يعد النجاح الفني الذي حققه شيخ المالوف محمد الطاهر فرقاني الجانب البارز في مسيرته في حين يكمن الجانب الأبرز في أعماله مساهمته الكبيرة في الحفاظ على الهوية الوطنية تجلت من خلال إبداعه بأغاني في الطرب العربي الأندلسي وتألقه في أدائها إبان فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر.
ولد الراحل محمد الطاهر فرقاني سنة 1928 واستهل مشواره الموسيقي بالطرب الشرقي, قبل أن يعرج على المالوف والأغنية الكلاسيكية الجزائرية سنة 1951، حيث ساهم بشكل كبير في الحفاظ على الهوية الوطنية في الوقت الذي كان فيه الاستعمار الفرنسي مصمما على حرمان الجزائريين من قيمهم العربية الإسلامية من خلال محاولة طمس الهوية واللغة العربية.
ورغم صغر سنه آنذاك، قام عازف الكمان المبدع منذ سنة 1940 بتنشيط حفلات الأعراس محاولا نشر صدى اللغة العربية بين السكان من خلال الأغاني الشرقية وطابع الحوزي والأندلسي التي كان يؤديها في الأماكن العمومية، حسبما ذكره نجله سليم الذي أشار إلى أن والده قد انضم قبل ذلك إلى جمعية محمد دردور ''طلوع الفجر'' التي سمحت له بإثراء رصيده اللغوي.
كما ساهم عندليب أغنية المالوف في نشر حب الوطن من خلال الأغاني الوطنية التي أداها في الأماكن العمومية إبان الفترة الاستعمارية مثل ''أنا العربي ولد العربية'' كما لم يتوان في المشاركة في الدفاع عن الدين الإسلامي من خلال أدائه مدائح للرسول صلى الله عليه وسلم خلال فترة الثورة التحريرية على غرار "مدح خاتم الأنبياء" و"الصلاة على النبي الحبيب".
وكان محمد الطاهر فرقاني يقوم بنشاطه الثقافي في ذلك الوقت "تحت ضغط وتهديد المستعمر الفرنسي", مثلما أفاد به ابنه سليم, مؤكدا أن استمراره في عمله كان يمثل بالنسبة له نضالا ومقاومة ضد الاستعمار من أجل استرجاع السيادة الوطنية.
ويعتبر الحاج محمد الطاهر فرقاني أحد أبرز الأصوات في مجال الأغنية الجزائرية الكلاسيكية التي تعرف باسم الطرب العربي الأندلسي حيث أبدع بطريقته الخاصة في الحفاظ على الهوية الوطنية والدفاع عن التراث الجزائري منذ صغره ثم كرس حياته لتخليد ونشر هذا الفن والتراث دوليا, وفقا لما أشار إليه ابنه سليم.
وكان عندليب قسنطينة يتمتع بصوت استثنائي فريد وقوي، كما لا يزال يؤثر في الأجيال الصاعدة بموروثه الموسيقي الغني والأصيل وكذا بمشواره الخارق للعادة والذي تمكن من خلاله من الجمع بين الإبداع الفني وحب الوطن.
محمد الطاهر فرقاني تكون أثناء الثورة التحريرية وبرز بعد الاستقلال بالنسبة لسليم فرقاني، فإن والده كان فنانا لا يضاهى كما أن مصيره ظل مرتبطا بتاريخ مدينة قسنطينة حيث قطع طريقا طويلا محفوفا بالمخاطر لاسيما في فترة الاستعمار الفرنسي، حيث وضعت موهبته على المحك.
واعتبر سليم فرقاني أن مهمة والده محمد الطاهر غداة استقلال الجزائر كانت تتمثل في تخليد هذا الفن.
وتلقن عازف الكمان البارع المتأثر بشيخيه حسونة علي خوجة وبابا عابد، أساسيات ومبادئ أغنية المالوف بجميع أنواعها، المحجوز والزجول والنوبة وغيرها.