صدرت الطبعة الثانية من رواية "حتى مطلع الشغف" للكاتب موسى برهومة، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، بعد أن كانت الطبعة الأولى قد صدرت عن المركز الثقافي للكتاب في الدار البيضاء وبيروت عام 2017.
تتناول الرواية مفهوم الحب من زاوية تأملية فلسفية، من خلال حكاية صحفية ترغب في كتابة رواية، فتشرع في استذكار تجارب شخصية لها ولسواها عبر تيارات وعي تجعل الأصوات تتعدّد في الرواية. وفي تعدّد الأصوات تتكاثر أشكال التعبير عن الحب والرغبة والشهوة. كما تنهمك الرواية في معاينة فكرة الخيانة من زاوية الأخلاق الفردية، وفي منأى عن ذهنية التحريم والإدانة.
تنهض الرواية على قصة حب جمعت صحفية ذات أصول مسلمة، بشاب مسيحي، وظلت متعلقة به حتى بعد زواجها، فتقرّر، في لحظة يقظة مباغتة، البحث عن حبها الأول واللحاق به، فتخوض رحلة مضنية، في شكل من أشكال الخلاص، ورغبة في عناق شكل مثالي للحب الأول. لكنّ عقبات تحول دون أن تصل الكاتبة/ البطلة إلى ما تصبو إليه في رحلتها نحو الفردوس المتخيّل، لذا تشرع في التساؤل:
"أليس الحبُّ دينَ البشريّة؟ أليست عيونُ العشّاق الفيّاضة بالصمت المقدّس أكثرَ بلاغة من كلّ الشعائر، والشعارات، والرموز التي يختبىء وراءها الكره والحقد والبغضاء؟" ثم " كيف يتمزّق قلبان عاشقان لأنّهما لم يتعمّدا في الماء ذاته، وتحت سماء الأيقونة نفسها، مع أنهما نهلا شهدَ الرّضاب من فم الحبّ واللهفة، فجسّدا إلهيّة الإنسان وهو يعانق الكون؟".
الرواية تنأى عن البناء التقليدي في السرد وبناء الحدث، وتميل إلى أن تكون أشبه بـ"رواية أفكار" تمتزج فيها المشاعر بالفلسفات، من دون أن تسعى إلى التشبّث بيقين نهائي، إذ يمكن أن يلمس القارئ أنّ الرواية لا تتعلّق بالحلول السعيدة، بل تبقى على امتداد صفحاتها، تطرح الأسئلة الجريئة المتصلة بنداءات الجسد والوجود، فتقدّم الشكوك من دون إطلاق أحكام أخلاقية جازمة. كما أنها، في غمرة ذلك، تمتحن سؤال الحب، وإن كان حقاً أمراً حقيقياً، أم أنه محض يوتوبيا، وشهوة مضمَرة.
وفي كتابته على الغلاف الخلفي للرواية، يقول الناقد فخري صالح "في نصّ يمزج الحكاية الشخصيّة للبطلة، برواية مكتوبة لا تكتمل فصولها، وتأمّلات فلسفيّة وسيكولوجيّة، يحاول الكاتب الإضاءة على دواخل شخصيّته الروائيّة، ومشاعرها المتناقضة، وسعيها إلى التفلُّت من قبضة التقاليد التي تزهق روحها، وتخنق شغفها، وتحاصر حبّها القديم الذي ينبعث من رماده، كطائر الفينيق، أكثر قوّة وجنوناً، ورغبات تفور، وتدفع صاحبتها لترك أسرتها، ونجاحها، الذي حقّقته سنة وراء سنة، لتلتحق بحبيبها الذي لا تعلم شيئاً عن مشاعره الحاليّة، أو أوضاعه العائليّة".
ويضيف صالح "تذكّرنا الرواية، وهي تنسج قدَر بطلتها، بأقدار بطلات روائيّات سابقات في الرواية العالميّة، بـ"أنا كارنينا" للروسيّ تولستوي، و"مدام بوفاري" للفرنسيّ غوستاف فلوبير".
أما الناقد د. محمد عبدالقادر، فكتب في مقدمة الرواية قراءة نقدية قال فيها: "لقد تلاعب الكاتب موسى برهومة بالزمن تلاعب روائيّ محترف وسارد متمرّس يوهم قارئه بأنّه يشيّد مبنى فنيّاً بأحداث وتطوّرات كثيرة، لكنّه في حيلته الفنيّة يستخدم وسائل حشد الذاكرات بالخبرات الماضية، والحوار مع الذات، ومع الطرف الآخر، علاوة على أسلوب الاعتراف المباشر والصريح. إنّ هذا الإيهام بالحركة من دون حراك فعليّ هو مصدر من مصادر الإعجاب بالقيمة الروائيّة لهذا العمل الذي يمكن لي أن أصنّفه بالانتماء إلى السرد الروائيّ القصير".
وأردف عبدالقادر: "على أنّ مصدراً مهمّاً للإمتاع والإدهاش في هذه الرواية يتمثل في جماليّات اللغة الروائيّة، إذ إنّ القارئ سرعان ما يجد نفسه أمام لغة مكثّفة، ذات ظلال شعريّة، مقتصدة في كلماتها، باذخة في إحالاتها وصورها الفنيّة. وأخال أنّ اللغة هي أحد المرتكزات الفنيّة الرئيسية في جماليّات هذه الرواية، شكلاً ومضموناً. وحتى تلك المشاهد التي قد يرى فيها البعض خروجاً عن الأعراف السائدة، فقد صيغت بلغة أنيقة حملت من الإبداع أكثر مما حملت من إثارة للغرائز".
وصدر للكاتب موسى برهومة، الذي يعمل أستاذاً للإعلام في الجامعة الأمريكية بدبي، رواية ثانية بعنوان "ضِحْكت تاني"، كما صدرت له أربعة كتب في الأدب والإعلام، والفكر العربي المعاصر، حيث يحمل برهومة درجة الدكتوراه في الفلسفة.