بينما تحتفل العواصم العالمية اليوم الثامن ماي 2022، بالذكرى الـ 77 للانتصار على النازية وبينما تستذكر شعوب العالم " الحر" ما يسمى بالهولوكوست، تعود عجلة التاريخ بالجزائريين 77 سنة إلى الخلف لتذكرهم بهولوكوست فرنسي وجرائم إبادة فرنسية في حق آبائهم وأجدادهم الذين خرجوا للتظاهر سلميا مطالبين بالحرية والانعتاق من فرنسا الاستعمارية.
هول وفظاعة الجريمة المرتكبة من طرف فرنسا الاستعمارية في يوم الثامن ماي 1945 ولأن الحقد الفرنسي الذي تجلى ضد الجزائريين والجزائر يومها يأبى النسيان، قرر رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون جعل هذا اليوم " يوما وطنيا للذاكرة " التي تحتفظ بتاريخ 08 ماي 1945 في سجل المآسي المروعة التي شهدتها الجزائر منذ 1830.
تطهير عرقي .. وامتداد لقمع واسع
قبل عامين قال رئيس الجمهورية " إن مجازر الثامن ماي 1945 هي جرائم ضد الانسانية وضد القيم الحضارية، لأنها قامت على التطهير العرقي، لاستبدال السكان الأصليين باستقدام الغرباء " ، وسقط 45 ألف شهيد جزائري يوم " نفذت المقنبلات الجوية الفرنسية 300 غارة في يوم واحد على منطقة قسنطينة الجبلية ، كما تم تدمير مناطق أخرى بالكامل خاصة حيث المنازل القشية والطوبية ، فيما كانت طائرات أخرى من صنع بريطاني تطلق النار على السكان الهاربين وترمي القنابل على التجمعات السكانية في الأرياف والجبال " تنقل الصحيفة الأمريكية الشهيرة نيويورك تايمز في عددها الصادر يوم 25 ديسمبر 1945 .
ويؤكد المختص الفرنسي في قضايا الاستعمار، ماتيو ريغوست، أن "مجازر 8 ماي 1945 بسطيف وقالمة وخراطة، تأتي امتداد للقمع الواسع الذي رافق الغزو الاستعماري من أجل قهر المقاومات الشعبية من 1830 الى غاية القرن الـ 20، وتؤكد بأن الجرائم الواسعة النطاق كانت تندرج في سياق ترتيبات متكررة أقرها النظام الاستعماري".
لن تنس سطيف وخراطة وقالمة وعديد المدن الجزائرية المذابح التي ارتكبتها آلة القمع الوحشي الفرنسي في حق عائلات وقرى اُبيدت عن آخرها ولن ينسى الجزائريون وهم يحتفلون لثاني مرة باليوم الوطني للذاكرة، التاريخ الدموي لفرنسا الاستعمارية قبل مجازر الثامن ماي 1945، فهي ليست الجريمة الأولى ولن تكون الأخيرة لفرنسا المصابة بهستيريا المقاومات الشعبية والثورة التحريرية التي هزت أركان ملكياتها وجمهورياتها منذ 1830 ولعلّ من أبرز الجرائم التي ارتكبها الجيش الفرنسي الاستعماري وتجردت فيها فرنسا من كل إنسانيتها القيم الحضارية :
العوفية ..أول مجزرة فرنسية في الجزائر
تعد مجزرة العوفية التي ارتكبها الجيش الفرنسي في 6 أبريل 1832 أول عملية إبادة جماعية وحشية للغزو الفرنسي بقيادة الدوق دو روفيغو السفاح وتصنف ضمن أبشع الجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم.
وفي تفاصيل المجزرة التي راح ضحيتها 1200 جزائري، أعطى السفاح الفرنسي الأمر لقواته بسحق قبيلة العوفية وإبادة أفرادها لكونها اشتبهت فيهم دون دليل بأنهم قاموا بسلب مبعوثي العميل فرحات بن سعيد آغا الزيبان، الهدايا التي كانت موجهة إليه، بينما يشير المؤرخ محمد القورصو إلى شهادة الضابط بيليسيي، الذي شارك في عملية إبادة قبيلة العوفية، والتي كتب فيها أن "كل ما كان حي يقتل لم نكن نميز بين الكبار والصغار والرجال والنساء أو الأطفال كل ما اعترض الطريق مآله الموت".
مجزرة كتشاوة 1832..
تشهد أحجار وأركان مسجد كتشاوة أو مسجد الأربعة آلاف شهيد على أفظع جرائم فرنسا ضد القيم الحضارية واحترام الديانات، حيث أقدم الحاكم الفرنسي السفاح "الدوق دو روفيغو" نهاية العام 1832 على حرق المصاحف وهدمه على رؤوس 4آلاف مصلي جزائري اعتصموا بداخله رفضا لتحويله إلى كاتدرائية ورفضا لطمس هويتهم العربية والإسلامية والأمازيغية، قبل أن يحوله إلى اسطبل في محاولة لضرب كل ما يمت بصلة للشريعة الإسلامية والقضاء على مقومات الجزائر.
هولوكوست الأغواط ..
يعد مصطلح " عام الخلية" أو عام " الشكاير" الذي يستعمله ساكنة الأغواط أصدق تعبيرا ووصفا لأول جريمة إبادة جماعية باستعمال الأسلحة الكيميائية في العالم ،حيث ستستعمل لأول مرة في التاريخ كلمة "هولوكوست" ، في تقرير أرسله القائد العسكري الميداني إلى الجنرال ريفي، القائد العام للقوات الفرنسية في الجزائر آنذاك، يخبره أنه قد نفذ التعليمات الموجهة له بالإبادة الجماعية لساكنة مدينة الأغواط ذات 04 ديسمبر من عام 1852 بعد قصف المدينة بغاز الخردل، ردا على المقاومة البطولية التي قادها التلي بلكحل، و محمد بن عبد الله وناصر بن شهرة ، ومما قاله الضباط الفرنسيين عن هول المجزرة :
"عندما أخفينا كل الموتى لم يبق أحياء في المدينة إلا عساكر الحملة، كل البيوت كانت فارغة من أفقرها إلى أغناها، كانت كمدينة هجرت. وفي رحاب هذه المدينة السوداء الصامتة تحت أشعة الشمس، شيء يوحي أني داخل إلى مدينة ميتة وبموت عنيف.. كانت المجزرة رهيبة، المساكن والخيام والأزقة والطرقات مليئة بجثث الموتى أحصيت أكثر من 2300 قتيل بين رجال ونساء وأطفال. لقد كان لزامًا لفرنسا لهذا الهولوكوست لتثبت عظمتها للقبائل المحاربة في الصحراء".
ولن تنس الذاكرة الجزائرية أبدا سلسلة المذابح الوحشية التي ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر على غرار محرقة الظهرة بمستغانم ومجزرة الزعاطشة 1848وغيرها ولا مجازر نهر السين بباريس ذات 17 أكتوبر من سنة 1961 وغيرها من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم وأبرزها التفجيرات النووية في رقان التي لن تمحى آثارها الصحية والبيئية قبل ملايين السنين، واستعملت فيها فرنسا التنويرية والديمقراطية الجزائريين فئران تجاربها النووية.
موقع الإذاعة الجزائرية