يستذكر الشعب الصحراوي، اليوم الاثنين في الأراضي المحتلة والمخيمات وبالشتات، الذكرى 51 لاندلاع الكفاح المسلح، التي شكلت نقلة نوعية في مسار نضال الشعب الصحراوي من أجل استرجاع أراضيه من المستعمر الاسباني ومواصلة مسيرة النضال ضد المغتصب المغربي، ليؤكد مجددا على فشل المقاربة الاستعمارية في إخماد شعلة المقاومة وإسقاط تمسك الشعب الصحراوي بحقه غير القابل للتصرف ولا التفاوض في تقرير المصير والاستقلال.
وتعود ذكرى اندلاع الكفاح المسلح في العشرين ماي 1973 لتعزز الانتفاضة الشعبية الصحراوية من قوة ومتانة ووحدة الشعب الصحراوي وتفتح آفاقا جديدة أمام المزيد من تنويع أساليب الكفاح على المستوى السياسي أو الدبلوماسي أو المسلح لتكرس إلى الأبد حقيقة وجود الجمهورية العربية الصحراوية.
وقد عرفت انتفاضة الشعب الصحراوي محطات عديدة لا يمكن حصرها في عملية واحدة، على غرار عملية الخنقة باكورة بمنطقة لبطانة غرب منطقة الزاك التي شكلت بداية مسار الكفاح الصحراوي، عندما قررت مجموعة من المناضلين الهجوم على المركز الاسباني"الخنقة"، شرق مدينة سمارة، فكان الهجوم بمثابة تجسيد لقرارات اتخذت عشرة أيام من قبل، في 10 مايو خلال المؤتمر التأسيسي لجبهة البوليساريو، التي أقرت في قانونها الأساسي أن "الحرية لا تنتزع إلا بالسلاح".
وقد مكنت هذه العملية وما تلاها من عمليات عسكرية من شل الاحتلال الإسباني وجعله عاجزا على تطويق حركة الرمال والعمليات العسكرية، ولتدفع به في الأخير، تحت تأثير الضربات التي كانت تفاجئ الاحتلال من كل فجاج الصحراء الغربية، إلى الانسحاب من مستعمرتها لتفتح الباب أمام أطماع استعمارية جديدة.
وهكذا كان على جيش التحرير الشعبي الصحراوي، اعتبارا من نهاية سنة 1975، مواجهة اجتياح عسكري جديد شنه الاحتلال المغربي التوسعي وعدوانه الغاشم الذي لم يتوان في استخدام شتى أنواع الأسلحة المحرمة دوليا لقصف النساء والأطفال والمسنين بقنابل النابالم والفوسفور.
وأمام هذه الجرائم الوحشية ضد الإنسانية، قرر الجيش الصحراوي شن هجوم عام ضد قوات الاحتلال ليحقق بذلك انتصارات عسكرية وهذا رغم تواطؤ بعض الدول ووقوفها إلى جانب المغرب ودعمه بأفتك أنواع الذخيرة.
وانطلاقا من سنة 1979، كثف الجيش الصحراوي عملياته ووسعها وشن هجمات نوعية مكنته من التوغل إلى القواعد العسكرية المغربية بجنوب المغرب وأسر مئات العساكر المغاربة.
وأرغمت عزيمة القوات الصحراوية وفعالية هجماتها المغرب على إقامة جدار عازل يفصل بين الأراضي المحررة والمحتلة على طول 2.700 كلم، تم تعزيزه بأسلحة وخطوط مكهربة وملايين من الألغام المغروسة على طول جدار الذل والعار هذا.
ولم يمنع هذا الحصن الرملي من الدفع بالجيش الصحراوي لشن المزيد من العمليات العسكرية التي شكلت محطات نضالية في العيون والداخلة و السمارة و بوجدور و في مدن جنوب المغرب مثل أسا والزاك والطانطان وغيرها، مكبدة الاحتلال المغربي خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
وتمكنت وحدات الجيش الصحراوي، مدعومة بالعمل الدبلوماسي الناجح، من إرغام النظام المغربي على قبول مخطط السلام الذي أقرته الأمم المتحدة والذي تضمن وقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء حول تقرير المصير في الصحراء الغربية.
لكن رغم دخول وقف القتال حيز التطبيق، في السادس سبتمبر 1991، فإن المغرب لم يتوقف عن إقامة الحواجز وتجاهل اللوائح الأممية التي تضمنت ضرورة تنظيم استفتاء تقرير المصير، ضاربا بالشرعية الدولية عرض الحائط، بل لقد قرر الاحتلال العودة إلى الاعتداء العسكري المباشر ضد المدنيين الصحراويين في 13 نوفمبر 2020.
وبعد ما يقارب الثلاثة عقود من الصبر والمراهنة على مخطط السلام الأممي-الإفريقي لتصفية الاستعمار في آخر مستعمرة بإفريقيا، شكلت أحداث 13 نوفمبر في الكركرات، عندما اعتدت قوات الاحتلال المغربي على متظاهرين مدنيين صحراويين عزل بالثغرة غير الشرعية بالكركرات، نقطة تحول في موقف الصحراويين الذين لطالما غلبوا السلام على السلاح، حيث قررت جبهة البوليساريو استئناف الحرب لحماية شعبها من العدوان الغاشم المحتل والمضي في كفاحها المسلح إلى غاية استرجاع كل الأراضي المحتلة.
ومنذ استئناف الحرب، تتعرض قوات الاحتلال المغربي لقصف متكرر وشبه يومي من قبل وحدات جيش التحرير الشعبي الصحراوي، فيما يواصل الاحتلال التستر على الخسائر الجسيمة في الأرواح والمعدات التي يتكبدها جراء الهجمات.
ويحتفل الشعب الصحراوي اليوم بمرور 51 سنة على تأسيس جبهة البوليساريو وكذا اندلاع الكفاح المسلح وهو يحصد العديد من المكاسب السياسية والدبلوماسية على الصعيد الدولي، منها تعزيز مكانة عضوية الجمهورية الصحراوية في الاتحاد الإفريقي، إلى جانب ربح المعركة القانونية من أجل استرجاع ثرواته المنهوبة.