برزت الفرقة الفنية لجبهة التحرير (1958 – 1962)، بأدوارها القوية إبان الثورة التحريرية المجيدة.
فيما يلي عرض لسبع مسرحيات خالدات تفنّن "عبد الحليم رايس" و"مصطفى كاتب" ومجايليهما في ابداعها تحت ظلال ثورة نوفمبر.
كانت البداية حينما وجّهت جبهة التحرير الوطني في شهر نوفمبر 1957 نداءً إلى جميع الفنانين الجزائريين داعية اياهم إلى تكوين فرقة فنية ترد على المزاعم الفرنسية وتبرهن على عظمة الأمة الجزائرية، فتأسست الفرقة الفنية الوطنية في مارس 1958 بتونس تحت إشراف الفنان "مصطفى كاتب" (08 جويلية 1920 – 28 أكتوبر 1989).
بعد التأسيس في مارس 1958، قسّمت الفرقة إلى: قسم للممثلين، وآخر للمغنين، ونُصّب "كاتب" مديرا وكان ذلك في 18 أفريل من العام ذاته، آنذاك لبى النداء فنانون من عالمي التمثيل والموسيقى، وجاءوا من فرنسا، المغرب، تونس وسويسرا، ووصل عددهم إلى أربعين في موعد "الباردو" بتونس، لتبدأ مسيرة فنية نضالية أعقبت تدريبات دامت ستة أشهر كاملة من أجل فن تحرري موشى برسائل القضية العادلة.
ومن نتاج هذه المرحلة الخالدة في تاريخ المسرح الجزائري، تحوّل الفن إلى بندقية، فكانت مسرحية "نحو النور" التي نقلت لوحات من كفاح الشعب.
لاحقاً، تمّ إنتاج "أبناء القصبة"، "الخالدون" و"دم الأحرار".
ولم يكن قرار جبهة التحرير الوطني الجناح السياسي والعقل المدبر للثورة بفتح جبهات جديدة للثورة، عارضًا، بل أتى عن قناعة تجلت في مؤتمر الصومام أواسط عام 1956.
ففي شهر أوت قررت الجبهة تأسيس الفرقة الفنية وفريق كرة القدم أيضا، لتأتي محطة تونس بإشراف الفنان "مصطفى كاتب" (08 جويلية 1920 – 28 أكتوبر 1989) الذي كان ناشطًا مسرحيا في فرنسا.
وتعرضت عروض مصطفى كاتب للمنع في أحايين كثيرة بسبب مسرحه التحرري في عقر دار المستعمر.
وانتبهت السلطات الفرنسية لتحركاته هذه فمنعت فرقته من عرض مسرحياتها بضاحية "سان دوني"، بسبب الأفكار الوطنية التي تضمنتها أعماله على غرار "لوحات استعمارية"، "الحرية " و"أبناء القصبة".
غير أنّ ذلك لم يعيق "كاتب" عن فضح ممارسات المستدمر الفرنسي ضد الشعب الأعزل، فقدّم المزيد من المسرحيات مثل "الطريق الى النور" و"نحو النور".
واتصل "سي عبد القادر" مسؤول وفد فرنسا لجبهة التحرير الوطني بـ "كاتب"، فأثمر ذلك تكليف الأخير بتأسيس الفرقة الفنية رسمياً.
مسالك ومسارات
نحو النور: أول عرض كان في الـ 24 ماي 1958 بالمسرح البلدي لمدينة تونس، نص "عبد الحليم رايس" وإخراج "مصطفى كاتب".
هذه الأوبيرات عبارة عن لوحة فنية ضخمة أبرزت شاباً فدائياً (سيد علي كويرات) يتلقى تعذيبا شرسا بعد القبض عليه من طرف المحتل.
يُغمى على الشاب وتظهر امرأة تدعوه إلى القيام بجولة يرى فيها ذكرياته وأسفاره وأشعاره، لكن شدة ألمه ترجعه الى الواقع.
جاب العمل دولا عربية وأجنبية مثل "يوغسلافيا"، "الصين"، "الاتحاد السوفياتي "(سابقا)، فضلا عن مصر والعراق وليبيا.
"مونصيرا": أول عرض في الـ 29 جوان 1958 عبر جولة في التراب التونسي قبل التنقل إلى ليبيا ثم يوغسلافيا السابقة في جولة دامت عشرين يوما وامتدت إلى ما صار يعرف اليوم بجمهوريات البوسنة، كرواتيا وصربيا.
