شكّل التموين بالسلاح والعتاد العسكري الانشغال الأول لجيش التحرير الوطني منذ اندلاع ثورة أول نوفمبر المجيدة.
المعطى فهمته قيادة الثورة بمباشرتها، خلال أصعب مراحل الحرب، فوضعت أسس صناعة حربية ناشئة ومتكاملة حمل مشعلها الجيش الوطني الشعبي.
وعلى مدار عقود، انطبع المسار بالوفاء والاقتدار والنجاح.
ومع احتدام الحرب التحريرية سنة 1956 وتوسع رقعتها، اعتمدت قيادة الثورة ذاتياً في صناعة السلاح محلياً مهما كانت الظروف.
وبدأ كل شيء عندما نجح مجاهدان من صفوف جيش التحرير الوطني في صنع قنبلة يدوية.
المنجز أثار اهتمام عبد الحفيظ بوصوف وهواري بومدين على مستوى الحدود الغربية للبلاد.
وقالا: "إذا ما استطاع هذان المجاهدان الشابان صناعة قنبلة يدوية، فبإمكانهما صناعة رشاش".
أتى ذلك وفق شهادة المجاهد الراحل، الرائد محمد بوداود، المدعو "سي منصور".
وتمّ انشاء مسبكة سرية سنة 1956 صنعت أول نموذج لما سُمي "القنبلة اليدوية الانجليزية".
وبطلب من عبد الحفيظ بوصوف، صُنعت "القنبلة اليدوية الأمريكية".
وتمّ بعدها مباشرة استحداث أولى الورشات السرية لصناعة السلاح بدءاً من سنة 1957 على مستوى الحدود الغربية.
وتخصصت هاته الورشات في تصميم وصنع الرشاشات وقطع المدافع وصناعة القنابل ومختلف القطع المكونة للرشاشات والمواسير.
وركّبت كذلك قطع الأسلحة الخفيفة الأخرى وخزّانات الذخيرة وتصنيع المواد الكيميائية.
وهي عملية أشرف عليها محمد بوداود مسؤول التسليح والتموين العام غرب الوطن أثناء الثورة.
وكانت وحدات صناعة السلاح في الجهة الغربية الأهم خلال الثورة.
وتمكّنت تلك الوحدات من تطوير نشاطها تدريجياً من صناعة وتحضير المتفجرات قبل بداية 1960 لتشمل انتاج وتصنيع مختلف الأسلحة.
وتمّ انتاج عشرة آلاف رشاش، فضلاً عن قذائف من عيار 60 ميلمتراً.
وجرى كذلك تصنيع حوالي خمسين ألف قذيفة بمعدل 6 إلى 7 آلاف كل ثلاثة أشهر.
نواة الصناعة العسكرية الوطنية
غداة الاستقلال، وتأسيس الجيش الوطني الشعبي، شرعت الجزائر في استغلال الخبرة المكتسبة في مجال التصنيع العسكري والصيانة إبان الثورة.
واستثمرت الجزائر ما تقدّم في بناء أولى الوحدات المتخصصة في صيانة التجهيزات العسكرية وتصنيع الأسلحة محلياً.
وجرى تشكيل نواة الصناعة العسكرية الوطنية، وهذا في سياق الوثبة الاقتصادية التي شهدتها الجزائر حينها لتقليص الاعتماد على الخارج.
وجرى ترجمة هذا التوجه ميدانياً باستحداث عدّة مصانع ومؤسسات في إطار عصرنة الجيش ودعمه بالموارد البشرية وترقية البحث العلمي العسكري.
وأثمر ذلك التطوير التكنولوجي لوحدات الجيش الوطني الشعبي بمختلف أسلحته.
استثمار على مستويين
منذ 63 عاماً، تمّ الشروع في تجسيد فكرة إنشاء صناعات عسكرية وطنية وبأيادٍ جزائرية.
وارتبطت العملية بتشكيل خلية تفكير مكلفة بتحديد تصور حول تنمية هذا القطاع الحيوي، فانطلقت الصناعات الوطنية للدفاع.
