عادت في بحر الأسبوع الماضي قضية برنامج التجسس المعروف بـ "بيغاسوس" لدائرة الاهتمام بعد اعتراف شرطة الكيان الصهيوني بأن أجهزتها الأمنية أساءت استخدام هذا البرنامج في الداخل الإسرائيلي.
وتحدثت شرطة الاحتلال عن التحريات التي قامت بها وكشفت وجود انتهاك للقواعد وتجاوزات خلال عمليات جمع المعلومات والمراقبة السيبريانية وأعمال التجسس على خصوصيات مواطني الكيان الصهيوني.
وفي خضم تفاعل هذه الفضيحة وتصاعد اللغط بشأنها، سارع وزير رئيس حكومة الكيان الاسرائيلي نفطالي بينيت، لتهدئة المخاوف المتصاعدة في الداخل و حسم الأمر بالقول "نعم ، برنامج بيغاسوس مهمّ لنا و لكن لا يجب أن يتحول لأداة لتصيّد المواطنين الإسرائيليين"، ملمحا إلى احتمال ضلوع ساسة من حزب الليكود اليميني المتطرف بقيادة بنيامين نتانياهو، صاحب أطول مدة حكم في تاريخ الكيان.
وأظهر النقاش الجاري حاليا داخل الكيان الصهيوني مدى انزعاج السلطات من هذه الفضيحة وتداعياتها السياسية المحتملة في الداخل وتردي سمعتها في الخارج، وهي التي تقدم نفسها على أنها "واحة الديمقراطية" في الشرق الأوسط.
والغريب أن سلطات الاحتلال كانت قد تجاهلت في وقت سابق من العام الماضي الاتهامات الموجهة لها بتصدير هذه التكنولوجيا لعديد الدول المعروفة بسجلها الحافل والأسود في مجال انتهاك حقوق الإنسان. ويسود الاعتقاد بأن هذه الدول استغلت هذا التقارب مع الكيان للاستفادة من هذه التكنولوجيا قصد تعزيز القبضة الحديدية على المعارضين والناشطين السياسيين والإعلاميين وعائلاتهم بهذه الدول، وهو ما يعد انتهاكا صريحا لمبادئ وحقوق الإنسان.
وضمن هذا السياق، كشفت مصادر رسمية في تل أبيب بأن حكومات الاحتلال المتعاقبة وافقت على بيع برنامج "بيغاسوس" لـ 45 دولة في العالم ، تبين أن معظمها لم تلتزم بالقواعد والإجراءات المتفق عليها والخاصة بمكافحة الإرهاب والوقاية منه.
المغرب الولد المدلل للكيان الصهيوني
ومن المعلوم بأن نظام المخزن كان في مقدمة الدول التي حصلت على برنامج "بيغاسوس" المستخدم في مجال التجسس و المراقبة.
وتستخدم هذه التكنولوجيا العسكرية المتطورة في مراقبة الهواتف والاطلاع على الرسائل والصور وجهات الاتصال وتفعيل الميكروفون والكاميرا عن بُعد وتنزيل البيانات الشخصية للأشخاص المستهدفين.
وقد بدا جليا للمراقبين بأن تل أبيب سلمت هذا البرنامج للنظام المغربي مكافأة له على دوره التاريخي في تمكين الكيان العنصري في فلسطين المحتلة من التمدد والتوغل في كل من المنطقة العربية و القارة الإفريقية.
وليس خافيا بحسب نفس الملاحظين، بأن نظام المخزن يلتقي مع الكيان الصهيوني أولا في عدائه التقليدي للجزائر وثانيا لقضايا التحرر وحق الشعوب في تقرير المصير. وزيادة على ذلك، يوجد بينهما تحالف وتنسيق للمواقف في المحافل الدولية، بهدف حجب الدعم عن القضية الفلسطينية ووأد مشروع إحلال السلام وتقرير المصير في الصحراء الغربية.
وبالموازاة مع ذلك، تم رصد تعاون وتنسيق كبيرين في الميدان العسكري، وتبادل التجارب في مجال الاستيطان.