أبناء القصبة: أول عرض في السادس جانفي 1959 من تأليف عبد الحليم رايس وإخراج "مصطفى كاتب"، حكت عن الكفاح الجزائري داخل المدن، وقدّمت هذه المسرحية التي استلهمت من الواقع الجزائري، في تونس وعلى الحدود وكان ذلك على شرف ألفي جندي كانوا سيعبرون خط موريس، وخلال العرض طلب مصطفى كاتب من القائد العسكري أن يُفرغ الجنود بنادقهم من الرصاص خوفا من ردّات فعلهم تجاه بعض المشاهد كمشهد الاغتصاب.
الخالدون: أول عرض في الثاني عشر أفريل 1960 بمسرح تونس البلدي، عن نص "عبد الحليم رايس" وإخراج "مصطفى كاتب".
لم تركّز المسرحية على تضحيات جيل الثورة واستحضار مسار الثورة في المدن، بل كشفت بعدا إنسانيا هاما جداً.
تجلّى ذلك عبر علاقة الحب بين "حورية" و"محمد الصادق" أثناء الإعداد مع رفيقهما "سامي" لاغتيال قائد فرنسي في حي شعبي بالجزائر العاصمة.
وفي لحظة مفصلية للعملية الفدائية؛ تحوّل الحب إلى قربان وطني غال وصادق فقط من أجل الجزائر.
عُرض العمل في بكين بدعوة من "اللجنة الصينية للصداقة والتضامن مع الشعوب الإفريقية"، وفي الخامس ماي من العام ذاته وصلت الفرقة إلى الاتحاد السوفيتي سابقا، كما قُدّمت في المسرح الشهير "مولي تياتر".
دم الأحرار: عُرضت لأوّل مرة بتاريخ الـ 29 ديسمبر 1961 في مسرح تونس البلدي دائما، عن نص "عبد الحليم رايس" وإخراج "مصطفى كاتب".
وسافر طاقم "دم الأحرار" في شهري جوان وجويلية إلى المغرب والعراق، ودارت أحداث "دم الأحرار" في الجبل داخل معقل مجموعة من الثوار.
ورسّخت المسرحية قناعة الاستمرارية الثورية إلى غاية نيل الاستقلال.
نبض الفوانيس
روى أبطال الفرقة الفنية لجبهة التحرير، تفاصيل محطاتهم القوية في سماء الكفاح.
هذه الشهادات سجّلناها على هامش مهرجان المسرح العربي الذي احتضنته الباهية وهران في جانفي 2017.
إبراهيم دري: "عندما خرجت من السجن عام 1956 وجدت أنّ الظروف في العاصمة أصبحت جدّ صعبة، فذهبت إلى فرنسا ومن ثم إلى تونس حيث كانت توزّع المهام على كلّ من يرغب في خدمة الوطن العزيز والدفاع عنه.
وسألوني: "ماذا يمكن أن أفعل؟"، فأجبتهم: "لا أدري، ربّما يناسبني أن أكون في الحدود".
وأضفت أنني اشتغلت قليلا في الإذاعة، فأرسلوني إلى فرقة جبهة التحرير، ومثّلت في المسرحيات، كمسرحية "أبناء القصبة" في دور عون اتصال، وهو دوري الأوّل في عالم التمثيل بصفة عامة.
المسرح كفاح وهو ما لم يخف عن القادة الجزائريين، والدليل على ذلك ذكره في بيانات عديدة مثل بيان مؤتمر الصومام.
ورغم أنّ الجزائريين لم يكونوا يمتلكون شهادات كبيرة، إلاّ أنّهم غلبوا ساسة فرنسا، فكيف لا يفكرون في أهمية المسرح في تنوير العقول.. كانوا حقا عظماء.
ومن الذكريات العالقة في البال، يوم ذهبنا في جولة إلى ليبيا كنّا ننقل معنا الديكور الذي كان يتكوّن من كتل من الحديد
وحدث أن تعطّلت إحدى الشاحنتين الصغيرتين الحاملتين للديكور فاضطروا لربطها بالشاحنة الثانية وجرّها لمسافة 700 كيلومتر!
