يستحضر الجزائريون، اليوم السبت، ذكرى رحيل العقيد عميروش آيت حمودة (1926 – 1959)، أحد رموز حرب التحرير الوطني وقائد الولاية الثالثة التاريخية.
وأجمعت شهادات المجاهدين على أنّ العقيد عميروش ظلّ استراتيجياً بارعاً وقائداً عسكرياً فذاً يتمتع بـ (كاريزما) وكان معروفاً بصرامته.
وتولى العقيد عميروش مسؤولية الولاية الثالثة التاريخية مطلع جويلية 1957، وواجه الجيش الاستعماري الفرنسي ببسالة وحاصره في معارك كثيرة.
وروى المجاهد الراحل حمو عميروش في كتابه "أكفادو: سنة مع العقيد عميروش" أنّ "سي عميروش أظهر صرامة أخلاقية كبيرة".
وتابع المجاهد الراحل حمو عميروش: "تلك الصرامة كانت ضرورية لمواصلة المعركة حتى النهاية".
وأردف: "على مدار الأشهر التي تعرفت فيها عليه، أدركت أنّه بدون عدالة وصرامة أخلاقية، لا يمكن لأي قضية أن تنتصر".
ونوّه المجاهد الراحل جودي عتومي في كتابه "العقيد عميروش بين الأسطورة والتاريخ" إلى ما أعقب مؤتمر الصومام (20 أوت 1956).
وقال: "أصبحت معايير المسؤول معروفة، فلا يمكن أن يكون مسؤولاً من يريد، ففضلاً عن الصفات العسكرية، من الضروري أن يمتلك صفات أخلاقية".
وكان يُشترط في المسؤول "امتلاكه العزيمة والشجاعة وروح التضحية، وكان سي عميروش يمتلكها جميعا".
وكان العقيد عميروش المكنّى "ذئب أكفادو"، يتنقل بشكل دوري في منطقة القبائل بأكملها لإعادة تنظيم وتنشيط المناطق والنواحي.
ولفت كتاب عتومي إلى أنّ "عميروش وضع استراتيجية جديدة لبعث الديناميكية في الوحدات المقاتلة".
وسمحت اعادة الهيكلة هذه، بأن يكون للولاية الثالثة 28 كتيبة في عام 1958، كانت جميعها مجهزة بأسلحة حربية.
وكان العقيد يراقب شخصياً العمليات العسكرية، ويصرّ على أخذ أسلحة العدو خلال المعارك.
ولتحفيز المجاهدين، خطرت للعقيد الثوري فكرة تكريم المتميزين في المعارك ومنح "وسام الشجاعة" على كل الأعمال البطولية العسكرية.
وذلك مثل استعادة الأسلحة، والقبض على الأسرى، وكان عميروش يقدّم باستمرار كمثال الأعمال البطولية التي يقوم بها مجاهدون.
وهو ما خلق منافسة بين الوحدات المقاتلة، كما بادر عميروش بانشاء كتيبة الهجوم للولاية، ومجموعات القتال على مستوى المناطق.
محاصرة الجيش الفرنسي وتعرّضه لنكسات مذلة
نظّم العقيد عميروش، فيالق الهجوم على مستوى القطاعات المستقلة.
ونتج عن هذه القوة تفوق جيش التحرير في الميدان بالولاية الثالثة، بما أدى إلى محاصرة الجيش الفرنسي وتعرّضه لنكسات مذلة.
في هذا الشأن، كتب عتومي: "شهد عام 1958 ذروة نشاط جيش التحرير الذي كثف نشاطاته العسكرية في ضواحي منطقة القبائل".
وفي محاولة يائسة لتضييق الخناق على الثوّار في العام ذاته، عزّز الجيش الفرنسي وجوده في الولاية الثالثة بإنشاء 546 نقطة عسكرية.
وأطلقت فرنسا سياسة الأرض المحروقة وشرع في احراق وتدمير مئات القرى وإفراغ مداشر بأكملها من السكان.
وللتعامل مع زيادة عدد جنود المحتل، أعدّ العقيد عميروش مخزون غطّى ستة أشهر من الإمدادات والأدوية والملابس.
وأمر بحفر المخابئ لإخفاء المؤونة، مع اصداره أمرا بتقسيم الوحدات القتالية إلى مجموعات تتكون من عشرة رجال.
الأعمال البطولية
بأمر من القائد عميروش، كثف مجاهدو الثورة من العمليات العسكرية في جميع أنحاء الولاية الثالثة التاريخية.
وشكّلت هذه العمليات "البرنامج اليومي للنشاطات"، على جعل "جعل منطقة القبائل بالنسبة للمستعمر، يسودها مناخ غير آمن إطلاقاً، وصار الجيش الفرنسي لا يتحرك فيها إلاّ في قوافل ترافقها المدرعات والطائرات".
وفي كتابه، يسرد عتومي سلسلة طويلة من الأعمال العسكرية التي كان "أكثرها إثارة" هجوم مجاهدي المنطقة الثانية بالولاية التاريخية الثالثة على المركز العسكري الحوران بقرية حمام الضلعة بولاية المسيلة في الرابع فيفري 1958.
وشملت الغنيمة التي تمّ استرجاعها، 35 قطعة سلاح فردي وسبع رشاشات من نوع 30 US، وسبع رشاشات من نوع 12/7 ومدفعين هاون وكمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة.
وبالإضافة إلى ذلك، تمّ أسر أربعة عشر جندياً فرنسياً بينهم الملازم أوليفييه دوبوس.
ومن الأعمال البطولية المسجّلة ضمن انتصارات العقيد عميروش أيضاً، الهجوم الذي وقع في العشرين أوت 1958، بالمنطقة المسماة "الطرق الثلاث" بالقرب من سيدي عيش (بجاية) ضدّ وحدة للجيش الفرنسي، التي قضى عليها المجاهدون واسترجعوا عشرات الأسلحة، وكمين اللاغن الذي سمح للثوار باسترجاع عشرين قطعة سلاح.
ومن الأعمال البطولية التي نفّذها الثوار تحت قيادة "ذئب أكفادو"، كمين قرب موقع لازوزن بأزفون، (تيزي وزو) استرجع بفضله جيش التحرير حوالي عشرين قطعة سلاح، ومعركة إعكورن (تيزي وزو) في الحادي والثلاثين أكتوبر 1957 ومعركة وإيمورين بأقبو (بجاية) في الثامن والعشرين جوان 1958، وغيرها.
وبعد كل هذه الأعمال البطولية، سقط العقيد عميروش في ميدان الشرف في التاسع والعشرين مارس 1959، إلى جانب العقيد سي الحواس في "جبل ثامر" بالقرب من بوسعادة، بعد معركة عنيفة مع قوات العدو.
ويتذكر المجاهدون أنّ "سي عميروش" بقي أسطورة يتغنى الجميع بعظمته ومزاياه وانتصاراته على العدو، مسجلين أنّه لغاية يومنا هذا، لا تزال النساء المسنّات يتذكرنه ويتغنين به، تخليداً لذكرى هذا البطل التاريخي.