تحيي الجزائر، هذا الجمعة، اليوم الوطني للطالب المخلد للذكرى الـ67 لإضراب 19 ماي 1956 التاريخي، وهي مناسبة لاستذكار مكاسب الجامعة الجزائرية وإسهاماتها في عملية التشييد بعد الاستقلال والتوقف عند الإصلاحات التي تشهدها حاليا لجعلها قاطرة للتنمية في الجزائر الجديدة.
فبتاريخ 19 ماي 1956، قرر طلبة الجامعات والثانويات شن إضراب عن الدروس والامتحانات استجابة لنداء جبهة التحرير الوطني، أعقبه التحاق أزيد من 150 طالبا بصفوف جيش التحرير الوطني، من بينهم عمارة رشيد وعلاوة بن بعطوش وطالب عبد الرحمان، وذلك لدعم الثورة التحريرية والإسهام في إحداث نقلة نوعية في مسارها مع إسماع صوتها في المحافل الدولية وإعطاء بعد سياسي وإعلامي للقضية الجزائرية التي كانت بأمس الحاجة للكفاءات التنظيمية.
وكانت المحطة الموالية لهبة الطلبة الجزائريين، استخلافهم للمساعدين الفرنسيين وإنشاء صرح الجامعة الجزائرية بسواعد وعقول جزائريين لم يتعد عددهم في الجامعات آنذاك 400 طالب من أصل 9 ملايين نسمة مقابل 5 آلاف طالب فرنسي من أصل مليون نسمة.
كما ساهمت الدفعات الأولى لإطارات الجامعة الجزائرية المتحصلين على العلم والمتشبعين بالروح الوطنية والتجربة الثورية في المحطات الأولى لإعادة بناء الدولة، كما كان الإطارات الأوائل لسلك الدبلوماسية الجزائرية من الطلبة الذين لبوا نداء الثورة والتحوا بصفوفها.
وقد أعرب رئيس الجمهورية، في مناسبات عديدة، عن اعتزازه بما حققه الطلبة آنذاك وبما تحققه الجامعة الجزائرية بتوالي دفعات حاملي الشهادات الذين بلغ عددهم ما يقارب 5 ملايين خريج منذ الاستقلال وعن تقديره للدور الذي يؤديه المنتسبون للأسرة الجامعية في النهوض بالقطاع الذي حقق مكاسب هامة خلال السنوات القليلة الماضية.
وأولى رئيس الجمهورية من خلال التزاماته الـ 54 كل العناية والمتابعة لقطاع التعليم العالي في إطار رؤية تتوافق مع التحولات الجارية في العالم والتقدم المعرفي والتكنولوجي وتقوم على الاستثمار في الرأسمال البشري للأمة باعتباره أحد أكبر عناصر القوة المعول عليها.
وكان رئيس الجمهورية قد أشاد، في رسالة له بمناسبة ذكرى يوم الطالب العام الماضي، بالإسهامات التي قدمها المنتسبون لقطاع التعليم العالي، خدمة للجامعة الجزائرية، مشيرا على وجه الخصوص إلى إنجاز مدارس وطنية عليا في اختصاصات علمية دقيقة وبعث أقطاب الامتياز واستحداث العديد من مخابر البحث الجديدة والرفع من مستوى الأداء البيداغوجي وكذا تحسين نوعية التكوين.
وأكد رئيس الجمهورية، أن من شأن كل هذا أن يساعد على التمكين لجامعة " قادرة على احتضان الفكر الحر والحوار الجاد والنقد البناء والانفتاح على محيطها بمد جسور الشراكة مع المؤسسات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ثم على العالم الخارجي بالتفاعل مع كبريات الجامعات وتحقيق منجزات عديدة في البحث العلمي".
كما خصص رئيس الجمهورية عدة اجتماعات لمجلس الوزراء لدراسة ملف عصرنة الجامعة الجزائرية، مؤكدا في آخراجتماع على ضرورة اعتماد "نظرة علمية استشرافية مبنية على رؤية الجزائر الجديدة، المتمثلة في التخلي عن النماذج التقليدية في التعليم العالي والاهتمام أكثر بتنويع التخصصات، المواكبة للتوجهات العالمية.
وقد أمر رئيس الجمهورية بذات المناسبة، بمراجعة شاملة للقانون الأساسي لأساتذة التعليم العالي بما يتناسب مع الديناميكية والإستراتيجية الجديدة التي يشهدها القطاع وكذا مراجعة أجور الأساتذة والباحثين الجامعيين على اختلاف درجاتهم العلمية، كون هذه الفئة "ينبغي أن تحظى باهتمام خاص من الدولة، باعتبارها المادة الرمادية للجزائر وصمام أمانها في كل القطاعات".
وقد لقي هذا القرار ترحيبا كبيرا من قبل عدة منظمات نقابية اعتبرته "قفزة نوعية" للارتقاء بالجامعة الجزائرية وتمكينها من المساهمة في التنمية الوطنية.
وقبل ذلك، أسدى رئيس الجمهورية تعليمات بضرورة مراجعة منظومة التعليم العالي وفق رؤية توافقية للأسرة الجامعية، بما من شأنه عصرنة الجامعة وتعزيز الانسجام المسجل بين القطاع والمؤسسات الناشئة خدمة للاقتصاد الوطني، ومراجعة نظام الخدمات الجامعية من حيث الكيف والكم وفتح المجال للجامعات الخاصة وفق معايير ومقاييس عالمية.
وتماشيا مع هذه الجهود، برز جيل جديد من الكفاءات الجزائرية التي سايرت رؤية الجزائر الجديدة وتساهم حاليا في جعل الجامعة الجزائرية قاطرة للتنمية الاقتصادية والانتقال الرقمي حيث أن أزيد من 54 بالمائة من مشاريع تخرج الطلبة تم تحويلها إلى مشاريع ابتكارية، مما يسمح لحامليها بتحويلها إلى مؤسسات ناشئة أو مصغرة، كما أن حوالي 560 مشروعا للطلبة الجامعيين مؤهل لأن يكون مؤسسات ناشئة مما سيسهم في خلق ديناميكية اقتصادية واجتماعية على المستوى الوطني.