جبهة البوليساريو... نصف قرن من الوجود ونموذج تحرري فريد

جبهة البوليساريو
09/05/2023 - 17:40

تعتبر الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (جبهة البوليساريو) نموذجاً تحررياً فريداً من نوعه بين حركات التحرر في العالم.، ومنذ تأسيسها يوم العاشر ماي 1973، تداول ثلاثة أمناء عامين على عاتقهم مسؤولية تسيير قاطرة الجبهة التي تشكّل النواة الأساسية لبناء الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.

اتسمت رئاسة هؤلاء لجبهة البوليساريو، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، بالمزاوجة بين النضال العسكري، وتسيير مؤسسات الدولة، الإدارية منها والتشريعية والقانونية.

وكان لقادتها المتعاقبين بصماتهم الخاصة في بناء المسار التحرري والسياسي الذي سارت عليه الجمهورية الصحراوية طيلة الخمسين سنة الماضية، ولا تزال ذكرى من رحلوا منهم نبراسا يضيء طريق الشعب الصحراوي ويلهم قياداته نحو الأهداف التي يتطلع إليها الصحراويون، وهي حق تقرير المصير والاستقلال.

الولي مصطفى السيد... فيلسوف الجبهة وقائدها الأول

منذ تأسيس جبهة البوليساريو، تولى الولي مصطفى السيد قيادتها، فكان مهندس المحطات الحاسمة في تاريخ الشعب الصحراوي بشهادة القادة الصحراويين، وذلك بفضل فكره ونباهته وحماسه واستماتته وإصراره وإرادته الفولاذية التي لا تلين.

وساهم في تأسيس الجبهة، رائدة الكفاح المسلح الصحراوي، مروراً بإعلان الوحدة الوطنية الصحراوية الذي سيبقى الصرح الراسخ الشامل الجامع لكل الصحراويين، وصولا إلى قيام الجمهورية الصحراوية، التي جسّدت الإرادة الشعبية في الحرية والاستقلال.

وعلى الرغم من الإمكانيات التي كانت شبه منعدمة في سبعينيات القرن الماضي، بعد خروج الشعب الصحراوي من قبضة الاستعمار الاسباني في ظل ظروف داخلية ودولية معقّدة وغير واضحة المعالم، إلاّ أنّ الولي مصطفى السيد لم يكن يؤمن بالمستحيل، أمام جلاء الحق وصلابة الإيمان وصدق الإرادة وثبات العزيمة وقوة الشكيمة.

وشاءت الأقدار أن يكون الولي واحدا من شهداء الواجب الذين أفنوا حياتهم لإعلاء كلمة الحق، فلم يستمر على رأس الجبهة سوى ثلاث سنوات (ماي 1973- جوان 1976).

وكان الولي مصطفى السيد رسالة سامية للجماهير الصحراوية التي لم يزدها إلاّ إلتفافاً حول الجبهة ودعم صفوفها وشحذ عزيمة المناضلين والمناضلات لمزيد من التضحية، وهو ما أثمر ديناميكية جديدة في كل الجبهات.

وتبقى ذكرى الولي مصطفى السيد منقوشة في قلب كل صحراوي أبي يستحضر في كل مناسبة مقولته الشهيرة "الثورة في الساقية الحمراء ووادي الذهب أعلنت اعتماداً على أشياء حتمية الوقوع، وليس على أشياء كانت موجودة بالفعل".

محمد عبد العزيز.. رجل السلام والمناضل الفذّ

إثر استشهاد الولي مصطفى السيد، خلفه محمد عبد العزيز كأمين عام لجبهة البوليساريو ورئيسا لمجلس قيادة الثورة إلى غاية وفاته يوم 31 ماي 2016.

وكان محمد عبد العزيز من مؤسسي الجبهة، فظل قائداً عسكرياً وأميناً عاماً لها ورئيساً لمجلس قيادة الثورة بعد انتخابه خلال المؤتمر الثالث للحركة التحررية المنعقد في أوت 1976.

