الخدمة الوطنية: محطات مشهودة وحضور متعدّد

شباب الخدمة الوطنية
03/08/2023 - 10:36

ساهم صدور قانون الخدمة الوطنية في السادس عشر أفريل 1968، في تمكين الجيش الوطني الشعبي من الاستفادة من جهود أبناء الجزائر وخبرات الجامعيين في تحقيق أهداف التنمية الوطنية، وتجلّى ذلك على أكثر من صعيد، وكان له الأثر في النهوض بالمناطق المحرومة.

تعتبر الخدمة الوطنية مؤسسة حقيقية أسهمت بقسط وافر على مدار أعوامها الـ 55 في تنفيذ برنامج تنموي واسع النطاق، على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ليسهم أفرادها إسهاماً كبيراً في تنمية الجزائر.

ويفخر الجزائريون بالمساهمات الفعّالة لشباب الخدمة الوطنية على امتداد الأجيال، في تحقيق الكثير من الإنجازات التي شملت تثمين المناطق الريفية، إنجاز السدود وترميمها، بناء منشآت الري وشق الطرقات، إقامة خطوط الكهرباء والهاتف، بناء القرى الفلاحية، المطارات، المستشفيات، المستوصفات (بما في ذلك المساهمة في إنجاز المستشفى المركزي للجيش بعين النعجة)، الأحياء الجامعية، المدارس والثانويات إلى جانب المساهمة في برامج استصلاح الأراضي وحملات التشجير، على غرار تلك العملية الضخمة التي أقيمت بمدينة سعيدة عامي 1970 و1971.

الإنجازات الأكثر وقعاً وحضوراً

تتمثل إنجازات الخدمة الوطنية الأكثر وقعاً وحضوراً في ما يلي:

* طريق الوحدة الإفريقية أو الطريق العابر للصحراء: مشروع استراتيجي عمل على فك العزلة عن مناطق الصحراء الجزائرية بإنجاز طريق عصري يربط المنطقة المغاربية بالساحل على طول ألفي كيلومتر، ويمثلّ هذا الإنجاز أحد أكبر الإنجازات التي ساهم فيها شباب الخدمة الوطنية في إطار مخطط تهيئة الإقليم والتكامل القاري.

الصورة
7

* السد الأخضر: نهض بتحدٍ كبير هو إيقاف زحف الرمال نحو الشمال، من خلال ورشة ضخمة للتشجير بشريط طوله 1500 كيلومتر وعرضه 20 كيلومتراً، أي ما يعادل ثلاثة ملايين هكتار تغطي الهضاب العليا وسفوح الأطلس الصحراوي.

الصورة
القرى الفلاحية

* بناء القرى الفلاحية: ساهم شباب الخدمة الوطنية في بناء ألف قرية فلاحية تضم سكنات لائقة وعصرية بكل مرافقها، وذلك بهدف استكمال الاستقلال في جميع الميادين وتغيير الواقع الاجتماعي المزري الذي عانت منه فئات واسعة من شعبنا.

الصورة
شباب الخدمة

ويستذكر الجزائريون والجزائريات بإكبار، المشاركة الحاسمة لشباب الخدمة الوطنية، في إزالة مخلفات وآثار مختلف الكوارث الكبرى التي ألمّت ببلادنا من زلازل وفيضانات، إلى جانب مساهمتهم في العديد من الأعمال الإنسانية كبناء هياكل استقبال لفائدة المسنين والمعوزين مثل مركز ديار الرحمة في بلدية بئر خادم (الجزائر العاصمة)، لتبقى الخدمة الوطنية دائماً عاكسة للعلاقة القوية والروابط الصلبة بين الشعب وقواته المسلحة، والتي تجسدت خلال فترات عديدة من تاريخ بلادنا.

تطورات واكبت التحولات

عرفت الخدمة الوطنية العديد من التطورات مواكبة للتحولات التي شهدتها بلادنا، خاصة فيما يتعلق بمدة الخدمة التي تمّ تقليصها إلى 12 شهراً بعد أن كانت فيما مضى 24 شهراً ثمّ 18 شهراً، وذلك في إطار احترافية الجيش وعصرنته، كما عرفت أيضا إنشاء مكاتب ومراكز موزعين عبر مختلف ولايات الوطن قصد تقريب إدارة الخدمة الوطنية من المواطن خصوصا القاطنين بالمناطق البعيدة والمعزولة.