ويذكر بأن نظام المخزن يرفض الالتزام بالمبادئ التي قامت عليها منظمة الوحدة الإفريقية والتي تحولت مع مطلع هذه الألفية إلى "الإتحاد الإفريقي"، وتنص بنود الإتحاد على وجوب احترام الدول الأعضاء للحدود الموروثة عن الاستعمار، غير أن الجارة الغربية وعلى العكس من ذلك، تسعى جاهدة من أجل تكريس سياسة الاحتلال والأمر الواقع في الصحراء الغربية وأكثر من ذلك تحاول، بين الفينة والأخرى، التوسع على حساب جيرانها تماشيا مع ما تقوم به دولة الاحتلال الصهيوني منذ نشأتها.
المخزن يتجسس على مواطنيه ومناصري القضية الصحراوية
واستغل نظام الرباط برنامج "بيغاسوس" للتجسس على المواطنين في المغرب والمسؤولين على مختلف الأصعدة وكذا الشخصيات العامة والفنانين.
وجرت أيضا ملاحقة المعارضين والناشطين وخصوصا الثوار ورموز الحراك بمنطقة الريف، شمالي البلاد. واستعانت المخابرات المغربية بهذا البرنامج لملاحقة المناضلين الصحراويين والمنظمات الحقوقية المؤيدة لنضالهم، وشملت أيضا دعاة حقوق الإنسان في كل من اسبانيا وأوروبا والقارة الإفريقية باعتبارهم مناصرين للقضية الصحراوية.
وظلت هذه الأنشطة غير معروفة لدى الرأي العام الدولي حتى سنة 2021، عندما أقدمت بعض منظمات حقوق الإنسان ومنها منظمة العفو الدولية على فضح هذه النشاطات التجسسية التي يقوم بها نظام المخزن باستخدام برنامج "بيغاسوس".
وذكرت هذه المنظمة- التي وصفت الكيان الصهيوني في أحدث تقرير لها بأنه نظام للميز العنصري- بأن عمليات التجسس تكون قد شملت صحافيين ومدافعين عن حقوق الإنسان و14 رئيس دولة في العالم.
وقدمت منظمة العفو الدولية لائحة تتضمن خمسين ألف رقم هاتفي يعتقد أنها لأشخاص تم اختيارهم من قبل عملاء الشركة -المملوكة للكيان الصهيوني- لمراقبتهم وذلك على الأقل خلال فترة السبع سنوات الأخيرة.
"بيغاسوس" و قصة التجسس على الجزائر
لن نضيف جديدا بأن نظام المغرب لم يتوقف يوما عن محاولة التجسس على الجزائر منذ استقلالها عام 1962، باعتبارها -على حد وصف منظري السياسة الخارجية في الرباط- " دولة عدوة "، وقد نطق بذلك القنصل المغربي بوهران في ماي 2020.
وهذه العقيدة العدائية والمتجذرة في مفاصل وعقول قادة النظام القائم في المغرب مستغربة ومستهجنة بقوة من قبل الجزائر، لأنها ببساطة تتنافى مع سياسة الأخوة وحسن الجوار واليد الممدودة للجيران والأشقاء على حد السواء.
وتقوم السياسية الجزائرية على مبادئ وقيم إنسانية نبيلة غرستها ثورة نوفمبر الخالدة وسقتها دماء الملايين من الشهداء ومنها وجوب احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار وكذا دعم القضايا العادلة في العالم ومنها القضية الفلسطينية وحق تقرير المصير للشعب الصحراوي.
ومثل هذه القيم الإنسانية تغيض نظام المخزن ولا يمكنه أن يفقه فيها أو يهضم مضامينها بسهولة لأنها بلا شك تتناقض مع أحلامه وأطماعه التوسعية غير المشروعة وغير القابلة للتحقق في الزمان والمكان.
إن خيار الارتماء في أحضان العدو التاريخي للأمة يعتبر خطيئة كبرى وهو من دون شك محكوم عليه بالفشل، ولن يجدي نفعا الرهان على الكيان الصهيوني لقلب الموازين السياسية والعسكرية على الساحة المغاربية لأن هذه الأرض روت بدمائها راية الاستقلال.