ذكرى أخرى طريفة حقا، طلب مصطفى كاتب منّي ومن سيد علي كويرات أخذ سترته البيضاء التي كان يرتديها بعد انتهاء العروض إلى منظّف جيّد
لكنّنا أخذناها إلى منظّف سيء كواها بالفحم فأصبحت صفراء وتهربّت أنا من مسؤوليتي في هذا الفعل وقلت لكويرات خذ السترة لكاتب
الذكرى التي لن أنساها أبدا والتي ليست لها علاقة بالطرافة يوم كنت في السجن، في آخر ليلة من أكتوبر 1956، إذ وقعت مظاهرات في السجن فأخذ كلّ المسجونين إلى مكان معيّن
وهناك التقيت برجل كان ينام بجانبي وبدأنا في الحديث معا إلى درجة أصبحنا فيها أصدقاء، هذا الصديق حُكم عليه بالإعدام
أذكر آخر مرّة رأيته فيها حيث كنت ذاهبا إلى العيادة في السجن والتقيت به وهو يقول لي "إبراهيم لا تخافوا " إنه جعفر لباد الذي كان ذاهبا إلى المقصلة حيث قطع رأسه، نعم هو ذاهب إلى الموت ويقول لي لا تخف !، فكيف لا تمشي في الطريق السوي وأنت ترى أصحابك يستشهدون بتلك الطريقة؟" .
الهادي بوليفة (الهادي رجب): "انضممت في سن الـ 13 إلى الفرقة الفنية، كل شيىء بدأ حين توجّهت من مدينة "الكاف" التونسية إلى إدارة التجنيد للالتحاق بالمجاهدين في الجبال أين تم رفضي لصغر سني...
بكيت بحرقة يومها، وأبديت إصرارا على النضال في صفوف جيش التحرير الوطني، إلى أن جرى توجيهي إلى الفرقة الفنية سنة 1958، حيث كنت أغني للجيش
حين سمع الملازم "بوعلان" صوتي وقال لي أنت لست للبندقية أنت لجهة أخرى، فكان النضال بـ "الرصاصة الفنية" بدلا من الكفاح المسلح، لشباب لبوا نداء الوطن، وآمنوا باستقلال الجزائر.
أنجزنا عدة أعمال أخرى، مثل "طال بعدك يا أمي" تأليف "محمد بوزيدي" وتلحين "أحمد وهبي" هي أول أنشودة أديتها قبل "قلبي يا بلادي لا ينساك" التي كتبها "مصطفى تومي" ولحّنها "مصطفى سحنون"
وهي الأغنية الوطنية الخالدة والتي ترددها الأجيال، ويستذكرها الجزائريون مع كل كلمة شجاعة مؤثرة في نفوس المتلقين.
كنت خائفًا في أوّل حفلة شاركت فيها ولكنّها كلّلت بالنجاح، فالكلّ كان يشجّعني وأنا صغير قليل الخبرة، ولاحقا قدّمت أغنيتي "بعدك يا أمي عذبني"، و"يا أمي ما تخافيش" اللتين كتبهما "محمد بوزيدي" ولحنهما "أحمد وهبي".
هل تعلمون أنّه في ليبيا كانت النساء تجلبن قففا من الذهب لأجل القضية الجزائرية، ونحن الفنانون نجمع كلّ ما حصلنا عليه ونعطيه للثوّار ليشتروا السلاح والدواء
وفي الوقت نفسه نعرّف بقضيتنا، فالشخص الواحد منّا كان يتقمّص عدّة أدوار من ممثل فمغنٍّ فراقص وحتى واضع للديكور
كلّ هذا لأجل الجزائر الحبيبة، وعوض أن يتكلّم الرصاص تتكلّم الآلة الموسيقية والحنجرة، فسلاح الفنّ أقوى من البندقية لأنّك تخاطب الشعوب الأخرى وتدحض مقولة فرنسا في أنّ الجزائريين "فلاقة".
عشنا ظروفا صعبة بعيدين عن الأولياء والوطن، والأخبار المؤلمة تلوح في أفقنا بين الحين والآخر، ومع ذلك كنّا مع بعضنا اليد في اليد لهدف واحد ألا وهو "الجزائر" ..
ومن الذكريات التي بقيت عالقة في أعماقي حين ذهبنا إلى يوغسلافيا (سابقا)، حيث وجدنا أن الكثير منهم لم يصدّقوا أنّنا بشر من لحم ودم، وهذا لقدرتنا على مواجهة فرنسا التي كانت تعدّ من أكبر قوى العالم فبدأوا يلمسون أجسادنا ليتحقّقوا أنّنا بشر ولنا هدف لن نتخل عنه أبدًا".
الطاهر بن أحمد: "أعيد بيتاً شعرياً أنشده جندي رحمه الله:
سجّل يا تاريخ لمعاركنا واكتب للبنين ذكرى للأباة.. واشهدوا عنا يا جبالنا مدى عَدّينا من الصعوبات"
ما لبّينا إلاّ نداء الوطن الجزائر، والواجب لا يستوجب الشكر أو الفخر.. أذكر يوم كنّا فيه في البوسنة، لم نكن نعرف أنّ سكانها من المسلمين
وتمت دعوة كلّ واحد إلى بيت من البيوت البوسنية، أمّا أنا ومصطفى سحنون فدُعينا إلى مدرسة
وقالت المدرّسة لطلبتها: "أنظروا إلى مؤيّدي الجزائر"، بعدها جلس مصطفى سحنون إلى البيانو وبدأت في غناء "جزائرنا"
وتأثرت أيماّ تأثر ببكاء وتأثّر البوسنيات بالأغنية إلى درجة أنّني بكيت أنا أيضا، فالسلاح الفني يؤلم أكثر من الرصاص لأنّه يصل إلى العقل والوجدان.