وأكدت مجلة الجيش في عدد أفريل 2023، أنّ الخدمة الوطنية بأهدافها السامية، شكّلت ولا تزال منذ تأسيسها، مدرسة لصنع الرجال، إذ سمحت للملايين من شباب الجزائر من أجيال الاستقلال بالمشاركة في مسيرة البناء والدفاع عن الوطن، وإعدادهم باستمرار للمساهمة في الدفاع عن حياضها متى اقتضت الضرورة ذلك.

وفي افتتاحيتها الموسومة "الخدمة الوطنية مصدر إلهام للأجيال"، ركّزت مجلة الجيش على أنّ الأمة راهنت على شبابها حينما جرى سنّ قانون الخدمة الوطنية قبل 55 سنة خلت، مثلما راهنت عليه في فترة عصيبة من تاريخها لطرد المستعمر من البلاد، ولم يراودها أدنى شك ولو للحظة في قدرة شبابنا على مواجهة تحديات كبرى كان رفعها نظرياً من قبيل المستحيل بالنظر إلى الإرث الثقيل الذي خلفه احتلال غاشم عاث في بلادنا فسادا لأكثر من 130 سنة".

وتابعت: "الخاص والعام وقف على تلك القفزة النوعية التي خطتها الجزائر المستقلة، بعد إطلاق مشاريع استراتيجية ضخمة، على غرار السد الأخضر وطريق الوحدة الإفريقية والمنشآت المختلفة التي لا تزال شاهدة إلى اليوم على العمل الجبار المنجز في قطاعات عديدة، بسواعد شباب الخدمة الوطنية في عديد ولايات الوطن، مثلما شاركوا في الدفاع عن سيادة ووحدة التراب الوطني ووقفوا جنبا إلى جنب مع باقي مكونات الجيش الوطني الشعبي سداً منيعاً ضد الإرهاب الهمجي حينما كانت الدولة مستهدفة في وجودها وفي أسسها".

وأضافت أنّ "الشباب الجزائري اليوم، المتسلح بالعلم والمعرفة والاحترافية، قادر على رفع التحدي مرة أخرى، مستلهما من صنيع شباب فجر أعظم ثورة في القرن العشرين وشباب الاستقلال الذي حمل على عاتقه، فضلا عن المساهمة في الدفاع عن حرمة التراب الوطني، مهمة إعادة الوجه الحقيقي لجزائر كلها إرادة وعزيمة على تجاوز تبعات الماضي الاستعماري الأليم".

وأكدت أنّ "شباب اليوم الذي يشكل النسبة الغالبة للشعب الجزائري، كله ثقة بقدراته ومؤهلاته وكفاءاته، سيرفع سقف طموحاته عاليا في ظل التحديات الكبيرة التي يفرضها عالم اليوم والارادة الكبيرة التي تحدو الشعب الجزائري لأن تحتل بلادنا في المستقبل المنظور المكانة المستحقة لها في مصاف الدول القوية".

وفي وقت تحرز فيه الجزائر تقدماً بخطى ثابتة في مسار بناء الجزائر الجديدة بمساهمة بناتها وأبنائها، فإنّ الشباب الجزائري اليوم سيتمكن من كسب المعركة الجديدة مهما عظمت، مثلما فعل سليله بالأمس عندما تصدى لكل الصعاب والمحن.

حيثيات التجنيـد

يتمّ تجنيد المواطن المستدعى في الوحدة لتأدية الخدمة الوطنية تبعا لتكوينه ومؤهلاته المهنية ويتم تسريحه عند انتهاء المدة القانونية للخدمة الوطنية.

ويصنّف المواطن حسب مستوى تعليمه إلى:

طالب ضابط خدمة وطنية EOC، إذا كان حائزا على شهادة جامعية ليسانس أو أكثر.

طالب صف ضابط خدمة وطنية ESOC، إذا كان لديه مستوى يتراوح بين السنة الثالثة ثانوي كاملة والسنة الأخيرة للتخرج غير متوجة بالحصول على شهادة بمن فيهم الحاصلين على شهادة المدى القصير

طالب رتيب EG، إذا كان مستواه الدراسي يتراوح بين السنة الرابعة متوسط كاملة والسنة الثانية ثانوي (2) كاملة

جندي، إذا كان مستوى دراسته أدنى من السنة الرابعة متوسط

وتكون دورات التجنيد في:

الخامس عشر جانفي

الخامس عشر ماي

الخامس عشر سبتمبر

ويخضع المواطنون المجندون إلى القوانين والنظم العسكرية السارية المفعول بمجرد تجنيدهم وذلك يمنح لهم الحق في:

