صرّح الأستاذ محمد عمرون، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بمجلس الأمة، بأن الدبلوماسية الجزائرية قد أثبتت مكانتها في الساحة الدولية منذ الاستقلال، مستندة إلى مبدأ احترام حقوق الشعوب وسيادتها.
وأكد عمرون، خلال نزوله ضيف على برنامج ضيف الدولية لإذاعة الجزائر الدولية على نجاح الجزائر في التوسط في عدة أزمات دولية، مشيراً إلى ضرورة استغلال كافة الفضاءات المتاحة لتعزيز دورها في حل النزاعات الإقليمية، والدفع نحو إصلاحات في المنظمات الدولية مثل مجلس الأمن لضمان تمثيل أكثر عدالة لدول العالم الثالث.
البداية التاريخية للدبلوماسية الجزائرية
أبرز عمرون في مستهل حديثه أن الجزائر حملت منذ الاستقلال عام 1962 حقيبة دبلوماسية ثقيلة بفضل التراكمات التي اكتسبتها في علاقاتها الدولية والإقليمية. الجزائر، كدولة تنتمي للعالم الثالث، استطاعت أن تظل ذات تأثير في النظام الدولي على مدار فترتين تاريخيتين مهمتين: فترة النظام ثنائي القطبية الذي ساد حتى أواخر الثمانينيات، وفترة النظام أحادي القطبية التي تبعته. رغم هذه التغيرات، تمكنت الجزائر من التكيف مع المتغيرات الدولية وتثبيت وجودها كدولة ذات سيادة وذات تأثير في القرارات الدولية.
التأثير الجزائري في النزاعات الدولية
تطرق عمرون إلى سجل الجزائر الدبلوماسي المتميز، والذي يتجلى في تدخلاتها الناجحة في حل العديد من النزاعات الدولية. أشار إلى أن الجزائر كانت من بين الدول القليلة في العالم الثالث التي استطاعت أن تحقق نجاحات دبلوماسية واضحة في عدة نزاعات دولية هامة. من بين هذه النجاحات، دورها الوسيط في النزاع العراقي الإيراني، ودورها في حل أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران، وأيضًا تدخلها الناجح في أزمات أفريقية مثل النزاع بين إثيوبيا وإريتريا والأزمة المالية.
وأضاف عمرون أن أحد أبرز إنجازات الدبلوماسية الجزائرية في السنوات الأخيرة كان تنظيم المصالحة الفلسطينية التي تمت في الجزائر عام 2022، وهي خطوة بارزة تعكس الدور الفاعل الذي تلعبه الجزائر في دعم القضايا العربية والإقليمية العادلة.
الثوابت الجزائرية في العمل الدبلوماسي
أكد عمرون أن الدبلوماسية الجزائرية استندت دائمًا إلى مبادئ ثابتة نابعة من بيان أول نوفمبر 1954، الذي حدد ملامح السياسة الجزائرية الخارجية. أبرز هذه المبادئ هو احترام سيادة الشعوب، خاصة الشعوب المستعمرة، ودعم حقها في تقرير مصيرها. أشار عمرون إلى أن الجزائر تمكنت عبر هذه المبادئ من التأثير في العديد من الفضاءات الدولية، مثل حركة عدم الانحياز والاتحاد الإفريقي، مما أكسبها دعمًا كبيرًا من الدول والشعوب التي تتطلع إلى العدالة الدولية وحقوق الإنسان.
كما أضاف أن الجزائر على الرغم من انتمائها لحركة عدم الانحياز، استطاعت أن تبني علاقات ثنائية متوازنة مع العديد من الدول الكبرى على أساس الندية، وهو ما جعلها شريكًا يحظى بالاحترام الدولي. وأوضح أن الجزائر بحكم موقعها الجغرافي وحدودها المشتركة مع سبع دول، نجحت في صياغة سياساتها الخارجية بما يتناسب مع بيئتها الإقليمية، سواء على مستوى القارة الأفريقية أو على مستوى العالم العربي ومنطقة المتوسط.
الدبلوماسية الجزائرية والتحولات العالمية
في سياق الحديث عن التحولات العالمية، أشار عمرون إلى أن الجزائر استغلت جميع الفضاءات الدولية المتاحة للدفاع عن مواقفها، لاسيما في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وأكد أن الجزائر، كعضو غير دائم في مجلس الأمن، استطاعت التأثير في النقاشات الدولية حول قضايا السلم والأمن، وخاصة القضية الفلسطينية. فقد ساهمت في تنظيم العديد من الاجتماعات الدولية لمناقشة الأوضاع الإنسانية في فلسطين وضرورة وقف إطلاق النار. في حين دولة جارة ترأست مجلس حقوق الإنسان ولم تقدم أي شيئ
وأشار عمرون إلى أن الدبلوماسية الجزائرية أصبحت تتميز بصراحة وندية أكبرفي التعاطي مع القضايا الدولية منذ تولي السيد عبد المجيد تبون رئاسة البلاد، وهو ما أنعكس في مواقفها الأخيرة التي أحرجت بعض القوى الكبرى. وأكد أن الجزائر لا تقبل بالسياسات الاستعمارية الجديدة أو الابتزاز السياسي، بل تدافع عن مواقفها بقوة في جميع المحافل الدولية.
التحولات الإقليمية والدور الجزائري
تحدث عمرون أيضًا عن التحديات الإقليمية التي تواجه الجزائر، مشيرًا إلى أن البلاد تقع في قلب منطقة مضطربة تشهد العديد من النزاعات المستمرة، مثل الأزمات في ليبيا ومالي والصحراء الغربية. وأوضح أن الجزائر تعمل جاهدة على دعم الجهود الدولية لحل هذه النزاعات، ولكنها أيضًا تظل يقظة لضمان حماية أمنها القومي ومصالحها الإقليمية.
في هذا السياق، لفت إلى أن الجزائر تسعى إلى تفعيل دورها في الدبلوماسية الاقتصادية، لجذب الاستثمارات العالمية وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وذلك من خلال تعزيز التعاون مع القوى الكبرى وتفعيل مكانتها في القارة الإفريقية.
إصلاح النظام الدولي ودور الجزائر
في ختام حديثه، شدد عمرون على ضرورة إصلاح النظام الدولي، وخاصة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، لضمان تمثيل أكثر عدالة للدول النامية والدول الإفريقية كما كان قد أكد عليه السيد رئيس الجمهورية عبد الجيد تبون في لقائه الإعلامي الاخير.
وأشار إلى أن الجزائر طالبت منذ سنوات بضرورة رفع الظلم التاريخي الذي تعرضت له إفريقيا في عدم حصولها على مقاعد دائمة في مجلس الأمن. كما أكد أن الجزائر تعمل مع شركائها الأفارقة على تقديم مبادرات لإصلاح النظام الدولي، وجعل إفريقيا لاعبًا أساسيًا في صناعة القرار الدولي.
واختتم عمرون حديثه بالإشارة إلى أن الجزائر ستواصل الدفاع عن الشرعية الدولية وعن حقوق الشعوب المظلومة، مؤكداً أن التاريخ سيحكم على مواقف الدول، وأن الجزائر ستظل دائمًا صوتًا للحق والعدل في الساحة الدولية.