لقد مكثنا 45 يوماً في الصين و45 يوماً آخر في موسكو وضواحيها، ومسؤوليتي ومسؤولية جميع من كان في الفرقة كانت إظهار أنّ الجزائري له ثقافة، مهذب وليس "فلاقة"
حتى في بغداد لم يكونوا يعرفون أنّ الجزائري أبيض البشرة ولغته العربية ودينه الإسلام
أما في الصين فقد كانت معنا مترجمة صينية تتكلّم العربية، ومترجم صيني يتكلّم الفرنسية والليلة التي وصلنا فيها إلى بكين.
كان معنا فرحات عباس ومحمّد الصديق بن يحيى، وعزفت الفرقة الصينية "قم ترى" وأنا غنيت لهم أغنية بالصينية.
انخراطي في الفرقة كان واجبا وفخرا، والبداية كانت من فرنسا، حيث كنت أغني في مقهى ومن أهم ما كنت أغني:
" متنساوش هذي المحنة من عند الله جات
يا فاهم البيات ناس الجزائر في غبينة قوموا يا سادات
يا خواتي كونوا رجال وتفكروا لي في الجبال
سبلوا ومشاو للقتال مجاهدين أحرار وشجعان كبار
قامت رجال في الجزائر ضد الاستعمار"
أذكر أنّ صاحب المقهى وشى بي إلى الشرطة التي أتت، وضربني أحدهم ضربة أطارت العود من يدي.
في المقابل، جاءني مسؤول من الجبهة وقدّم لي 500 فرنك فرنسي وقال لي غدا تكون في بروكسل ولا تخبر أحداً بذلك.
وعندما التقيت بأصحابي من الفنانين عليلو واحسيسن، أخبرتهم أنّ لي جولة في بروكسل وعليّ الرحيل.
الطريف في الأمر أنّنا التقينا جميعا في بروكسل بدون أن يخبر أحدنا الآخر بالأمر الذي تلقيناه.
وسافرنا إلى بون حيث قدّم لنا مسؤول آخر جوازات سفر تونسية مزوّرة، وعندما وصلنا إلى مدينة باليرمو قبضت علينا الشرطة الإيطالية حيث أنّها شككّت في كوننا غير تونسيين.
وأرادت تسليمنا إلى السفينة الحربية الفرنسية التي كانت قابعة بالمنطقة.
والحمد لله اتّصل مصطفى كاتب رئيس الفرقة بمسؤول جزائري اتّصل بدوره بالرئيس التونسي بورقيبة الذي حذّر الإيطاليين من الإساءة إلينا.
وهكذا انتقلنا إلى فيلا "باردو" بتونس، حيث كانت تنتظرنا التدريبات الفنية لمدّة ستة أشهر، فكنا نطبخ لأنفسنا كنّا بحق جنودا مدنيين.
أنا أخذت مكان احسيسن الذي رحل باكراً، وكان من أهمّ مطربي الشعبي وغنّت معنا وردة عندما قمنا بجولة إلى مصر.
لم يكن هناك نساء إلى أن جاءت وافية وهندة زوجة طه العامري ومليكة زوجة سيد علي كويرات وخواسي الخيّاطة، وفي تونس عند عرض مسرحية "أبناء القصبة" رمت امرأة بنفسها من الشرفة لهول القضية".
أحمد حليت: "وُلد الفن لخدمة البندقية والثورة والبرامج التنموية، حيث كان يجب أن يكون للفن هدف.
ولهذا قامت الفرقة الفنية بدور كبير من 1958 إلى 1962 من خلال توعية الجيش في الحدود واللاجئين.
وأظهرت الفرقة كاتباً كبيراً وهو عبد الحليم رايس الذي يعتبر أوّل من كتب للمسرح الثوري.
في تونس وليبيا وفي دول أخرى، كان الإقبال عظيماً على أعمالنا، أمّا في الصين فكنا هناك في الوقت ذاته الذي اعترفت فيه الحكومة الصينية بالحكومة الجزائرية المؤقتة.