وفي أكتوبر من السنة نفسها، أصبح رئيساً للجمهورية الصحراوية، واستطاع الرئيس الصحراوي الراحل المكنّى "ابن الصحاري"، طيلة فترة حكمه، التعريف بعدالة القضية الصحراوية في مختلف المحافل الدولية، حيث تمكّنت جبهة البوليساريو من افتكاك عدة اعترافات هامة بشرعيتها وبكونها الممثل الوحيد للشعب الصحراوي في كفاحه ضد المحتل المغربي من أجل استرجاع أرضه المغتصبة.

ويعتبر محمد عبد العزيز أحد رموز السلم وواحدا ممن امتشق الكلمة سلاحاً لخدمة الحرية والديمقراطية، فرهن حياته كلها في سبيل أن يستعيد وطنه وشعبه حقوقهما المشروعة.

ويلمس كل متتبع لمسيرة الرئيس الراحل مدى حرصه على سلك كل الطرق السلمية، فلم يدع باباً إلا طرقه ولا منبرا في المحافل الدولية إلاّ اعتلاه، مفاوضاً ومكافحاً من أجل أن يحظى مواطنوه بعدالة دولية تعيد لهم الكرامة وتسترجع حقهم، وما انفكّ يدعو المحتل المغربي للعمل من أجل الإسراع في تنظيم استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي.

وأمام لغة السلاح والترهيب والوعيد التي اعتادها الاحتلال المغربي في تعامله مع الشعب الصحراوي، صمد ومضى المناضل، سائرا نحو الهدف المنشود، يحشد التأييد لقضيته ويوسع الاعتراف بها بخطى ثابتة، تركت أثراً بارزاً في كل القارات وفي المحافل الدولية وخاصة الاتحاد الإفريقي وكله إيمانا بأنّ الجمهورية الصحراوية المستقلة الكاملة السيادة على ترابها الوطني تشكل عامل اعتدال وتوازن واستقرار في المنطقة.

 ورحل محمد عبد العزيز بعد معاناة طويلة مع المرض، تاركا وراءه سجلاً حافلاً، فقد كسب تعاطف شعوب العالم والمجتمع المدني والحقوقي لمؤازرة قضية شعبه المشروعة.

إبراهيم غالي... قامة تاريخية بأبعاد إنسانية

يعتبر إبراهيم غالي، الذي أعيد انتخابه أميناً عاماً للبوليساريو خلال المؤتمر الـ 16 للجبهة في جانفي الماضي، من أبرز قادتها السياسيين والعسكريين الذين يحظون بتأييد جماهيري داخل جبهة البوليساريو وفي أوساط مناضليها.

إبراهيم غالي من مواليد 19 أوت 1949 بمدينة السمارة بالصحراء الغربية المحتلة، ودرس علوم اللغة العربية وبعض المتون الفقهية.

وتولى غالي عدداً من المناصب الرفيعة في جبهة البوليساريو، فكان مسؤول شؤون الأمن والدفاع وعضوا في اللجنة التنفيذية وعضواً في الأمانة الوطنية، كما كان سفيراً للجمهورية الصحراوية بكل من إسبانيا والجزائر.

وشارك في الوفد الصحراوي المفاوض مع المحتل المغربي بدءاً من عام 1989، وانخرط ابراهيم غالي أيام شبابه الأول في الحركة الصحراوية ضد الاستعمار الإسباني، التي كان يتزعمها محمد البصيري، فكان أحد مؤسسي المنظمة الطلائعية لتحرير الصحراء الغربية عام 1969، وأصبح أمين سرها.

وشارك في تأسيس جبهة البوليساريو وفي أول عملية عسكرية يوم 20 ماي 1973، التي كانت بمثابة الشرارة الأولى لإعلان الكفاح المسلح ضد إسبانيا، ثم كان حاضراً بقوة بعد ذلك في كل المعارك العسكرية ضد قوات الاحتلال إلى غاية قراره التاريخي الأخير الذي أعلن فيه العودة إلى الكفاح المسلح منذ الثالث عشر نوفمبر 2020، بعد خرق المغرب السافر لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين الطرفين في 1991.