفق المبادئ والتعليمات قيادة الثورة.
واستمرت هجمات الشعب الجزائري المناهضة لفرنسا.
وتضاعفت العمليات العسكرية وحرب العصابات في المناطق الكبرى.
ودوّت معركة الجزائر عام ألف وتسعمئة وسبعة وخمسين بضربات مركّزة واستهدافات فردية هزّت العاصمة.
وتخلّلها إضراب الثمانية أيام، بما ساهم في توسيع نطاق الثورة الجزائرية.
روح الصمود
الثورة التي أثبتت صمودها أمام مرأى ومسمع الصحافة الدولية والبعثات الدولية، قادها وسيّرها مثقفون وحرفيون.
وتلاحمت كافة شرائح الشعب في كل فجٍ عميق، على عكس ما روّجه أزلام الاستعمار.
العمليات المتتالية والمتوالية التي أطاحت بفرنسا، أُجبرت شارل ديغول على إلقاء خطابه الشهير عام ألف وتسعمئة وثمانية وخمسين.
ودعا ديغول جبهة التحرير علناً إلى المصالحة.
وترتّب عن الاستسلام الفرنسي، اعلان الحكومة الجزائرية المؤقتة في التاسع عشر سبتمبر من عام ألف وتسعمئة وثمانية وخمسين بالقاهرة.
ذلك لم يردع فرنسا المغتصبة التي واصلت حرب الإبادة أربع سنوات أخرى...
لكن بسالة ثوّار الجزائر أرغمت باريس على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
انهاء الاستعمار البغيض
كان توقيع اتفاقية ايفيان في الثامن عشر مارس من عام ألف وتسعمئة واثنين وستين.
الاتفاقية أثمرت وقف اطلاق النار وعجّلت بإنهاء استعمار بغيض دام 132 سنة.
الثورة الجزائرية هزمت الكولونيالية وتوّجت بفجر الاستقلال في الخامس من جويلية من عام ألف وتسعمئة واثنين وستين.
ملحمة الثورة الجزائرية كانت ضريبتها باهظة بلغت المليون ونصف مليون شهيد ...
وأتى الاستقلال بعد تضحيات جسام وظروف قاسية.
واليوم نحتفي بالذكرى الـ 71 لاندلاع الثورة المجيدة، ثورة الأحرار...
الأحرار الذين نبضت الحرية في أعماقهم وعزموا على أنّ ما سُلب بالقوة لا يُسترجع إلاّ بالقوة.
وكسرت بطولات الجزائريين، أوهام فرنسا، مبرهنين على تشبثهم بأرضهم ... بجزائرهم وجزائريتهم.
ولا يزال البواسل يحرسون الجزائر المحافظة على شموخها.
وتظل الجزائر ذات الهيبة والجلال بماضيها التاريخي التليد والثوري المجيد.
وستبقى الجزائر مهداً للأبطال الأشاوس وعشّاق الحرية الذين وجدوا فيها الملاذ الدافئ.
وستبقى الجزائر المنتصرة .... جزائر كل الشموس.
رابــــح هوادف
