من قوبلز إلى الخوارزميات.. أدوات التضليل الفرنسي-المغربي في استهداف الجزائر

من قوبلز إلى الخوارزميات.. أدوات التضليل الفرنسي-المغربي في استهداف الجزائر

غوبلز
02/03/2025 - 16:08

اكذب، ثم اكذب، ثم اكذب أكثر... حتماً سيصدقك الناس!"— كانت هذه العقيدة التي أرساها جوزيف قوبلز، وزير الدعاية النازي، حجر الأساس للحروب النفسية والإعلامية في القرن العشرين. لكن ما كان يتطلب أجهزة بروباغندا ضخمة، أصبح اليوم مجرد خوارزمية ذكية تضمن أن تصل الأكاذيب إلى ملايين المستخدمين قبل أن تتمكن الحقيقة حتى من النهوض من سريرها.

في قلب هذه الديناميكية، تجد الجزائر نفسها مستهدفة بحرب إعلامية معقدة، تديرها منصات تقليدية ورقمية من فرنسا والمغرب، حيث يُعاد إحياء نظريات الدعاية النازية لكن بأساليب أكثر تطورًا. لم يعد الكذب بحاجة إلى آلة طباعة، بل يكفيه منشور مدعوم بخوارزميات متلاعب بها، أو مقطع فيديو مفبرك يتصدر محركات البحث، أو وسم مغرض يتحول إلى "ترند" بين عشية وضحاها.

ما يجري اليوم ليس مجرد حملة تضليل عابرة، بل استراتيجية متكاملة تستغل كل أدوات العصر الرقمي، من الصحافة اليمينية المتطرفة إلى الجيوش الإلكترونية المأجورة، ومن التحكم في نتائج البحث إلى تدوير الشائعات عبر نخب محلية، ليصبح التضليل أكثر إقناعًا، وأكثر انتشارًا، وأكثر تأثيرًا.

فكيف تُدار هذه الحرب الإعلامية؟ وما هي الأدوات المستخدمة لإعادة إنتاج أكاذيب قوبلز بلمسة تكنولوجية معاصرة؟

منصات الهجوم الإعلامي: بين الإعلام التقليدي والرقمي

تشترك وسائل إعلام تقليدية ورقمية في هذه الحملة، حيث تعمل الصحافة الفرنسية، التي تهيمن عليها دوائر يمينية متطرفة، على تأليب الرأي العام الدولي ضد الجزائر من خلال تقارير تتبنى خطابًا تحريضيًا ممنهجًا، مدعومًا بمقالات ومداخلات تلفزيونية لخبراء وسياسيين معروفين بعدائهم للجزائر.

في السياق ذاته، تلعب منصات الإعلام المغربي دورًا تكامليًا عبر استضافة مواد دعائية موجهة ضد الجزائر، مدعومة بحملات إلكترونية على شبكات التواصل الاجتماعي. وأحد المؤشرات الخطيرة في هذا المجال هو التفضيل الممنهج الذي تمنحه الخوارزميات لمقالات ومنشورات مغربية عند البحث عن أخبار الجزائر، ما يعكس تحكمًا متقدمًا في اختراق طريقة عمل هذه الخوارزميات وممارسة ممنهجة لما يسمى " سيو القبعات السود" المخالف للقوانين وإرشادات جوجل.

نظرية "قوبلز" في الحرب الإعلامية ضد الجزائر

تتجلى في هذه الحرب تطبيقات واضحة لنظرية وزير الدعاية النازي جوزيف قوبلز، حيث يتم تصنيع أخبار مزيفة وتضخيمها عبر سلسلة من القنوات الإعلامية والمنصات الرقمية، لتتحول مع مرور الوقت إلى "حقائق" مزعومة تترسخ في ذهن المتلقي.

من بين الأساليب المستخدمة:

  • تزييف الأرقام والمعطيات، كما حدث في حملة التشكيك التي طالت تصريح وزير الاتصال الجزائري محمد مزيان بشأن وجود 9000 صحفي منخرط في الدعاية المعادية للجزائر.
  • الاستقطاب الإعلامي للنخب المحلية، حيث يُستدرج بعض المثقفين والصحفيين في الداخل لترديد نفس الخطاب الذي تروج له الجهات الخارجية، مما يضفي عليه نوعًا من "المصداقية الزائفة".
  • إثارة القضايا الداخلية ومحاولة تضخيمها، لإشغال الرأي العام الجزائري بقضايا ثانوية وتحويل اهتمامه عن الملفات الاستراتيجية.

اللوبي الإعلامي الفرنسي-المغربي ودوره في الحملة

تشير تقارير إعلامية إلى أن هناك غرف أخبار في أوروبا والخليج خاضعة لتأثير مباشر من اللوبي الإعلامي الفرنسي-المخزني، وهو تحالف غير معلن بين دوائر إعلامية يمينية في فرنسا وأذرع تابعة للمخزن المغربي، يعمل على ترويج خطاب معادٍ للجزائر بشكل منظم وممول.

الفضائح الإعلامية الأخيرة التي طالت الصحفي الفرونكومغربي رشيد مباركي في قناة BFMالفرنسية، وكذلك الصحفي المغربي عبد الصمد ناصر الذي طُرد من قناة الجزيرة، ليست سوى عيّنات عن هذا اللوبي الذي يتلاعب بالمحتوى الإخباري لخدمة أجندات محددة.

استراتيجية المواجهة: نحو إعلام مضاد وفعّال

في مواجهة هذه الحرب الإعلامية، من الضروري:

  1. تعزيز الإعلام الجزائري الرقمي والتقليدي، عبر تقديم محتوى عالي الجودة، مدعم بالتحليل والبيانات، لكسر هيمنة الأخبار المفبركة.
  2. التحكم في تدفقات المعلومات، من خلال الاستثمار في تحسين حضور المحتوى الجزائري على الإنترنت، والتصدي لمحاولات التلاعب بالخوارزميات.
  3. تفكيك الدعاية المعادية، عبر فضح الأساليب المستخدمة في التضليل الإعلامي وكشف مصادر التمويل والجهات المستفيدة من هذه الحملات.
  4. دعم إنشاء منصات لتدقيق المعلومات، هذا النوع من المنصات من شأنه المتابعة اليومية لما ينشر من حقائق مفبركة عن الجزائر خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي وفضحها.

إن الحرب الإعلامية ضد الجزائر ليست مجرد موجة مؤقتة، بل هي جزء من استراتيجية طويلة الأمد تستهدف التأثير على المواقف الجزائرية داخليًا وخارجيًا. إدراك حجم هذا التحدي يفرض تعزيز أدوات المواجهة الإعلامية، وتوحيد الجهود بين الفاعلين في القطاع لتفادي الوقوع في فخ التضليل والإرباك.

ملتيميديا الإذاعة الجزائرية / عمار شريتي 

تحميل تطبيق الاذاعة الجزائرية
ios