بالموازاة، جرى انجاز دراسات تقنية في مختلف فروع الصناعة العسكرية، ليتمّ تدعيم القطاع تدريجياً بقدرات جديدة لإعادة البناء والتصنيع.
وكُللت هذه الجهود بإنشاء مندوبية الإنجازات والصناعات العسكرية ثم مديرية الصناعات العسكرية على مستوى وزارة الدفاع الوطني سنة 1974.
وتولت هذه الهياكل وضع أسس صناعة عسكرية تخضع لمتطلبات تحديث الجيش ومواكبة التطورات التكنولوجية عالمياً.
وتمّ التركيز على تطوير قاعدة صناعية وتكنولوجية للدفاع وتقديم الدعم المتعدد والمتخصص للقوات المسلحة والاسلاك الأمنية المشتركة.
وشهدت السنوات الأخيرة قفزة ملحوظة في الصناعة العسكرية الوطنية مع التطور الدائم في نسبة الادماج الوطني وتعزيز الشراكة وتنويع المنتجات.
وهذا بدءاً من الأسلحة وعتاد الإمداد والمركبات على اختلافها وتجهيزات الاتصال والاشارة وشبكاتهما.
وتنامت منظومة التصنيع العسكرية بحرص ومتابعة من رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، السيد عبد المجيد تبون.
استراتيجية بعيدة المدى
تشرف مديرية الصناعات العسكرية لوزارة الدفاع الوطني، حالياً، على عدة شركات ومؤسسات في مختلف الفروع الصناعية.
من أبرزها:
- الآليات المدرعة والشاحنات والعربات رباعية الدفع ومختلف المركبات النفعية.
- الرادارات والكاميرات والمنظومات الالكترونية للدفاع والصناعات النسيجية العسكرية.
- الأسلحة الفردية والجماعية والمعدات والذخائر والقذائف والمواد المتفجرة وحتى البناء وإصلاح السفن.
وتفتخر الجزائر بهذه المؤسسات كونها القلب النابض للصناعة العسكرية الوطنية، على غرار مؤسسة الإنجازات الصناعية بسريانة (باتنة).
وتعتبر المؤسسة المذكورة، المتعامل الاقتصادي المتخصص في صناعة الذخيرة بمختلف العيارات والقنابل اليدوية والألغام المضادة للمدرعات.
وتتخصص المؤسسة ذاتها في تصنيع العديد من المعدات ذات الاستعمال المدني كقطع الغيار والمولدات الكهربائية الهجينة.
من جهتها، تختص مؤسسة البناءات الميكانيكية بخنشلة في إنتاج وتطوير الأسلحة الخفيفة.
وفي مجال الالكترونيك والرقمنة، تقوم مؤسسة قاعدة المنظومات الإلكترونية بإنتاج وسائل المراقبة الإلكترونية للحدود.
وهذا عبر منظومات الكشف الأرضي بواسطة البصريات والرادارات ذات المدى العالي وأجهزة الاتصال.
وتتولى مؤسسة إنجاز أنظمة المراقبة بواسطة الفيديو، وتوفير وتركيب وصيانة وسائل المراقبة وتأمين المداخل.
ويشمل ذلك، مختلف المنشآت الاستراتيجية والحساسة.
بدوره، يتولى الديوان الوطني للمواد المتفجرة مهمّة إنتاج وتطوير وتسويق مختلف أصناف المتفجرات.
ويرمي المسعى إلى توفير الشروط الأساسية والظروف الملائمة للمساهمة بفعالية في التحكم في التكنولوجيات المدمجة ضمن المنظومات الجديدة للأسلحة.
وتتطلع الجزائر إلى تعميق بناء وعصرنة القدرات الدفاعية وبلوغ الجاهزية والاستعداد الدائم لهياكل الجيش الوطني الشعبي.
الإذاعة الجزائرية