والتقينا في الصين مع وفد فرحات عباس، وكنّا نوعا ما السبب في تحقيق هذا الاعتراف، لا أقول السبب الأول وإنّما أحد الأسباب.
كنت أحد أعضاء الفرقة الفنية التي تكوّنت في المغرب، ومن ثم انضممنا كلّنا إلى الفرقة الكبيرة بتونس.
ومثّلت في مسرحية "أبناء القصبة" دور الضابط الذي يدخل في الفصل الثالث ويحدث جلبة كبيرة أثّرت في الحضور، وفي مسرحية "الخالدون" قمت بدور ضابط في جيش التحرير.
الذكريات غالية على قلوبنا ومنها ما حدث لي أثناء مشاركتي في مسرحية "أبناء القصبة".
وكان من المقرر أن أقتحم المنزل وأقتل ربّ العائلة الذي كان يمثّل دوره مصطفى كاتب ولم تكن لدينا رصاصات بيضاء، فنزعنا الجزء العلوي للرصاصة حيث الذخيرة ووضعنا مكانها "كرتونا".
ولكن عندما وضعت أصبعي على الزناد لم تشأ الرصاصة الخروج فاحترت ماذا أفعل، وتوجّهت مباشرة إلى كاتب وتظاهرت بضربه بمؤخّرة المسدس، وكاتب بذكائه فهم ما جرى وسقط أرضًا".
طه العامري: "الفن كان موجودا في زمن الثورة ليساند الكفاح المسلّح لأنّ السلاح يبقى الأهم والأجدى للوصول إلى أهدافنا، فلكلّ مساره وأدواته في تحقيق أهدافه.
كان من واجبنا إظهار أحسن وجه للجزائر، وأذكر عند ذهابنا إلى الصين كنا نلتقي بعد العروض في موائد مستديرة، ونتحدّث عن الثورة والثقافة.
لقد كنّا سفراء الجزائر، نعم كنا نرقص ولكنّنا كنا نرقص بشرف، فالقضية قضية وطن وتشريف للبلاد من خلال الفن بأنواعه العديدة.
والفن يعطي صورة عن الشخصية والتقاليد والمستوى الثقافي للجزائر وهو ما أدّته كوكبة من الفنانين المناضلين في جبهة وجيش التحرير الوطني".
مصطفى سحنون: "سلاحنا أقوى من سلاح الجائرين... والرب والسماء في عون أب الثائرين، والظل والزيتون والسلام للجزائريين ...
أبدأ بهذه الكلمات لأقول إنّه حيث تتوقّف رصاصة الجندي في ذاك الوقت، يذهب الفنان إلى أبعد من ذلك بالكلمة الطيّبة المعبّرة واللحن المميّز الشجيّ.
ولا أعتقد أنّنا كنّا سفراء للجزائر لأنّ كلمة سفير تعني وجود بلد مستقل وحر ولم يكن ذلك متوفرا آنذاك، بل أفضّل أن أقول إنّنا كنّا ممثلين عن الجزائر.
كنّا مناضلين وفنانين نجمع بين الفن والنضال معا، كان يغمرنا الإيمان بقدسية الثورة وأنّ الشعب الجزائري قام بإعلاء "لا إله إلا الله محمد رسول الله" والحمد لله نصرنا الله.
قرّر مسؤولو حزب جبهة التحرير الوطني تغيير السلاح والتوجه إلى كفاح جديد أوكلت مهمته للفرقة الفنية وهو الترويج للثورة التحريرية أخبارا وأحداثا في شكل أعمال مسرحية، غنائية وأوبيرالية.
عرفت الفرقة توافد العديد من المبدعين المقيمين في المهجر أمثال محمد زينات وكاتب ياسين والطاهر بن أحمد وعليلو وجعفر بك. وانطلقت الفرقة عبر التراب التونسي لرفع معنويات الجنود على الحدود.
لقد أعطت الجبهة صفعتين وليست واحدة للاستعمار، فشكّلت فرقتين للتمثيل وأخرى لرياضة كرة القدم، فأشهر لاعبي كرة القدم كانوا في فرق مشهورة ولبّوا النداء، وخاضوا بطولات تحت راية الجزائر.
وأتذكّر يوم عزفت الفرقة الصينية قطعتين من ألحاني "قلبي يا بلادي لا أنساك" والقطعة الثانية لفريد علي "أيما عزيزن" كانت أوركسترا سيمفونية خارقة للعادة ولا يمكن أن أعبّر عن شعوري وشعور كلّ أعضاء الفرقة ... كنّا نحلم".
ملف من اعداد: رابـــــــــــح هوادف
الإذاعة الجزائرية











