شكّلت زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، ستافان دي ميستورا، إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين، فرصة لتوجيه رسائل "قوية" و"هامة" إلى الهيئة الأممية للتعامل بـ "جدية" مع القضية الصحراوية، وتفعيل مخطط التسوية الأممي، بما يلبي تطلعات وآمال الشعب الصحراوي لتقرير مصيره.
في هذا الإطار، سمحت سلسلة اللقاءات والاجتماعات التي أجراها المبعوث الأممي مع القيادة الصحراوية ومسؤولين صحراويين وفعاليات المجتمع المدني الصحراوي، بالتأكيد على الاستعداد للتعاون مع الأمم المتحدة للدفع بالعملية السياسية المتعلقة بتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية.
وضمن رزنامة اليوم الثاني والأخير من زيارته، اجتمع المبعوث الأممي مساء الأحد مع الرئيس الصحراوي، الأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، بمقر الرئاسة الصحراوية، حيث جرت المحادثات في اجتماع مغلق، بحضور ممثل جبهة البوليساريو بالأمم المتحدة، سيدي محمد عمر.
وكان رئيس الوفد الصحراوي المفاوض، خطري أدوه، أكد خلال لقائه للمرة الثانية بالمبعوث الأممي أنّ "المغرب ما زال يتمادى في سياسة الهروب إلى الأمام"، في حين عليه اليوم "أن ينزل من برجه العاجي ويقبل بممارسة الشعب الصحراوي حقه في تقرير المصير، باعتباره المخرج الإجباري والوحيد".
في السياق ذاته، التقى المبعوث الأممي السبت الماضي في اليوم الأول من زيارته برئيس هيئة الأركان العامة لجيش التحرير الصحراوي، محمد الولي أعكيك، بالشهيد الحافظ بمخيمات اللاجئين الصحراويين، حيث شدد المسؤول الصحراوي على أنّ رسائل الجيش الصحراوي "تنصب حول ضرورة أن تلتزم الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي بتطبيق الشرعية الدولية والإسراع في إيجاد حل عادل للنزاع في الصحراء الغربية، بما يضمن حق تقرير مصير الشعب الصحراوي في حصوله على الحرية والاستقلال".
المغرب يتلاعب بقرارات الشرعية الدولية
حمّل أعضاء المجلس الاستشاري للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، المغرب "مسؤولية التلاعب بقرارات الشرعية الدولية مند تعيين أول مبعوث للصحراء الغربية، في ظل غياب رد فعل جاد من طرف الأمم المتحدة"، مؤكدين استعدادهم "مجددا للتعاون مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن في سبيل إيجاد مخرج للقضية الصحراوية العادلة، شريطة توفر النية لدى هذه الهيئة التي تعلق عليها الشعوب آمالاً في الحرية".
وأوضح رئيس المجلس الاستشاري الصحراوي، أحمد إبراهيم لمغيفري، بأنّ "الأمم المتحدة ومجلس الأمن يتعين عليهما اتخاذ قرارات شجاعة في سبيل إيجاد حل عادل للنزاع في الصحراء الغربية الذي طال لأكثر من 47 سنة، ويدفع الشعب الصحراوي ضريبته من خلال الانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان بالمدن الصحراوية المحتلة والمعاناة التي مست كل أطياف الشعب الصحراوي حتى بمناطق الشتات، والظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون الصحراويون".
وفي اليوم الأول من الزيارة كانت للمبعوث الأممي العديد من اللقاءات خصّ بها الوفد الصحراوي المفاوض برئاسة مسؤول التنظيم السياسي لجبهة البوليساريو، خطري أدوه، رفقة وزيرة التعاون الصحراوية فاطمة المهدي، وممثل جبهة البوليساريو في الأمم المتحدة، سيدي محمد عمر. كما التقى الوزير الأول الصحراوي، بشرايا حمودي بيون.
بهذه المناسبة، أكد المسؤولون الصحراويون التزام جبهة البوليساريو بـ "السلام العادل تمامًا، كما هي ملتزمة بالدفاع عن حق الشعب الصحراوي بكل الوسائل من أجل تحقيق الأهداف المشروعة في تقرير المصير والاستقلال"، مجددين استعدادهم للتعاون مع الأمم المتحدة ومبعوثها الشخصي، في جهودهما الرامية إلى التوصل إلى "حل سلمي وعادل ودائم يقوم على الاحترام الكامل لحق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف، وغير القابل للمساومة في تقرير المصير والاستقلال".
وأجرى المبعوث الأممي العديد من اللقاءات في إطار "تعميق" المشاورات مع الجانب الصحراوي، شملت وفدا عن النساء الصحراويات، وممثلين عن الشباب الصحراوي الذين طالبوا بتكريس مطلب الشعب الصحراوي وحقه المشروع المتمثل بالأساس في التمكين من تقرير المصير ونيل الحرية والاستقلال.
وبعد زيارته لمخيمات اللاجئين الصحراويين، حل ستافان دي ميستورا، اليوم الاثنين بالجزائر، بصفتها بلدا مجاورًا وملاحظًا، بحسب ما تنص عليه خطة التسوية المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليًا)، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وخلال لقائه بوزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة -بحضور المبعوث الخاص المكلف بقضية الصحراء الغربية وبلدان المغرب العربي بالوزارة، عمار بلاني-، ناقش الطرفان "آخر التطورات السياسية المتعلقة بالقضية الصحراوية وآفاق تعزيز الجهود الأممية لاستئناف المفاوضات المباشرة بين طرفي النزاع، المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين يضمن تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه غير القابل للتصرف أو التقادم في تقرير مصيره، وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وعقيدتها في مجال تصفية الاستعمار".
ومن المقرر أن يواصل المبعوث الأممي مشاوراته بخصوص الملف الصحراوي بزيارة إلى موريتانيا بصفتها بلدا مجاورا ومراقبا، وذلك استكمالا لجهود الأمم المتحدة لإعادة بعث المسار السياسي في الصحراء الغربية وإيجاد مخرج سياسي للقضية الصحراوية.
وتندرج زيارة دي ميستورا الثانية للمنطقة -منذ تعيينه في أكتوبر الماضي-، في إطار "تعميق" المشاورات مع مختلف الأطراف، من أجل إعداد تقرير سيقدم لمجلس الأمن شهر أكتوبر القادم، بمناسبة تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء بالصحراء الغربية (المينورسو).
وفي شهر جويلية الماضي، عاد المبعوث الأممي إلى المنطقة بزيارته المغرب، في مسعى جديد للدفع نحو مفاوضات بين طرفي النزاع، غير أنه منع من قبل الرباط من زيارة الأجزاء المحتلة من الصحراء الغربية، وهو ما نددت به جبهة البوليساريو بشدة، مستنكرة "الغياب التام للإرادة السياسية من الرباط للمشاركة بشكل بناء" في عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية.