وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها قبل 80 عامًا، بعد صراع دموي راح ضحيته الملايين، وبدأ العالم آنذاك في رسم ملامح نظام دولي جديد قِيل إنه سيُبنى على أسس احترام الحريات وحقوق الإنسان. وفي لحظة فارقة من التاريخ، رفعت بعض الدول الغربية شعارات زائفة تدعو إلى احترام الحريات ومبادئ حقوق الإنسان، غير أن شيئًا من ذلك لم يتحقق في ظل عالم باتت تحكمه الازدواجية في المعايير.
فبينما كانت الدول الغربية مزهوة بانهيار النازية في الـ8 ماي 1945، كانت تغض الطرف عمدًا عمّا يجري في الجزائر، حيث داست فرنسا الاستعمارية على الحريات الفردية بارتكاب إحدى أفظع المجازر في حق شعب أعزل كان همه الوحيد نيل الحرية وتحقيق الاستقلال.
وفي سياق دولي طغت عليه شعارات جوفاء تدعو إلى الحرية وتدعم مبدأ "حق الشعوب في تقرير المصير"، كانت نفوس الجزائريين مشحونة بالغضب تجاه المستعمر الفرنسي الذي اغتصب أرضهم. فخرج الأهالي في مدن سطيف، قالمة، وخراطة إلى الشوارع مطالبين بالحرية والاستقلال. لكن هذه المطالب قوبلت بالقمع، وتعرض الرجال والنساء، الشباب والشيوخ، وحتى الأطفال والرضع، لإحدى أشنع المجازر التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي الغاشم في الجزائر.
مضت 80 سنة على نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن العالم لم يستفد من دروس النازية. فبنفس شعارات الحرية والديمقراطية و"حق الشعوب في تقرير المصير" التي رُفعت آنذاك، يُنتهك اليوم القانون الدولي. وبنفس الشعارات، يتحدث مجرم الحرب بنيامين نتنياهو عن الذكرى الثمانين للانتصار على ألمانيا النازية، متجاهلًا ما تفعله "النازية الجديدة" بالفلسطينيين في غزة. كما يُغيَّب حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره في انتهاك صارخ للمواثيق الدولية، لتبقى مواقف الدول متأرجحة بين الصمت والتواطؤ تجاه ما يجري حوله.
لا تزال دروس الحرب العالمية الثانية لم تُستوعب بعد، وما زال العالم يتعامل بانتقائية مع القضايا الإنسانية. وما زالت بعض الدول الكبرى ترفع شعارات الحرية والعدالة في خطابها، بينما تغض الطرف عن انتهاكات جسيمة تُرتكب بحق شعوب بأكملها، كما يحدث اليوم في فلسطين والصحراء الغربية.
وسط المزاجية والازدواجية في معالجة القضايا الدولية، يبرز صوت الجزائر كواحدة من الدول التي تتشبث باحترام الشرعية الدولية، من خلال دعوة المجتمع الدولي لتجاوز نفاقه السياسي والكف عن الكيل بمكيالين في تعاطيه مع القضايا والأزمات الدولية.
المصدر: ملتيميديا الاذاعة الجزائرية-عمار حمادي