* تكوين عسكري ومهني (محتمل) وذلك حسب مستوى تكوينهم

* شبه راتب شهري حسب الرتبة العسكرية المحصل عليها من التكوين العسكري

* التكفل بالإيواء، التغذية والعناية الطبية ومنحة العجز عند اللزوم

* إعادة إدماجهم في مناصب عملهم الأصلية قبل ستة أشهر(06) من التسريح الفعلي

* الأخذ بالحسبان مدة الخدمة الفعلية في حساب الاقدمية في الخدمة المفروضة في الترقية والتقاعد

* اعتبار مدة الخدمة كدورة خبرة مهنية للتوظيف

* الأسبقية في الحصول على عقد التجنيد في صفوف الجيش الوطني الشعبي، مع التحفظ على استيفاء الشروط التي يحددها التشريع والتنظيمات الجارية

أدوار اجتماعية راقية

على مدار العقود الستة الأخيرة، اتسعت مشاركة أبناء الخدمة الوطنية في التنمية والتشييد الوطني، إضافة إلى تكريس المكانة المحورية للجيش في تنظيم الدفاع الوطني.

وجرى الاضطلاع بأدوار اجتماعية راقية كرّست الحضور الأصيل للسليل، وتجسّد ذلك عبر عمليات التشجير والإنقاذ والتكفل بالمنكوبين وغيرها.

وتعدّدت الانجازات التنموية للجيش الوطني الشعبي منذ ستينات القرن الماضي، فجرى بناء القرى النموذجية ومختلف مرافقها الحيوية، وتمّ تشييد السدود وإصلاح القديم منها، شقّ الطرق، حفر الآبار ومدّ الأنابيب، وربط أعمدة الكهرباء وأسلاك الهاتف.

وأسهم الجيش بقسط وافر في فك العزلة عن المناطق النائية وبناء المدارس والثانويات والجامعات، إضافة إلى انجاز عدّة مطارات مدنية وشق الطرق السريعة وخطوط سكك الحديد.

16 سبتمبر 1971... اليوم التاريخي

قدّم أبناء الجيش تضحيات جسام في سبيل إنجاز طريق الوحدة الإفريقية، ويعتبر السادس عشر سبتمبر 1971 يوماً تاريخياً لشباب الخدمة الوطنية الذين تحدّوا كل الظروف الطبيعية القاسية لتمتين الروابط والصلات الوثيقة بين الجزائر والدول الإفريقية.

وتكفّل الجيش الوطني الشعبي بدءاً من عام 1971 بإقامة حزام غابي لمكافحة ظاهرة زحف الرمال والتصحر نحو مدن الشمال، وكان ذلك عبر مشروع السد الأخضر الذي امتدّ على 3 ملايين هكتار وغطى سهول البادية والأطلس الصحراوي.

وجسّد الجيش الوطني الشعبي مشروع الألف قرية لتنمية المناطق الفقيرة والمحرومة، فجرى القضاء على الأكواخ وإعادة التوازن بين المدن والأرياف، وتحقّق النصيب الأوفى من المشروع، كما تمكّن الجيش الوطني الشعبي من تطهير جزء كبير من حقول الألغام التي خلّفها الاستعمار الفرنسي على طول خطي شال وموريس، بواقع 9 ملايين لغم.

وكان لأشاوس الجيش الوطني الشعبي حضور عظيم في المهمات الوطنية الكبرى، إذ بذلوا جهوداً مضاعفة في مختلف الكوارث الطبيعية التي شهدتها الجزائر وأبرزها زلزال الشلف في الـ 10 أكتوبر 1980، زلزال عين تيموشنت سنة 1999، فيضانات باب الوادي في الـ 10 نوفمبر 2001، وزلزال بومرداس في الـ 21 ماي 2003، فضلاً عن الأدوار الحاسمة التي نهضوا بها لفكّ الخناق على المناطق التي حاصرتها الثلوج والسيول في مواسم الشتاء الأخيرة. 

وجسّد الجيش الشعبي الوطني صورة عظيمة للتلاحم مع الشعب في الحرائق الغادرة التي شهدتها ولايتي تيزي وزو وبجاية خلال صائفة 2022، وارتقى 27 جندياً إلى الشهادة أثناء أداء مهامهم النبيلة، قبل أن يلتحق بهم عشرة شهداء في الحرائق الـ 97 التي طالت 17 ولاية في أواخر جويلية 2023.

رابـح هوادف – ملتيميديا الإذاعة الجزائرية